مدير الأكاديمية العسكرية: بناء القوة والحفاظ على الهيبة يحتم بيئة تعليمية حديثة    الاحتلال يعلن اغتيال زاهي عوفي قائد حماس في طولكرم    إعلام عبري: دوي صفارات الإنذار شمالي إسرائيل    ليتوانيا تصدق على اتفاق لنشر 5 آلاف جندي ألماني    توتنهام يواصل عروضه القوية.. والكعبي يتألق    قندوسي يفجر مفاجأة بشأن فشل صفقة زين الدين بلعيد    التعليم تكشف آخر موعد للتقديم في المدارس المصرية اليابانية    «أنا قدامك خد اللي إنت عايزه».. حكاية صعيدي أراد التبرع ب«كليته» ل أحمد زكي (فيديو)    هالة صدقي تصور مسلسل إش إش مع مي عمر في رمضان 2025    بايدن: أعتقد أننا سوف نتجنب اندلاع حرب شاملة    مايكروسوفت تضيف مزايا ذكية ل Windows 11    مصررع طفلة رضيعة في الدقهلية.. اعرف السبب    قيادي بحركة فتح: نتنياهو يُحضر لحرب دينية كبرى في المنطقة    ملف يلا كورة.. برونزية مونديالية للأهلي.. وانتهاء أزمة ملعب قمة السيدات    برج الأسد حظك اليوم الجمعة 4 أكتوبر 2024: تلتقى بشخص مٌميز ومكالمة مٌهمة    دعاء أول فجر في ربيع الثاني.. «اللهم بارك لنا في أعمارنا»    تعرف على نصوص صلاة القديس فرنسيس الأسيزي في ذكراه    نائب مدير الأكاديمية العسكرية: نجحنا في إعداد مقاتل بحري على أعلى مستوى    أهالي قرية السلطان حسن بالمنيا يعانون من عدم وجود صرف صحي    رسمياً.. فتح باب تسجيل تقليل الاغتراب جامعة الأزهر 2024 "الرابط الرسمي والخطوات"    نائب مدير الأكاديمية العسكرية: الخريجون ذو فكر متطور وقادرون على الدفاع عن الأمن القومي    مدير الكلية العسكرية التكنولوجية: الخريجون على دراية كاملة بأحدث الوسائل التكنولوجية    محافظ الدقهلية يستقبل وفد اتحاد القبائل لتنفيذ مبادرة تشجير    عيار 21 يرتفع لأعلى مستوياته.. أسعار الذهب والسبائك اليوم الجمعة بالصاغة (بداية التعاملات)    "قمة سيدات الأهلي والزمالك".. مواعيد مباريات اليوم الجمعة والقنوات الناقلة    «استايلي معجبش كولر».. كواليس مثيرة يفجرها القندوسي بشأن رحيله عن الأهلي    لاتسيو يسحق نيس ويتصدر الدوري الأوروبي    المقاولون العرب يضم لاعب الزمالك السابق    محمد رمضان: لا صحة لتعديل لائحة الأهلي.. والفريق يحتاج 3 صفقات    صندوق النقد الدولي يكشف موعد المراجعة الرابعة لقرض مصر    بعد قليل، قطع المياه عن 10 مناطق حيوية بالقاهرة لمدة 5 ساعات    سعر كيلو اللحمة.. أسعار اللحوم اليوم الجمعة 4 أكتوبر 2024 في الأسواق    درجات الحرارة بمدن وعواصم العالم اليوم.. والعظمى في القاهرة 30    حريق يلتهم سيارة ملاكي أعلى كوبري المحلة بالغربية    خروج عربة ترام عن القضبان في الإسكندرية.. وشهود عيان يكشفون مفاجأة (فيديو وصور)    قتلوا صديقهم وقطعوا جثته لمساومة أهله لدفع فدية بالقاهرة    مصرع شخص نتيجة حادث مروري مروع في أكتوبر    قرار عاجل من "التنمية المحلية" بشأن عمال التراحيل    خبير اقتصادي يكشف تداعيات الحرب الإسرائيلية الإيرانية على البورصة    تعرف على موعد فتح حجز شقق الإسكان الاجتماعي 2024.. تفاصيل    وليد فواز عن حبسه في مسلسل «برغم القانون»: إن شاء الله أخرج الحلقة الجاية    خالد داغر يكشف كواليس إدارة مهرجان الموسيقى