ما كل هذا الفزع الذى إنتاب الأمريكان والأوربيين من قيام السلطات المصرية بتفتيش عدد من مقارات المنظمات الحقوقية التى تعمل على أراضيها للحصول على معلومات فى قضية تمويل تلك المنظمات؟ ما أسباب تلك الانتفاضة ضد هذا الإجراء وذلك الهجوم الشرس على الأجهزة المصرية ومسئوليها ليس فقط من المسئولين الأمريكيين والأوروبيين بل وعبر فضائيات إعلامنا المصرى الجديد ومواقعنا الإليكترونية وعبر أقلام زملاء يقومون بتغطية نشاط هذه المنظمات.. وكأن من قام بهذا الإجراء جهات تحقيق تسللت إلينا من دولة أخرى..؟ هذا الفزع وتلك الإنتفاضة هل سببها بالفعل هو الخوف والقلق على مستقبل مصر الحرة الذى سيضمنه وجود تلك المنظمات فى مصر تشبهاً بالوصف الذى أطلقه عليها د.البرادعى بأنها "أيقونة الحرية".. أم ان الأمر له شأن آخر لا يعلمه إلا أصحابه فقط..!! أفهم أن تكون أمريكا وأوربا وغيرهما وكل من له مصلحة فى إضطراب مصر أن يطلق العنان لمنظماته وخلفها أجهزة أخرى "للعب" داخل بلادنا التى باتت للأسف مستباحة أمام كل من "هب ودب" لكن أن أجد "مصريين ولاد مصريين" تكاد تنفطر أكبادهم من بين ضلوعهم هلعأً وحزناً وكدراً على القيام بعملية تفتيش لعدد من مقارات تلك المنظمات بقرار من قضاة التحقيق فى حصول منظمات على تمويل سياسى أجنبى بالمخالفة للقانون وبهدف تقديم أدلة الحقيقة للتحقيقات الجارية فهذا شئ يدعو للتأمل والعجب فى نفس الوقت..!! إن هؤلاء المصريين - أبناء بلدنا - تناولوا فى وصفهم لما حدث عن "مداهمات" لمقارات تلك المنظمات وكأنها مداهمات من جيش الاحتلال للمدنيين العزل فى بيوتهم.. إنهم تحدثوا عن عملية التفتيش كما لو كان هناك كُفاراً قد هاجموا مسجداً أو كنيسة أو معبد لسفك دماء العابدين لله داخلها.. إنهم فى حديثهم تألموا كثيراً لأن النظام السابق - على حد قولهم - لم يجرؤ على هذه الفعلة الشنعاء بينما جاء عهد ما بعد الثورة لخرق حرمانية الدخول لهذه المنظمات التى يرى المحققون أنها مخالفة للقانون..!! ما كل هذا أيها المصريون الأجلاء.. يا من تبكون هماً وغماً - أنتم ومعكم الأمريكان الآن - على حق من حقوق قضاة التحقيق فى قضايا تمويل خارجية كبرى باتت واضحة وضوح الشمس لمن لا يرى وماذا يضر "الشرفاء" مادام لم يتم تمويلهم بشكل غير شرعى ولا خالفوا القانون من حدوث عمليات تفتيش ومراجعة تمت بشكل قانونى. ما كل هذا الحرص أيها المصريون الأجلاء - المهاجمون لهذا الإجراء - على تلك المنظمات التى صرح مسئولين أمريكيين وأوربيين صراحة بأنها منحتها الملايين من الدولارات بينما تمسك دولها يديها عن مساعدة الشعب المصرى الآن فى فترته الانتقالية الصعبة وتضع أمامه العراقيل حتى فى الإقتراض من صندوق النقد ووصل بها الأمر للضغط على الدول العربية لعدم مساعدة مصر كما أشارت التقارير الواردة!! ما كل هذا الحرص أيها المصريون الأجلاء.. يا من تتحسرون على منظمات تمولها أمريكا وأوربا وأخرى تمولها أطرافا عربية ونحن نعلم أن أحداً من هؤلاء لايريد لنا استقراراً إلا على طريقته وأهدافه ومصلحته أو أن تكون فوضى عارمة يرونها خلاقة لتحقيق هذه الأهداف ثم لماذا لم تسألوا أنفسكم أيها المصريون الشرفاء الذين أسودت الدنيا فى عيونهم منذ تفتيش عدد من مقارات منظمات المجتمع المدنى لماذا تتفق وجهة النظر الأمريكية - الأوربية مع وجهة نظركم الآن .. ؟! هل ترون فى اتفاق وجهتيكما مايبرره الآن وأنتم المصريون الأحرارالذين نسمع منهم دائماً أنهم الأكثر حباً وولعاً وعشقاً لتراب هذه البلد وحريتها واستقلالها ونهضتها ؟ فهل أمريكا وأوربا مولعة وعاشقة لتراب هذا البلد وحريته واستقلاله ونهضته.. مثلكم تماماً ؟! أيها المصريون الأصلاء هل تقبل أمريكا تلك بأن تقام على أراضيها منظمات مصرية بالمخالفة لقوانينها دون أن تتحرك ساكناً .. هل تترك السلطات البريطانية أو الفرنسية هيئات تعمل داخلها وهى لاتعلم عنها شيئاً . اذا كان النظام السابق لم يجرؤ على القيام بتلك الفعلة فإن العيب كان فى النظام السابق الذى كان "على رأسه بطحة" بفساده وضعفه وهوانه ولايستطع أن يغضب ماما أمريكا ولا عمته بريطانيا.. ثم لماذا تضربون المثل بهذا النظام الآن .. أليس هو النظام الفاشل الفاسد الذى لا يُضرب به مثل فى شئ أم أن الغاية دائماً ما تبرر لديكم الوسيلة ؟! نعرف أن مهنة "النشطاء" و"الحقوقيين" أصبحت أسهل المهن وأسرعها وصولا ً وأقربها - لن نقول إلى المال الوفير حتى لانظلم أحداً ممن يعدون أنفسهم من المناضلين فى سبيل الحرية والعدالة - ولكن إلى الشهرة والتلميع فى ظروف أختلطت فيها كل الأوراق وتناثرت فيها الأقنعة ..ورغم اقتناعى الشخصى بان تلك المنظمات كان لها دوراً لابأس به فى الوصول الى الحالة التى أصبحنا عليها بحلوها ومرها لكن فى ظنى أنه وسط كل هذا لازالت هناك أغلبية مصرية تعيش على تراب هذا البلد تتمسك به دون "حقوقية" ولا "أهلية" ولا "منظماتية" وهم ليسوا نشطاءاً ولا بائعى تجارة الشعارات البراقة عن حقوق الانسان ولكنهم يعوون تماماً أنه عندما تقوم دول بصرف مئات الملايين من الدولارات على قلة قليلة من أبناء هذا الشعب بشكل غير شرعى هى بالضرورة ستجنى من خلف ذلك الثمار.. إنها أغلبية تعى أنه عندما تلتقى مصالح الخارج مع البعض فى الداخل فالخراب يكون قادماً..!! نقلا عن "الأهرام"