التاريخ ليس مجرد سرد أحداث الماضى فحسب، إنما هو علم جليل يقوى الاعتزاز بالأمة وماضيها وأخذ العبر من أخطائها وإخفاقاتها، ومن ثم يعد مصدر إلهام للإنسان يدفعه إلى الاقتداء بعظماء بلاده التاريخيين فى جميع المجالات والذين حققوا لبلادهم نجاحات وسطروا فى تاريخها صفحات. فقراءة التاريخ تشحذ الهمم وتبعث الروح وتخلق التنافس فى حب الخير. صلوا على من غيّر القلوب والعقول ليس هناك أفضل من تاريخ رسول الله وسيرته العطرة لتكون مصدر إلهامٍ لمن يريد الفلاح والنجاح فى الدنيا والآخرة، فمن يقرأ سيرته بتأملٍ يشعر أنه أمام نموذج فريد فى العظمة والنجاح، فهو أنجح الناجحين وأنبه النابهين وأذكى الأذكياء. سيرتُه أفضل بكثيرٍ وأعمق من كتب التنمية البشرية التى نقرأها فى عصرنا الحالى، وهى سيرة أشبه بمجموعة من الملفات الإليكترونية المضغوطة التى ما زالت حتى اللحظة تحتاج إلى من يفكها ويستخرج كنوزها التى تحوى حلولًا جذرية لمشاكلنا اليومية. ومن أهم ملفات السيرة النبوية العطرة ملف النجاح الذى يشغل بال كثير من الشباب فى عصرنا الحالى، إذ قدم النبى فى سيرته نموذجًا لأعظم نجاحٍ شهدته الدنيا وخطوات عملية لمن يريد السير على طريق النجاح فى عمله أو فى جامعته ومدرسته... ومن أعظم النجاحات التى حققها الرسول وأصعبها هو نجاحه فى تغيير العقول والقلوب. فقد استطاع تحويل شعب الجزيرة العربية من أناسٍ غلاظ يعبدون الأصنام ويسجدون لها إلى أمة حضارية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، أمة لها عقل تفكر به وتتأمل وتدرك أن الصنم لا ينفع ولا يضر ولا يمكن أن يكون إلها، وأن الخالق هو الذى يخلق العبدَ وليس العبدُ هو الذى يصنع الإله، فالرسول نجح فى أن يغير عقولًا صلبة متشددة فى التمسك بتراث ضال لا يناسب العقل والمنطق. وكما نجح النبى فى تغيير العقول نجح فى تغيير القلوب أيضًا، واستطاع أن يجعل أناسًا يقتلون بناتهم فلذات أكبادهم أو يدفنونهن أحياء فى الصحراء أو يلقونهن فى آبار الماء إلى أناسٍ يبكون وترق قلوبهم بمجرد سماع آيات من كتاب الله. وتغيير العقول والقلوب والطباع الموروثة ليس بالأمر الهين، ويدرك صعوبته علماء النفس والتربية. فكيف استطاع النبى القيام بهذا العمل العظيم؟ حقق النبى ذلك بالعمل والكد والتوكل على الله والحرص على أداء المهمة التى أوكلها الله إليه. فعندما نزل الوحى على الرسول وكلفه بالتبليغ ودعوة الناس إلى الإسلام، وتأكد النبى أن ما نزل عليه فى الغار هو وحى السماء لم يتكاسل عليه الصلاة والسلام لحظة أو يركن إلى الراحة إنما بدأ العمل على الفور وقال للسيدة خديجة رضى الله عنها «مضى عهد النوم يا خديجة»، أى ليس هناك وقت للنوم ودقت ساعة العمل. فهناك إنسان حريص على النجاح فى إنقاذ البشرية وعلى أداء وظيفته وواجبه على أكمل وجه. ومن هنا نستنبط رسالة مهمة تلخص فلسفة الحياة العملية وفلسفة النجاح وتحدد أول خطوة على طريقه وهو استغلال الوقت، والسعى الجاد لتحقيق الآمال، وعدم الإفراط فى الراحة. وعندما نزل قوله تعالى «وأنذر عشيرتك الأقربين» «الشعراء: 214» جمع النبى على الفور أقرباءه من بطون القبائل، وقال لهم «أرأيتم إن أخبرتكم أن خيلًا تخرجُ من سفح هذا الجبل، أكنتم مصدقى؟ قالوا ما جربنا عليك كذبًا، فقال «فإنى نذير لكم بين يدى عذاب شديد». فالشاهد هنا هو سرعة الاستجابة وعدم التراخى، وهى عناصر لا غنى عنها لمن يريد النجاح. وفى السنوات الأولى من مرحلة الدعوة فى مكة كان يذهب من سوق إلى سوق، ومن شارع إلى شارع يدعو الناس إلى عبادة الله وترك عبادة الأصنام، ويتعرض فى هذا السبيل لكثير من صنوف العذاب والعنف... وهذا يدل على أن طريق النجاح ليس طريقًا مفروشًا بالورود، بل فيه مشاق إلى أبعد الحدود، وابتلاءات كثيرة، ومعطلات طويلة، ومن ثم يحتاج إلى عزيمة وصبر وتصميم وإرادة وسعى إلى بصيص نور يضىء الطريق. ختامًا نقول إن عناصر النجاح فى حياة المصطفى لا يكفيها مقال محدود المساحة كهذا المقال، لذلك سنجعلها سلسلة من المقالات نتبارك فيها بالحديث عن أنجح الناجحين. صلى الله على سيدنا محمد . د.حمادة شعبان عضو هيئة التدريس بكلية اللغات والترجمة، ومشرف وحدة رصد اللغة التركية بمرصد الأزهر «محمد» فى عيون مفكرى الغرب الأديب الفرنسى ألكسندر دوما وصف النبى محمد بأنه معجزة الشرق لما فى دينه من معالم وفى أخلاقه من سمو وفى صفاته من محامد.. يحتفل العالم الإسلامى اليوم بذكرى ميلاد رسولنا الكريم سيدنا محمد وبهذه المناسبة فكرت أن يكون مقالى اليوم مختلفًا أتناول فيه النبى فى عيون مفكرى الغرب.. ولهذا بحثت فى كل المصادر التى يمكن أن أجد فيها الإجابة عما أبحث. الفيلسوف والمؤرخ البريطانى جون ويليام دريبر «1811- 1882» يقول فى كتابه «تاريخ التطور الفكرى فى أوروبا فى عام 569 ولد فى مكة فى الجزيرة العربية الإنسان الوحيد بين جميع البشر الذى كان له أكبر الأثر على الجنس البشرى.. إنه محمد.. » الأديب الفرنسى ألكسندر دوما «الأب» صاحب رواية «الكونت دى مونت كريستو» وصف النبى محمد بأنه معجزة الشرق لما فى دينه من معالم وفى أخلاقه من سمو وفى صفاته من محامد. فى كتابه الشهير «العقد الاجتماعى»، الذى طبع لأول مرة عام 1762 قال الفيلسوف الفرنسى جان جاك روسو وكأنه يرد على الافتراءات التى توجه اليوم إلى سيدنا محمد من الناس من يتعلم قليلاً من العربية ثم يقرأ القرآن ولا يفهمه ولو أنه سمع محمد يمليه بتلك اللغة الفصحى الرقيقة وذاك الصوت الممتع المؤثر فى شغاف القلوب ورآه يؤكد أحكامه بقوة البيان لخر ساجدًا على الأرض وناداه أيها النبى رسول الله خد بأيدينا إلى مواقف الشرف والفخار أو مواقع الهلكة والأخطار فنحن فى سبيلك نود الموت أو الانتصار. قال روسو مستشهدًا بقول الفيلسوف رينيه ديكارت «1596 - 1650» صاحب نظرية «أنا أفكر إذا أنا موجود» فى كتابه الشهير مقاله فى المنهج نحن والمسلمون فى هذه الحياة ولكنهم يعملون بالرسالتين العيسوية والمحمدية ونحن لا نعمل بالثانية.. ولو أنصفنا لكنا معهم جنبًا إلى جنب لأن رسالتهم فيها ما يتلاءم مع كل زمان وصاحب شريعتهم محمد الذى عجز الغرب عن مجاراة قرآنه وفصاحته بل لم يأت التاريخ برجل هو أفصح منه لسانًا وأبلغ منه منطقًا وأعظم منه خلقًا وذلك دليل على ما يتمتع به نبى المسلمين من الصفات الحميدة التى أهلته لأن يكون نبيًا فى آخر حلقات الأنبياء ولأن يعتنق دينه مئات المتدينين من البشر. على منوال روسو وديكارت يقول المستشرق السويدى كارل يوهان تورنبرغ «1807- 1877» هذا النبى افتتح برسالته عصرًا للعلم والنور والمعرفة حرى أن تدون أقواله وأفعاله بطريقة علمية فالمفكر لورد هدلى يقف مندهشًا أمام معاملة النبى محمد للأسرى من المشركين فى معركة بدر الكبرى ملاحظًا فيها ذروة الأخلاق السمحة