العربية في دورته الثانية والثلاثين    المخرج محمد عبد العزيز: ل "الفجر "تراجعنا في مناخنا الفني وانفصلنا عن الاستعانة بالأدب.. وتفاجئت بدور أبني كريم في الحشاشين    تعرف على تفاصيل أغنية الموقف ل ساندي ودياب    رئيس هيئة المعارض يفتتح «كايرو فاشون آند تكس» بمشاركة 550 شركة مصرية وأجنبية    دعاء يوم الجمعة.. تضرعوا إلى الله بالدعاء والصلاة على النبي    صحة دمياط: إجراء 284 عملية جراحية متنوعة منذ انطلاق المبادرة الرئاسية بداية    صحة دمياط: الكشف على 943 مواطنًا ضمن مبادرة «حياة كريمة»    تعزز الصحة الجنسية .. لن تتوقعها فوائد مذهلة للرجال بعد تناول البرتقال    أبرزها «الملعقة» و«الزيت».. حيل ذكية لتقطيع البصل بدون دموع    طريقة عمل الكريب، أكلة المطاعم اصنعيها بنفسك في البيت    حرب غزة في يومها ال363 | الاحتلال يزعم اغتيال 3 قادة في حماس للمرة الرابعة !!    حزب الله يعلن مقتل 17 ضابطا وجنديا إسرائيليا بمعارك الخميس    فتح المتاحف والمسارح القومية مجانا احتفالا بنصر أكتوبر    متحدثة "يونيسيف": 300 ألف طفل لبناني دون مأوى بسبب الحرب    أمين الفتوى: الاعتداء على حريات الآخرين ومجاوزة الحدود من المحرمات    حكم صلة الرحم إذا كانت أخلاقهم سيئة.. «الإفتاء» توضح    تعدد الزوجات حرام في هذه الحالة .. داعية يفجر مفاجأة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قصة سيدّنا هود عليه السلام
نشر في الفجر يوم 12 - 02 - 2013

وهو هود بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح عليه السلام.
وكان من قبيلة يقال لهم عاد بن عوص بن سام بن نوح.
بعد أن ابتلعت الأرض مياه الطوفان الذي أغرق من كفر بنوح عليه السلام، قام من آمن معه ونجى بعمارة الأرض. فكان كل من على الأرض في ذلك الوقت من المؤمنين. لم يكن بينهم كافر واحد. ومرت سنوات وسنوات. مات الآباء والأبناء وجاء أبناء الأبناء. نسى الناس وصية نوح، وعادت عبادة الأصنام. انحرف الناس عن عبادة الله وحده، وتم الأمر بنفس الخدعة القديمة.
قال أحفاد قوم نوح: لا نريد أن ننسى آبائنا الذين نجاهم الله من الطوفان. وصنعوا للناجين تماثيل ليذكروهم بها، وتطور هذا التعظيم جيلا بعد جيل، فإذا الأمر ينقلب إلى العبادة، وإذا بالتماثيل تتحول بمكر من الشيطان إلى آلهة مع الله. وعادت الأرض تشكو من الظلام مرة ثانية. وأرسل الله سيدنا هودا إلى قومه.
تأمَّلْ في خارطةِ شبهِ الجزيرةِ العربيةِ تَجِد منطقةً صحراويةً واسعةً في الشرقِ، إنّها منطقةُ الرَّبعِ الخالي… منطقةٌ خاليةٌ من كلِّ آثارِ الحياةِ فلا نباتَ ولا مِياه..
ولكنْ هل كانت هذه المنطقةُ صحراءَ قبلَ آلافِ السنين؟ لا كانت في هذه الأرضِ المُوحِشةِ مَناطقُ خِصبَةٌ وخضراء، وقد وجدَ علماءُ الآثارِ أطلالَ مدينةٍ مَطمورةٍ تحتَ الرِّمال.
في هذه المِنطقةِ وفي عُصورِ ما قبلَ التاريخِ عاشَت قبائلُ « عاد » القويةُ، وهي قبائلُ من العربِ البائدةِ.. لم يَذكُرْ عنها التاريخُ شيئاً الاّ ما وَردَ في القرآنِ الكريم.
عاشت قبائلُ عادٍ في تلك المِنطقةِ المُعشِبةِ الخضراء.. وكانت السماءُ تُمطِرُ في المَواسِمِ، فتُخصِبُ الأرضُ وتَمتلئُ السَّواقي والغِدرانُ وتَزدادُ الحقولُ بهجة.
