الابن توفي أو قتل لا أحد يعرف علي وجه الدقة بينما المحزون والصحفيون اللبنانيون يتوافدون علي سرادق صغير أقامه "علي حجاج" لاستقبال من يأتي للعزاء وبالمرة سؤال عن حقيقة اتهامه بحبس بعض ابنائه في بدرومات البيت وتقييدهم بالسلاسل وحجزهم لفترة طويلة بلغت 8 سنوات كما نشرت بعض الصحف اللبنانية في نهاية التسعينيات من القرن الماضي. قضية اتهام "علي حجاج" تبدأ بمشهد درامي يحتضر فيه ابنه "سالم" بينما يقف هو عاجزاً أمام ما يحدث بسبب فقره وحاجته الشديدة للمال وعدم محاولته انقاذ حياة ولده ولاعتبارات كانت لا تزال مجهولة في ذلك الوقت.. ويدعي البعض ان أحد اشقاء "سالم" قد قام بطعنه بالسكين وهو الأمر الذي نفاه "علي حجاج" وأكد نفيه الطب الشرعي وفجأة يأتي اتصال من مجهول لأحد أقسام الشرطة ليبلغ عن حالة الوفاة وأن "علي حجاج" قام باحتجاز أولاده وقيدهم بالسلاسل وبعدها قامت السلطات باحتجاز الأب والتحقيق معه. كان الابن "سالم" قد فارق الحياة بالفعل وقت أن كانت السلطات تحقق مع الأب وقامت قلة من الجيران بحمل الأبن وحيدا إلي المقبرة دون مشيعيين من أهل البلدة حتي إذا ما عاد الأب من التحقيق وجد منزله وقد غاب عنه ثلاثة من ابنائه واحد إلي المقبرة واثنان إلي "دير الصليب" لمعالجتهما من الأمراض العصبية. روي "علي حجاج" قصته لإحدي وسائل الإعلام والتي تتلخص في أنه ابن عائلة كردية هجرتها الحرب من وطنها لتستقر بأحد الأحياء الفقيرة في بيروت حيث ولد "علي" وبعض أخوته وعندما اشتد ساعده تزوج من لبنانية وانتقلا للسكن في منطقة حي السلم حيث بني لنفسه منزلا متواضعا أسوة بمنازل الحي وانجب 7 أبناء وعاش مستوراً مع ابنائه ويشهد الجيران جميعاً علي حسن جيرته وتعامله. برغم فقره الشديد أصر علي تعليم ابنائه رغم انه ليس مواطنا لبنانيا ويحمل هوية "قيد الدرس" أي انه تحت الدراسة ويأمل ان يحصل علي الجنسية اللبنانية يوما ما وبالتالي يستطيع الاستفادة من تعليم الابناء. خلال حرب لبنان الأهلية اختطفت إحدي بناته واغتصبت ثم قتلت وقطعت جثتها إلي أجزاء بقيت تحت جسر كفر شيما قرب حي السلم.. قصة مقتل ابنته افزعت الحي لفترة طويلة ودارت الشبهات حول عدد من شباب الحي لكنه لم يستطع الادعاء عليهم بسب الحرب وظروف الدولة وقتها وبسبب هذا الحادث ظل "علي" وأسرته في حالة انغلاق علي الذات وانعزلت الأم تماما عن بقية نساء الحي وقطعت علاقتها بكل من كانت لها علاقة وهي تندب حظها في وفاة ابنتها بهذه الطريقة واغلقت علي بناتها حتي لا يلقين نفس مصير اختهن أو أن يصاب ابناؤهم بمكروه من قتلة ابنتهم. هذه النكبة تدريجيا بدأت تؤثر في عقل زوجة علي حتي ذهب عقلها تماماً كما أثر علي عقول ابنائها الذين تركوا اعمالهم وانقطعت دخولهم المتواضعة التي كانت تساعد في مصروفات البيت. يقول "علي حجاج" للإعلاميين كما قال لسلطات التحقيق ان اربعة من افراد أسرته قد اختل عقلهم وهم زوجته وأولاده "عمر" وإيمان" و"حبيب" إصافة إلي ابنته "شاهيناز" المصابة بإعاقة جسدية ولذا كان أمام أحد خيارين كما قال للمحققين أما أن يترك لأولاده المختلين عقليا حرية الخروج من المنزل مع ما يعنيه اختلاط ابنائه بالناس وبالتالي تقع المشاكل وخاصة بالنسبة لابنته "إيمان" التي تاهت عشرات المرات وكان أولاد الحلال يعيدونها مرة أخري سواء من الجيران أو الشرطة وخياره الثاني أن يقيد حرية ابنائه المختلين خصوصاً "إيمان" علي أن يوفر لها ما تحتاج من طعام وشراب وملابس وهو الأمر الذي اختاره بعدما حدث لها أكثر من مرة. قال إن المصحات رفضت استقبال ابنائه لأنه ليس حاملا للجنسية اللبنانية ولذا جهز لأبنائه جزءاً من المنزل حبس فيه ابنته "إيمان" التي بدأت تظهر عدائية في التعامل مع شقيقاتها ولذا بدأ يربطها بسلاسل حديدية بطول مترين مثبتة بسرير حديدي بما يسمح لها بالحركة بين غرفة وأخري تضم بعض المقاعد البالية حيث قضت "إيمان" 7 سنوات لا تتحرك إلا بين الغرف بينما الروائح الكريهة تفوح منها ولكنها اعتادت عليه. كانت "إيمان" قد بلغت الثلاثين من عمرها ورغم اختلال عقلها إلا أنها كانت جميلة وبالتالي كان يخشي عليها من التحرش مع الشباب في الحي ولذا فإن الحل الوحيد أمامه كان حرمانها من الخروج من البيت خوفا عليها وليس حجز حريتهم كما حجز ابنه في غرفة أخري بجوار شقيقه وينام علي فراش رثة ومن باب قديم القي فوقه لحافاً يفترشه وآخر يلتحفه أما الأخ الثالث "حبيب" فأسكنه في غرفة محاذية لهما بينما بقيت الأم في غرفة محاذية لغرف ابنائها ولكنها كانت انظف كثيراً من غرف ابنائها. كان "علي" يعيل ابناءه جميعاً وحده حيث لم يكن يعمل بأكثر من 5 آلاف ليرة وهو مبلغ زهيد مقارنة بالأسعار العالية في بيروت لكنه كان يحتمل كل ذلك في سبيل عدم ضياع ابنائه وبناته منه ولكن "سالم" الذي قتل كان هو الوحيد الذي يعمل وليساعد أباه في إعالة امه وبقية اشقائه وكان يستعد للزواج ولكنه لقي حتفه نتيجة سوء التغذية والمرض الذي لم يستطع جسده النحيل مقاومته.. "سالم" قبل ان يموت كان قد تقدم لخطبة فتاة لبنانية لكن أهلها رفضوا تزويجها له بحجة انه غير حامل للجنسية اللبنانية.. وبعدها اتهموه بأنه تحرش بابنتهم حيث قضي عاما بالسجن ظلماً. "علي حجاج" بكي وهو يروي قصته فيقول إن المحققين تفهموا حقيقة حبسه لابنائه وبناته حتي انهم عندما حققوا معه لم يقيدوه بالسلاسل كما هي العادة وفي نهاية التحقيق اتصلوا بإحدي المصحات للوساطة لنقل ولديه المصابين بالخلل النفسي لعلاجهما بالمصحة.