والمعاملة الطيبة الكريمة ثم يتساءل أفلا يدل هذا على أن محمدًا لم يكن متصفًا بالقسوة ولا متعطشًا للدماء كما يزعم خصومه بل كان دائمًا يعمل على حقن الدماء قدر المستطاع وقد خضعت له جزيرة العرب من أقصاها إلى أقصاها وجاء وفد مسيحيى نجران اليمنى فلم يحاول قط أن يكرههم على اعتناق الإسلام فلا أكراه فى الدين بل طمأنهم على أموالهم وأرواحهم وأصر ألا يتعرض لهم أحد فى معتقداتهم وطقوسهم الدينية. ويضيف.. لا أجد صعوبة فى قبول أن القرآن كلام الله فإن أوصاف الجنين فى القرآن لا يمكن بناؤها بالمعرفة العلمية فى القرن السابع عشر والاستنتاج الوحيد المقبول هو أن هذه الأوصاف قد أوحيت إلى النبى محمد من الله. الأديب الفرنسى الشهير لامارتين مؤسس المذاهب الفكرية التى تدعو إلى عبادة حقة بلا أنصاب ولا أزلام قال عن النبى محمد فى كتابه عن تاريخ تركيا إذا كانت الضوابط التى نقيس بها عبقرية الإنسان هى سمو الغاية والنتائج المذهلة على الرغم من قلة الوسيلة فمن يجرؤ أن يقارن أيًا من عظماء التاريخ بالنبى محمد فى عبقريته فهؤلاء المشاهير متى صنعوا الأسلحة وسنوا القوانين وأقاموا الامبراطوريات فلم يجنوا إلا أمجادًا بالية لم تلبث أن تحطمت ولكن هنا الرجل لم يمد الجيوش ويسن التشريعات ويقم الامبراطوريات ويحكم الشعوب ويروض الحكام فقط وإنما قاد الملايين من الناس فيما كان يُعد ثلث العالم حينئذ بل إنه قضى على الانصاب والأزلام والأديان.. هذا هو محمد الخطيب النبى المحارب قاهر الأهواء مؤسس المذاهب الفكرية التى تدعو إلى عبادة حقه بلا أنصاب ولا أزلام. نظم الشاعر الفرنسى العظيم فيكتور هيجو قصيدة عن النبى محمد مدحه فيها بحرارة ومحبة بينما قال الفيلسوف يوهان غوته يجب النظر إلى النبى محمد على أنه نبى الله وليس شاعرًا ويجب النظر إلى القرآن الذى جاء به على أنه قانون إلهى وليس كتابًا من عنده. شريف رياض محمد أول وآخر الكلمات سليمان قناوى لا أصلى عليك وحدى، بل تردد صلواتى 37 تريليون خلية فى جسدى. وتصغر صلاتى مهما كثرت أمام «إن الله وملائكته يصلون على النبى يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما». كيف لا أصلى على خير أهل الكون سيدنا محمد، وهو أول اسم رن فى أذنى حين خرجت للدنيا، واخترق سمعى أجمل ألحان السماء» الله أكبرالله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله».وأبتهل لمولاى أن تكون آخر كلماتى» أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله» لأن من كانت هذه آخر كلماته دخل الجنة. ويطل نور على الدنيا يوم مولد السراج المنير، الناقل الأمين لآخر إرسال السماء لأهل الأرض. نبينا الذى غير الكون فى 23 عاما. بلغ دينه ولم ينس دنياه» قل إن صلاتى ونسكى ومحياى ومماتى لله رب العالمين». وماذا سيكون ثناءنا أمام ما قاله رب العزة فيه» وإنك لعلى خلق عظيم». ربانا صغارا على الرأفة والحنو على الصغار والتخفيف عن أحزانهم وعلمنا كبارا مكارم الأخلاق وفضائل الأعمال. وقصته مع الطفل عُمير «3 سنوات» أخو الإمام أنس بن مالك لأمه تظهر رقة قلبه، ففى زيارة الرسول لأنس بن مالك رأى عُميرًا وبيده عصفور فقال له: «يا أبا عمير ماذا فعل النُغير؟» أى الطائر الصغير، فتبسم أبوعمير. وبعد أيام جاء الرسول لبيت أنس، وسأل عن عُمير فأجابه أن عصفوره مات، وهو حزين جدا، فأقبل الرسول مسرعًا لأبى عمير، وأخذ يواسيه