وهكذا امتلأت أرضُهم بالنخيلِ والعِنَبِ والحُقولِ، وتَوسَّعَت بَساتينُهم.
اهتمَّ الناسُ آنَذاكَ بالبناءِ، فكانوا يَتَفنّنونَ في العِمارةِ وبناءِ القُصورِ والقِلاعِ والحُصون.
كانوا أقوياءَ مَغرورينَ.. أبطَرَتهُم النِّعمةُ .. لم يَعودوا يَستَمعونَ لصوتِ العقل..
كانوا وَثَنيّين يَعبُدونَ التَّماثيلَ… يَنحِتونَها بأنفُسِهم ثم يَعبُدونَها!
وهم يَبنونَ مَعابِدَهُم فوقَ التلالِ، ثم يَضَعونَ فيها تِمثالاً ويقولونَ: هذا إلهُ الخِصب، وهذا إلهُ البَحر، وذاك إلهُ البَرّ، وهناكَ إلهُ الحَرب.
لهذا كانوا يَتّجهونَ إلى تلكَ الأصنامِ في كلِّ حاجةٍ تَعرِضُ لهم.
كانت أرضُ الأحقافِ خضراءَ مليئةً بالمَراعي، فكَثُرَت ماشِيَتهُم وأصبَحوا أكثرَ تَرَفاً وبَذَخاً وغُروراً.
تَصَوّروا أنّ كلَّ هذا الخيرَ هو من بَركاتِ الآلهةِ.. لهذا انغَمَسوا في وَثَنيّتهِم أكثَر.
ازدادَ ظُلمُهم لِلأبرياءِ، وازدادَ بَطشُهم بمَن لا يُسايِرُهم في عقائدِهم وحياتِهم.
الناسُ الطَيَّبونَ كانوا يعيشونَ خائفينَ.. كانوا أقليّةً ضعيفةً، وكانت أسبابُ القوّةِ في أيدي الأغنياء.. والأغنياءُ كانوا جميعاً من الأقوياء.. فهُم طوالُ القامةِ، عَضَلاتُهم مَفتولة، وقلوبُهم قاسيةٌ كأنها مَنحوتةٌ من الصَّخر. في ذلكَ الزمنِ وفي تلك البقعةِ من دُنيا اللهِ الواسعةِ.. عاشَ سيّدُنا هُود.
كان إنساناً صالحاً طيِّبَ القلبِ مُحِبّاً للخيرِ.. اللهُ سبحانه اختارَهُ نَبيّاً وبَعَثَهُ رسولاً إلى قومِه.
أعلَنَ سيّدُنا هودٌ دعوتَهُ إلى عبادةِ اللهِ الواحدِ الأحِد، ونَبْذِ الأصنامِ والأوثانِ والآلهةِ، لأنها مُجرَّدُ حجارةٍ لا تَضُرُّ ولا تَنفَع.
كانَ سيّدُنا هودٌ شُجاعاً لم يَخَفْ من الوَثَنيّين.. كانوا أقوياءَ في الجسمِ ولكنّ هوداً كان قويّاً في إرادتهِ وروحِه.. إنّه مع اللهِ واللهُ معه.. واللهُ أقوى من كلِّ شيء.
الناسُ الطيبونَ آمَنوا برسالةِ هودٍ، كانوا قليلينَ جدّاً.
الأقوياءُ والمُترَفُونَ سَخِروا من هودٍ و من رسالتهِ، وقالوا إنّه رجُلٌ سَفيهٌ مَجنون، وراح أهلُ عادٍ يُؤذونَ النبيَّ ويُهدِّدونَه.
استَمرّ سيّدُنا هودٌ في دعوتِه، وكانَ يَعِظُ قَومَهُ دائماً يُذكّرُهم بنعمةِ اللهِ وبركاتهِ، ولكنْ لا فائدة..
كانوا يَتصوّرونَ أنّ الآلهةَ هي التي تَرزُقُهم… هي تُرسِلُ المَطر، و تُنبِتُ العُشبَ، و تُبارِكُ في ماشيتِهم فتَتكاثَرُ و تَزدادُ و تنمو..
لهذا قالوا إنّ هوداً مجنونٌ، وإنّ الآلهةَ قد لَعَنته .. كانوا هم أيضاً يُخوِّفونَ هوداً مِن سُوءِ العواقبِ إذا ما استَمّر في دعوتِه.
