يزيد عمرها عن 1400 عام، ظلت ولا تزال محط أطماع الكيان الصهيوني، فيوميًا وحتى يومنا هذا يصدرون القرارات التي تتضمن اقتطاع جزء منها؛ لتحويله إلى حديقة توراتية، ومنع المسلمين من حقهم التراثي والديني والإنساني في الحفاظ عليها. في مثل هذا اليوم، عام 2004، هدمت سلطة الحدائق الصهيونية جزء كبير من سور مقابر باب الرحمة، المحاذية للمسجد الأقصى، والتي تحوي رفات قبور الصحابة والتابعين والعلماء المشهورين. نصف المنطقة لمن لا يعرفها، مقابر باب الرحمة محاذية للمسجد الأقصى المبارك من الخارج إلى الجهة الشرقية، وفي المقبرة دفن صحابيين جليلين، هما أوس بن شداد وعبادة بن الصامت، وتحوي على رفات العديد من الصحابة والتابعين وشهداء المعارك الصليبية، محاولات الصهاينة لهدم المنطقة لا تنتهي، فهم يسعون لإقامة ما يسمى بمتحف التسامج. تبلغ مساحتها نحو 23 كيلومتر مربع، وتمتد من باب الأسباط الباب الشمالي الشرقي، حتى نهاية جدار المسجد الأقصى المبارك، بالقرب من القصور الأموية من الجهة الجنوبية الشرقية، الكل يعلم أن الأوقاف الإسلامية تتعرض في فلسطين عامة وفي القدس خاصة لانتهاكات واضحة لقواعد القانون الدولي والمحلي، ويتم السيطرة على هذه الأوقاف بطرق ملتوية لخدمة الهدف الأكبر وهو الاستيلاء على أكبر مساحة من الأراضي من أجل توسيع الاستيطان، ونقل الأراضي الفلسطينية إلى أيد صهيونية، ولم تسلم من ذلك مقابر باب الرحمة. ويعتبر الاحتلال والجماعات الصهيونية هذه المقبرة موقعًا استراتيجيًا لإحكام السيطرة على المسجد، ببناء نفق يمتد من باب الأسباط، وحديقة توراتية ممتدة للقصور الأموية، وتدشين قطار هوائي يصل لساحة البراق لتطويق الأقصى للمضي قدمًا لبناء الهيكل المزعوم. الاحتلال كان الحاكم والمحكوم، القاضي والجاني والمنتصر وكل شيء في القضية "كالعادة"، إذ يستدل من ملف دعوى الملكية على جزء من أرض المقبرة، الذي قدمه رجل الأعمال الصهيوني آريه كينغ، وبقي طي الكتمان حتى أكتوبر 2012، حين منعت سلطات الاحتلال دفن امرأة من عائلة القراعين الفلسطينية. هنا اكتشف العالم عقد الصهاينة جلسات بمحاكمهم بين عامي 2004 و2009 دون علم أو إبلاغ الأوقاف الإسلامية، الراعية للمقبرة، وطبعًا محكوم فيها بالمصادرة دون تأكيد بأن المقبرة أرض للوقف الإسلامي. مقدم الدعوى الذي يزعم أن أجداده دفنوا بمقبرة باب الرحمة، ويدعي ملكيته لجزء من أراضي المقبرة مساحتها 1800 متر، تحتوي على 95 قبرا منها 39 قبرا صدر بحقها أوامر هدم، هذا الصهيوني طالب محكمة الصهاينة باستصدار أمر احترازي يلزم الاحتلال بهدم وإخلاء الأرض من القبور ومنع المسلمين من دفن موتاهم، واستجابت المحكمة لطلبه. هذا التضييق على المقبرة يأتي في سياق منع المسلمين من التواصل مع آبائهم وأجدادهم، ليمر الزمن ويتمكن الاحتلال من إلغاء التراث أسوة بما حدث في مقبرة مأمن الله، حين منع أهالي القدس من استخدامها لدفن موتاهم، وبالتالي تفرد بها الاحتلال، وصادرها ليقيم على أنقاضها ورفات القبور مشاريع استيطانية ومباني حكومية ومتاحف تهويدية وملاهي. للمقدسيين المسلمين 3 مقابر أساسية في القدس، هي اليوسفية وباب الرحمة (أقدمها)، إضافة إلى مقبرة شارع صلاح الدين، وجميعها تعاني من الاكتظاظ؛ بسبب ضيق مساحة الأرض، وعدم القدرة على التوسع في الوقت الذي اقتطعت فيه سلطات الاحتلال في السنوات الأخيرة جزءًا من مقبرة باب الرحمة؛ لشق شارع للمشاة على حساب القبور التي هدم بعضها. ويعتبر القرار الصهيوني بمنع دفن المسلمين في مقبرة باب الرحمة حلقة في سلسلة القرارات الصهيونية الهادفة إلى تطويق المسجد الأقصى والسيطرة عليه بالكامل، وفي إطار تهويده وتهويد المدينة، حيث يجري العمل على تهجير المقدسيين وجلب المزيد من المغتصبين للسكن فيها.