مع انتهاج جمهورية الجبل الأسود "مونتينيغرو" سياسة الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي "الناتو" في التعامل مع روسيا، واقتراب موعد انضمامها رسميًا إلى الحلف العسكري، تظهر الأزمات الدبلوماسية بين بودغوريتسا وموسكو. بوادر أزمة جديدة استدعت وزارة الخارجية في الجبل الأسود السفير الروسي في العاصمة بودغوريتسا، الإثنين الماضي، للاحتجاج على احتجاز أحد نوابها البرلمانيين لفترة وجيزة في مطار بموسكو، وقالت الوزارة في بيان لها إن "ميودراغ فوكوفيتش" وهو نائب بارز في البرلمان عن حزب الاشتراكيين الديمقراطي الحاكم، احتجز خلال الليل في مطار دوموديدوفو بموسكو، وعاد "فوكوفيتش" الذي كان متوجهًا إلى عاصمة بيلاروسيا "مينسك" عبر موسكو، إلى الجبل الأسود، وجاء في البيان أن "مذكرة الاحتجاج أشارت إلى السلوك غير الملائم للمسؤولين الروس خلال الاحتجاز غير المبرر للسيد فوكوفيتش". من جانبها علقت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، على الخطوة الدبلوماسية التي اتخذتها جمهورية الجبل الأسود باستدعاء السفير الروسي هناك، بقولها إن النائب البرلماني عن حزب الاشتراكيين الديمقراطي الحاكم "ميودراغ فوكوفيتش" ممنوع من دخول البلاد، كرد فعل على عقوبات الجبل الأسود ضد روسيا، وأضافت: أنه ليس سرًا أن الجبل الأسود انضمت منذ البداية إلى عقوبات الاتحاد الأوروبي ضد روسيا، بما في ذلك التي ذات طبيعة شخصية، لقد قلنا دائمًا أننا نحتفظ بحق الرد على أساس المعاملة بالمثل، كما هي العادة في الممارسة الدبلوماسية، وسيتم إعطاء التفسير الملائم لجانب الجبل الأسود. "الناتو".. من هنا تبدأ الأزمة الأزمة الدبلوماسية الأخيرة بين بودغوريتسا وموسكو تأتي في إطار تفاقم التوترات بين الطرفين منذ سنوات، حيث ظلت العلاقات بين مونيغيرو وروسيا دبلوماسية ودية على مدى ما يقرب من عشر سنوات بعد انفصال الجبل الأسود عن صربيا عام 2006، حيث وثقت موسكو حينها علاقاتها مع الجمهورية اليوغوسلافية السابقة، وانهالت على البلاد الأموال من المستثمرين والسياح الروس، حتى جاءت دعوة حلف الأطلسي إلى مونيغيرو بالانضمام إلى الناتو في عام 2015، وحينها اختارت جمهورية الجبل الأسود إدارة ظهرها إلى روسيا والاتجاه نحو الدول الأوروبية. حينها جنحت جمهورية الجبل الأسود إلى التحالف مع الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، ودعم سياستهما واتخاذ نفس مواقفهما التي تتعارض بكافة الطرق مع مواقف روسيا على مستوى كافة الأزمات الإقليمية والدولية، وعلى رأسها أزمة انضمام شبه جزيرة القرم إلى موسكو، حيث فرضت جمهورية الجبل الأسود في عام 2014 عقوبات على روسيا، وتبنت سياسات الاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بضم روسيا لشبه جزيرة القرم في أوكرانيا، وردت موسكو بإدراج الجبل الأسود على قائمة الدول التي تحظر استيراد المواد الغذائية منها. جاء انضمام مونيغيرو إلى حلف شمال الأطلسي ليصعد من التوترات بين الطرفين، حيث من المقرر أن تنضم الجبل الأسود إلى الحلف العسكري الشهر المقبل، حيث أعلن الأمين العام لحلف شمال الأطلسي، ينس ستولتنبرغ، قبل أيام، أن دولة الجبل الأسود ستنضم بشكل رسمي لحلف الناتو في بداية الشهر المقبل، وذلك بعد أن صادقت برلمانات كافة الدول الحلفاء ال28 والجبل الأسود على انضمام الدولة لحلف الناتو. هذا الأمر ترفضه موسكو تمامًا وتصفه بأنه يهدد أمنها القومي، خاصة أنه يكرس تمدد الحلف في المزيد من دول البلقان، وهو ما يريده الناتو من دعوته جمهورية الجبل الأسود للانضمام إلى الحلف منذ عام 2015، فهذه الجمهورية اليوغسلافية السابقة التي لا يسكنها سوى 650 ألف نسمة، لا تمثل أي ثقل سياسي أو اقتصادي حتى يسعى الناتو إلى اكتسابه، لكنه سيحقق من وراء انضمامها مكسب آخر بعيد المدى، هو إيصال رسالة إلى روسيا بأن الناتو موجود وقريب من الأراضي الروسية، فستصبح مونيغيرو ذراع للحزب العسكري في دول البلقان. أضف إلى ذلك أن المعارضة داخل الجمهورية ترفض طريقة إقرار الانضمام من عدمه، فالمعارضة ترى بأن الأنسب هو إجراء استفتاء شعبي عام حول هذا الموضوع، وتعتبر أن مثل هذا القرار المصيري يستحق عرضه على الشعب مباشرة ولا يجوز إقراره من قبل البرلمان أو مؤسسات أخرى، الأمر الذي دفعها إلى الإعلان عن مقاطعتها لجلسات البرلمان منذ أكتوبر الماضي، لكن سلطات الجمهورية اليوغسلافية السابقة ضربت بعرض الحائط مطالبات المعارضة، وفي نهاية إبريل الماضي، وافق برلمان الجمهورية اليوغسلافية السابقة على انضمام البلاد لحلف شمال الأطلسي، حيث صوت حينها 46 نائبًا ب"نعم"، فيما لم يصوت أحد ب"لا". علقت موسكو حينها على هذه الخطوة بالقول إن سلطات جمهورية الجبل الأسود لم تنصت إلى صوت العقل والضمير وأصرت على قرار الانضمام إلى الناتو، وأعربت حينها وزارة الخارجية الروسية عن الأسف الشديد بشأن القرار، وشددت على تفعيل مثل هذا القرار الهام والأساسي دون الاستماع لرأي شعب الجمهورية، ليس إلا تصرفًا استعراضيًا بحت تم خلاله انتهاك كل قواعد ومبادئ الديمقراطية، وأكدت الوزارة أيضًا أن موسكو لا يمكنها تجاهل العواقب الاستراتيجية لهذه الخطوة، ولذلك يترك الجانب الروسي لنفسه حق اتخاذ القرارات والخطوات اللازمة لحماية مصالح روسيا وأمنها القومي.