قالوا له:
إنّ الآلهةَ ستُعاقِبُك!
سيّدُنا هودٌ كانَ يَتَحدّى جبابرةَ عادٍ، ويَتَحدّى آلهتَهُم أيضاً.
ظلَّ هودٌ مُستمرّاً في رسالتِه، وعَجزَ الجَبابِرةُ عن فعلِ شيءٍ تجاهَ سيّدِنا هود.
أصبحَ أهلُ عادٍ قِسمَين: قسم آمنَ باللهِ واليومِ الآخِر وهم أفرادٌ قلائل جداً.. وقسم كفَروا برسالةِ هودٍ وظَلُّوا على بَغيِهم وفَسادِهم وضَلالِهم.
لم يَعُد هناكَ أملٌ في إصلاحِهم، ظلّوا سادِرينَ في ضلالِهم.
القَحطُ والجَفافُ
جاءَ مَوسِمُ المطرِ… ولكنّ السماءَ لم تُمطِر… كانت الغُيومُ تَمرُّ في سماءِ الأحقافِ وتَرحَلُ بعيداً.. أو كانت تَتَجمّعُ ثمّ تَتَبدَّد..
كانَ أهلُ عادٍ يعيشونَ على المراعي والزراعةِ وما تَهَبهُه البساتينُ من الفاكهة.
مَرّ ذلكَ العامُ دونَ مطر.
نَقَصَت مَحاصيلُهم.. وبعضُ الماشية نَفَقَت بسببِ الجُوعِ، وماتَت بعضُ الأشجار..
أهلُ عادٍ اتّجهوا إلى أوثانِهم يَعبُدونَها ويُقدِّمون لها القَرابين..
ولكنْ دُونَ جَدوى.
حَلَّ المَوسِمُ الآخَرُ.. وتَجَمَّعت الغيومُ.. أهلُ عادٍ فَرِحوا واستَبشروا. كانت الغيومُ سَوداء.. قالَ بعضُهم: إنها مُثقَلَةٌ بالمطرِ الغزيرِ. ولكنّ تلك الغيومَ سُرعانَ ما تَفرَّقت.
ضاعَفوا عددَ القَرابين… ولكنّ الغيومَ كانت تَظهَرُ وتَختَفي، وكانت الرياحُ التي تَهُبُّ تَحمِلُ لَهم الرِّمالَ فقط..
الإيمانُ يَعني الخِصب
جاء سيّدُنا هودٌ و وَعظَ قومَهُ. قالَ لهم: أنا أُحِبُّكُم.. أُريدُ لكم الخيرَ. قال لهم: يا قومِ استَغفِروا ربَّكُم ثُمَّ تُوبُوا إلَيه يُرسِلِ السَّماءَ علَيكُم مِدْراراً ويَزِدْكُم قُوَّةً إلى قُوَّتِكُم .
لم يَستَمِعْ أهلُ عادٍ إلى مَوعظةِ رسولِ اللهِ اليهم، أعرَضوا عنه وهَدَّدوه و تَوَعّدوه، وانصَرفوا إلى ذبحِ القرابينِ وتَقديمِها إلى الآلهة..
ومضى مَوسمُ المطرِ، ولكنْ لَم تَنزِلْ قَطرَةٌ واحدةٌ، واجتاحَ الجَفافُ مَناطقَهم.
تَحوَّلت أرضُهم الخضراءُ إلى صحراء.. نَفَقَت ماشيتُهم و ذَبَلَت أشجارُهم..
وحَلَّ العامُ الثالثُ.. كانَ عاماً عَصيباً جدّاً، أصبحَت المِياهُ نادرةً جدّاً إلاّ ما يَكفي لسَقيِ الماشيةِ فقط، أمّا الحُقولُ فقد ظَلَّت دونَ ماء.
في كلِّ يومٍ كانوا يَخرُجونَ إلى مَعابدِهم يَعبُدونَ الأصنامُ ويَتَضرّعونَ اليها. وكان سيّدُنا هودٌ يَنصَحُ قومَهُ يَدعُوهم إلى الايمانِ باللهِ عزّوجلّ؛ لأنّه هو وحدَهُ القادرُ على كلِّ شيء.. أمّا الأصنامُ فلا قيمةَ لها لأنها مُجرَّدُ حِجارة..
« إرَم » المدينةُ العجيبة
كانَ أهلُ عادٍ قد بَنَوا في تلكَ الفترةِ أعظمَ مدينةِ في العالَمِ، هي مدينةُ إرمَ التي لَم يُخْلَقْ مِثلُها في البِلاد .
