دائمًا ما كانت قلوبهم تشتاق للقاء الزمالك ولقاء أحبتهم في التالتة يمين، فمباراة الزمالك كانت دائمًا وأبدًا يوم عيدهم، ففي المدرج وخارجه كان يربطهم رباط وهو الدم، فهم أخوة فيه، فهؤلاء هم جماهير الزمالك كما عرفتهم، ولكن فى هذه المرة تحول عيدهم إلى يوم أسود . عاش شباب الزمالك أغلب عمره في المدرج يتجرعون مرارة الهزيمة تلو الأخرى، وبالرغم من أن معظمهم لم يعرف طعم الفوز بالبطولات مع هذا النادي؛ نظراً لصغر سنهم إلَّا أنهم صمدوا في المدرج مدافعين عن حلمهم فى ناديهم كما يحبون أن يروه، فكانوا يرون فيه النادي الحر الذي يعاني من اضطهاد الدولة، فتحملوا كل شيء بدءًا من إدارات فاشلة مرورًا بمعاناة دائمة مع التحكيم، وفي ذكرى مئويته كانوا هم من أنجحوها وأبهروا كل العالم بأداء رائع في مدرجهم، الذي عشقوه فظلوا دائمًا درع وسيف نادي الزمالك.. هكذا كانوا يعتقدون . ولكن النادى الذي عشقوه الأمس تغير هذا العام وكان مختلفًا برئاسة واحد من أعتى الرجال المنتمين للنظام الحاكم، فظهرت أموال لا يعرف الجميع من أين أتت وسيطر الزمالك على سوق انتقالات اللاعبين بشكل شبه كامل، وبرغم عدم رضاء جماهير المدرج عن رئيس ناديهم إلَّا أنهم فضلّوا مصلحة ناديهم على آرائهم ومعتقاداتهم، فتصدر الزمالك الدروي فتمكنت منهم السعادة فألغوا عقولهم، وفي اليوم المتفق عليه ظهر الوجه القبيح لنادي الدولة الجديد، فقدم شبابه وجماهيره قربانًا في سبيل ذلك . ففي الليلة المشئومة وفي القرية الأولمبية للدفاع الجوي وفي استاد "30 يونيو" تم الانتقام من جماهير الزمالك الذين شاركوا في ثورة "25 يناير" كما حدث مع جماهير الأهلي من قبل، نُصب الكمين وأُعدت له المعدات اللازمة للانتقام، فصنُع صندوق حديدي أشبه بمصيدة الفئران وأدخلوا الجماهير فيه بحجة تفتيشهم وأطلقوا غازاتهم المسيلة عليهم، وانتشر الهرج والمرج، ومع شدة التدافع وغاز الداخلية وهروات جنودها مات الذي كان ذاهبًا لتشجيع ناديه غدرًا دافعًا فاتورة يناير.. ولكن ماذا فعل لأجلهم هذا النادي الذي قدموا أرواحهم فداءً له؟! لا شيء، بل أنه شارك هو أيضًا في قتلهم، فنعتهم رئيسه بالبلطجية رغم أنهم هم الذين قتلوا وأصيبوا، وبرغم أنهم هم من صنعوا من لاعبين لا يعرفهم أحد نجومًا وأعطوهم الملايين، فكان رد جميلهم لهم هو المشاركة في قتلهم، فلعبوا المباراة ولم ينسحبوا وكأن شيئًا لا يحدث، فتركوا جماهيرهم للذئاب تنهشهم وتأكلهم، محافظين هم على الملايين التي يكنزونها؛ بسبب تلك الجماهير، الذين تركوهم يواجهون مصيرهم. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: ما هي قيمة نادي الزمالك الحقيقية؟ وهل تستحق كرة القدم أن يُسال دماء الشباب باسمها؟ بنظرة بسيطة على تاريخ كرة القدم المصرية يتأكد لديك، بما لا يدع مجالًا للشك، أن الجماهير هي التي تجعل لأي نادٍ تلك القيمة الكبيرة التي تميزه عن باقي الأندية، فالذي يميز الأهلي والزمالك والاتحاد والمصري والإسماعيلي عن أندية كان لها تاريخ في كرة القدم كالترسانة والأولمبي، الذين صالوا وجالوا في الدوري المصري، هو بقاء جماهير تشجعهم وتؤازرهم، فبرغم كون الترسانة والأوليمبي مثلًا أندية صاحبة بطولات، أنظر إليهم الآن فهي غير موجودة ولا يتذكر مباراياتها أحد.. فجماهير كرة القدم دائمًا وأبدًا هي من تصنع الأندية، التي تكون بعد ذلك مطمعًا لضعاف النفوس يحلمون بدخول مجلس إدارتها ويشعلون الصراعات فى سبيل ذلك. وتستغل الدول المستبدة أيضًا تلك الأندية في إلهاء شعوبها عن كوارث ومصائب عظيمة كما حدث في عام 2006 من غرق ما يقرب من 1200 مصري في البحر الأحمر، وبرغم هذه الكارثة العظيمة خرج الشعب في نفس الليلة ليحتفل بالفوز بكأس الأمم الإفريقية بدلًا، من التظاهر ضد هذه الحكومة الفاشلة حينها. وهكذا النظام العالمي فكرة القدم جزء أساسي وأصيل في هذا النظام، في التلاعب بالشعوب ونهب ثرواتهم في مقابل لا شيء.. وأخيرًا سيبقى شهر فبراير شاهدًا على أن الكرة والأندية لا شيء وأن الجماهير تضيع من وقتها الكثير فى اللا شيء.. فانتبهوا وأفيقوا من غفلتكم، فالموت لابد أن يكون في سبيل شيء.