الحرب الأهلية اللبنانية، هي حرب دموية دامت لأكثر من 15 عاماً، نتذكرها اليوم لكي لا نقع في أتونها مرة أخرى، نتذكرها اليوم لنحاسب ونسامح، ونؤكّد أننا لن نسمح بها مرة أخرى، نتذكرها اليوم، لنؤسّس لثقافة الحياة بدلاً من ثقافة الموت ولنتمسك بلبنان الوطن ومؤسسات الدولة والعيش المشترك الواحد. رافقت الحرب الأهلية، تفشي ظواهر غريبة على المجتمع اللبناني، إبان سنوات الحرب ومن أخطر هذه الظواهر، ظاهرة الخطف المتعددة الأسباب والأهداف في بعض المناطق اللبنانية. أبو فؤاد ش . (اسم مستعار لمواطن لبناني) متزوج، وهو من أحدى القرى في محافظة جبل لبنان، والتي يسكنها عدد من المكونات اللبنانية، إبان الحرب الأهلية اللبنانية المشؤمة هرب أبو فؤاد من منزله وأرضه وقريته بعد خطف أولاده الثلاثة ولم يعرف عن مصيرهم شيئاً، الا الابن الذي يدعى "نديم"، والذي قتل بطريقة وحشيه إبان الحرب الشرسة بين اللبنانيين، وشاهد جثت نديم أبناء بلدته، والذي تم تصفيته وقتله على أحد حواجز للميلشيات المسلحة، التي شاركت في الحرب الأهلية. خوف أبو فؤاد على حياته وحياة باقي أولاده، وخاصة أن زوجته فقدت البصر نتيجة القهر والخوف على مصير أبناءها وبعدها توفيت والغصة في قلبها بسبب النكبة، التي حلت على العائلة، أخذ قراراً بالنزوح الاضطراري إلى قرية لبنانية سياحية في قضاء المتن، والتي كانت أكثر المناطق لتجمعات سكانية وأكثر أمناً، وحصل أبو فؤاد على سكن مجاني في غرفة في مبنى مقابل أن يكون "حارس وعامل نظافة"، لهذا المبنى لكن للأسف لم يحصل على معاملة لائقة من صاحب المبنى، الذي استعمل على أبو فؤاد أشد أنواع الاستغلال والمعاملة السيئة. والنتيجة كانت أن أبو فؤاد استسلم للأمر الواقع على مضض نتيجة إبقاءه في الغرفة، التي أعطيت له مجاناً مقابل عمله، وحرص أبو فؤاد، على إرضاء صاحب المبنى على حساب كرامته والأمل برجوع إلى قريته وعودة باقي أبناءه المختطفين قصراً. وبعد سنوات من العذاب ولم يعرف عن مصير أولاده المختطفين شيئاً، وأبو فؤاد الذي عرف عنه النخوة لَم يستسلم للقدر أو يعرف قلبة اليأس وظل يستذكر أولاده المختطفين على أمل معرفة اَي شيء عنهم لحين توفى أبو فؤاد، ولَم يعرف الأقرباء ولا الدولة اللبنانية عن أولاده المختطفين شيئاً ليومنا هذا. عزيمة أبو فؤاد وصلابته وشهامته، زرعت في قلب طفلة وهي ابنة أحدى بناته للجد أبو فؤاد وتدعى "راينا" (اسم مستعار)، وبعد سفرها وهجرتها من لبنان مع والدتها وأخواتها إبان الحرب الأهلية إلى بلد أوروبي، كبرت الطفلة "رانيا" وتزوجت في سن مبكّر جداً، وعادت إلى لبنان لتحقيق حلمها الذي كبر معها، وهي طفله لتقول لمن عرف جدها أبو فؤاد و هو "حارس وعامل نظافة في المبنى"، بأن جدي كان يظلم أمام عيناي ومن كان ينظر لجدي كحارس مبنى وعامل نظافة فيجب أن يعرف من هو جدي أبو فؤاد وأنا راشدة. تقول "راينا"، جدي أبو فؤاد هو مواطن صالح لم يبادل الخطف بالخطف أو بالقتل فهو خسر أولاده وبقي مؤمن بأن الحرب الأهلية هي دمار على جميع اللبنانيين. تضيف "رانيا"، بعد رجوعي إلى لبنان أصريت أن أذهب إلى المبنى، التي سكن فيه جدي وتقصدت أن اشتري منزل في نفس المبنى في الطابق السفلي على بعد أمتار من الغرفة الذي سكن فيه جدي لأقول لروح جدي أرقدي الآن بسلام، وتقول "راينا"، إن رسالتي لصاحب المبنى وللجيران عن قصة أبو فؤاد، الذي شاء القدر أن يسكن في غرفة، فهو يمتلك في قريته الذي تركها مرغم عنه بسبب الاختطاف أولاده مبنى كامل مؤلف من عدد من الطوابق، وهو صحيح عمل كحارس وعامل نظافة لكن أبو فؤاد لم يتخلى عن مبادئه ولا شهامته ولا عنفوانه، ورغم رحله العذاب التي مر بها غرس في نفوس من عرفه معنى حب الوطن والأمل والشهامة والعنفوان. أبو فؤاد، فلترقد روحك بسلام مع القديسين والمؤمنين لأن التاريخ كتب عن مسيرة رجل معطاء لم ينكسر عنفوانه رغم تشرد عائلة كاملة بعضها لجئ للمهجر والبعض الآخر مفقود ليومنا هذا لكن أصر أبو فؤاد وعائلته، أن لم يتخلّوا عن وطن أو أن يستسلموا للظلم.