كانت مليئةً بالقُصورِ والحَدائقِ والبساتينِ.. وكانَ شَدّادٌ الرجُلُ الجبّارُ الوَثَنيّ هو الذي أمَرَ ببنائها لتكونَ جَنّةً يعيشُ فيها..
كانَ يتَصوّرُ أنّه سيَبقى خالداً وأنّه لَن يَموت.. لقد كانَ قَويّاً جدّاً فتَصوّرَ أنه سيبقى حيّاً إلى الأبد.
عاصفةُ الدَّمار
حَلَّ المَوسِمُ الثالثُ لِهطولِ المَطر.. ولكنْ لا شيءَ سِوى الجفافِ، وسادَ القَحط.. وكانت الرياحُ تَهُبُّ فتَدَفعُ أمواجَ الرّمالِ باتّجاهِ الوُديانِ التي كانت ذاتَ يومٍ خضراء.
ضَرَبت المجاعةُ أرضَ الأحقافِ.. ما يزالُ سيّدُنا هودٌ يَدعوهُم إلى الإيمانِ ونَبذِ الأصنام…
اللهُ سبحانه هو القادرُ، هو الذي يُرسِلُ المَطَر فيُحيي الأرضَ بعد مَوتِها.. الله عزّوجلّ هو الذي يَبعَثُ الخِصبَ في الوِديانِ والسُّهول..
الأصنامُ والأوثانُ حِجارةٌ صَمّاءُ لا تَضُرُّ ولا تَنفَع..
ولكنّ قبائلَ عادٍ لم تُؤمِنْ برسالةِ هودٍ.. الناسُ كانوا يُطيعونَ الجَبابرة. أمّا هُودٌ فلَم يُؤمِنْ به أحدٌ إلاّ بعضَ الناسِ الطيّبين.
في الموسمِ الثالثِ.. خَرَجَ سُكّانُ الأحقافِ يَنظرونَ إلى السماءِ.. كانوا يَنتظرونَ الغُيومَ والمَطر..
السماءُ كانت صافيةً رزقاءَ ولا أثرَ للغُيوم… الوَثنيّونَ فكّروا بتقديمِ المَزيدِ من القَرابينِ.. فقد يُنقِذهُم إلهُ الخِصبِ من القَحطِ و الجَفافِ.. ولكنْ لا شيء.
جاءَ سيّدُنا هودٌ ووَعظَهُم للمرّةِ الأخيرةِ.. نَصَحَهُم بالتوبةِ والعَودةِ إلى اللهِ… اللهُ وحدَه الذي يُرسِلُ المَطرَ ويَبعَثُ الخِصب.
ولكنّ قومَ عادٍ نَهَروا سيّدَنا هوداً وقالوا له: إذهَبْ إيّها المجنون، أنت رجُلٌ كذّاب… لِيُرسِلْ ربُّكَ علينا العذابَ اذا كنتَ صادقاً… إننا لن نَترُكَ آلهتَنا… آلهتُنا هي التي تَرزُقُنا وتُرسِلُ لنا المطرَ و تَبعثُ الخِصبَ في أرضنِا و تُبارِكُ في ماشِيَتِنا، إنّ الآلهةَ لن تَنسى ذلك.
كانَ سيّدُنا هودٌ حزيناً من أجلِ قومِه.. كان يُريدُ لهم أن يُؤمِنوا حتّى يَعيشوا حياةً كريمةً هانئة…
مَرَّت ساعاتٌ… ظَهَرت في الأُفقِ غيومٌ سَوداءُ رَهيبة..
كانت الغُيومُ تَزحَفُ شيئاً فشيئاً حتّى غَطَّت سماءَ الأحقاف كلَّها..
فَرِحَ أهلُ عادٍ بالغيومِ.. قالوا:
لقد استَجابت الآلهةُ دُعاءنا… فارسَلَت لنا غُيوماً مُثقَلَةً بالمَطر.. سوف تُخصِبُ الوُديانُ وتَعودُ الخُضرةُ إلى البساتين.
قالَ سيّدُنا هودٌ وهو يَرى نُذُرَ العذاب:
كلاّ، بل هو ما استَعجَلتُم به، ريحٌ فيها عَذابٌ ألِيمٌ تُدمِّرُ كلَّ شيء.
أوى سيّدُنا هودٌ إلى الجبلِ ولجأ اليه المؤمنونَ… وأصبَحَ العذابُ قابَ قوسَينِ أو أدنى.. كان الوقتُ يَمرُّ، وكانَ الوثنيّونَ يُحَدِّقونَ في الغُيومِ السَّوداءِ المُتَراكمةِ. كانوا ينَتظرونَ المَطر.. ولكنْ دونَ جدوى.
بَدأ هُبوبُ الرياح الباردةِ.. سوفَ تَنقَضُّ العاصفةُ المُدمّرة.. في السماءِ اشتَعَلت البُروقُ، وانقَضّت الصَّواعقُ الرهيبةُ ودَوَّت الرُّعود… كانَ صوتُ الرعدِ هائلاً مُخيفاً انخَلَعَت له قلوبُ الكافرين.
أُصيبَ الوثنيّونَ بالهَلَعِ وفَرّوا إلى مَنازِلِهم، كانوا يَنظُرونَ بيأسٍ إلى الغُيوم.
لم يفكّروا بكلماتِ سيّدِنا هودٍ، لم يُفكّروا بمَواعِظهِ ونَصائحهِ، كانوا يَنظُرونَ إلى تلكَ التماثيلِ الحَجَريةِ فقط.. كانوا يَعتقدَونَ أنّ تلكَ الحجارةَ الصَّمّاءَ هي التي تَرزُقُهم وتَمنَحُهم الخيرَ والبركةَ و النَّماء.
بَدأت عاصفةُ الغَضَبِ السَّماوي … كانت الرِّياحُ عَنيفةً وجافّةً، وكانت قارِسَةَ البّرد..
لم تَكُن رياحاً تَحمِلُ السُّحُبَ ولا المطَر، كانت طُوفاناً مِن البردِ الشديدِ والرِّمالِ الكثيفةِ.
مَرَّت الساعاتُ مُخيفةً، والعاصفةُ لم تَهدأ أبداً، وكانت أمواجُ الرِّمالِ تزَحَفُ باتّجاهِ الوادي.
كانَ قومُ عادٍ مَغرورينَ بقوّتِهم… كانوا يَتّصوّرونَ أنَّهُم سيَتَغلّبونَ على القَحطِ والجَفافِ والعاصِفة.
تَصوّروا أنّ العاصفةَ ستَهدأ في الليلِ أو في صباحِ اليومِ التالي.
بَدأت الرِّياحُ المُدمّرةٌ هُبوبَها صباحَ الأربعاء، وظَلَّت تَعصِفُ بِعُنفٍ مدّةَ سبعِ ليالٍ وثَمانيةِ أيام.
لم تَهدأ ولم تَتوقّفْ إلاّ في صباحِ الأربعاء.. لم تَهدأ الاّ بعدَ أن طَمَرت الوادي الخَصيبَ بالرّمالِ، وانَدَثَرت مدينةُ إرَم العجيبةُ… تَحطَّمَت المَنازلُ وتَهاوَت الأعِمدةُ المَرمَريةُ الهائلةُ. أمّا أُولئكَ الرجالُ الذين كفَروا برسالةِ هُود عليهِ السّلام، فقد سَقَطوا فوقَ الرِّمالِ… كانوا طُوالَ القامةِ، لهذا بَدَوا مثِلَ جُذوعِ النَّخلِ اليابسة..
أمّا التَّماثيلُ فسَقَطَت على وُجوهِها وتَحَطّمَت، وتَحَوّلَت تلكَ المَعابدُ الوَثنيّةُ إلى أنقاض..
لقد حَلَّت اللعنةُ عليهم.. كانوا طغاةً جبّارين ليست في قلوبِهم ذرةٌ من الرحمة.. كانت حَياتُهم كلُّها عَبَثاً في عَبَث.. حتّى عندما كانوا يَبنونَ قُصورَهُم كانوا يَفعلونَ ذلك لمجرّدِ العَبَث.
لم يكونوا يَستَفيدونَ منها أبداً، لهذا غَضِبَ اللهُ علَيهم بسببِ كُفرِهم واضطهادِهم للمؤمنين.
من أجلِ هذا أهلَكَهُم، وأنقَذَ سيّدَنا هوداً والذينَ آمَنوا معه حتّى يعودَ الناسُ إلى فِطرتهِم ويَبدأوا حياةً إنسانيةً جديدةً مليئةً بالخيرِ والخِصبِ والنَّماء.
والله أعلم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.