ويخفف عنه حزنه، بعد أن رمى عُمير بنفسه فى حضن الرسول وهو يبكى ويقول: «لقد مات النُغير». وعلمنا رسولنا كبارا الصفح الجميل والتسامح والصدق والعدل والإحسان. طبت حيا وميتا يا نبى الرحمة. الروضة الشريفة عاطف زيدان قبل زيارتى الأولى، لقبر المصطفى أثناء أداء فريضة الحج لأول مرة، مطلع تسعينيات القرن الماضى. كان الشوق الشديد يتملكنى للصلاة فى الروضة الشريفة. الذاكرة مزدحمة بخيالات رائعة، والوجدان عامر بمشاعر روحانية فياضة، والنفس مشتاقة لتنسم روائح الجنة. اتجهت إليها بكل كيانى، فور دخولى المسجد النبوى الشريف. وما إن وصلت، وقفت على أطرافها والصور ترطب قلبى ووجدانى. هنا تحرك الرسول جيئة وذهابا، بين بيت السيدة عائشة رضى الله عنها ومنبره عليه أفضل الصلاة والسلام، مدة تزيد على 10 سنوات، 5 مرات يوميا على الأقل. هنا وعلى هذا المنبر، خطب الرسول فى المصلين. هنا أدى المصطفى صلواته، وتعلمنا منه، كيف نصلى. هنا ركع وسجد، وأمّ المصلين من الصحابة الأخيار. هنا الروضة الشريفة التى تصل مساحتها المتاحة حاليا للصلاة 330 مترا مربعا «22 × 15». إنها روضة من رياض الجنة، كما أخبرنا رسولنا الكريم، عليه أفضل الصلاة والسلام، «بين بيتى ومنبرى، روضة من رياض الجنة» متفق عليه. تجولت بعينى فى أنحاء الروضة، باحثا عن موضع لقدمى، وما إن عثرت، نويت الصلاة، وتوجهت بكل جوارى إلى الله. إحساس لا يقارن بالراحة والسكينة والطمأنينة. ولم لا والموضع من رياض الجنة، وقبر نبى الرحمة على بعد أمتار قليلة. ما إن أنتهى من صلاة ركعتين، حتى أنوى مكبرا بمثلهما، وهكذا، حتى لم أعلم كم ركعة صليت. ولم أنته من النوافل، إلا بعد أن أعلن المؤذن دخول صلاة العصر. وتتكرر نفس المشاهد، بنفس التفاصيل، تتكرر معى فى كل زيارة، يأذن بها الله لى، إلى المدينةالمنورة للسلام على النبى الكريم والصلاة فى ثانى الحرمين الشريفين، ما أحلى الروضة وما أجمل القرب من خاتم الأنبياء. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ولا تحرمنا يا الله من زيارته. السراج المنير ميرفت شعيب تبقى الذكرى العطرة لمنقذ البشرية من عصور الظلام والجهل وسفك الدماء لتشرق أنوار الإيمان والمحبة فى صدور الناس ويخرجوا من الظلام إلى النور الرحب بكل ما تحمل الكلمة من معانٍ. المتأمل لمعجزة حياة الرسول يدرك ما خاضه من مواقف صعبة متمثلة فى عداء قريش له منذ بداية دعوته واستنكارهم لفكرة التوحيد وتمسكهم بأصنامهم التى وجدوا عليها واجدادهم انكارهم لفكرة الاله الواحد رغم انهم يعلمون انه من خلق الكون بارضه وسمائه وجميع مخلوقاته لكنهم يتمسكون بالأصنام التى صنعوها بأيديهم وفى حصار النبى مع أتباعه وقبيلته فى شِعب أبى طالب لمدة ثلاث سنوات دون بيع أو شراء أو زواج ليجبروه على التخلى عن دعوته وفى هذه المحنة ساندته زوجته السيدة خديجة بنت خويلد التى ضربت أروع الأمثلة فى إخلاص الزوجة ومساندتها لزوجها فكانت أول من آمن به.. ثم حروبهم مع المسلمين بعد الهجرة عندما نجاه الله تعالى من قريش حين تآمرت عليه لقتله فهاجر من مكة إلى يثرب حين اختبأ بغار حراء وعلى باب الغار نسج العنكبوت خيوطه ووضعت حمامة بيضها ليبعد انظار من يطاردهما من الكفار اذ قال لصاحبه: «لا تحزن إن الله معنا»، واستقبله اهل المدينةالمنورة بكل ما يليق به من حفاوة وسعادة بقدوم الهادى الأمين وفتح الأنصار بيوتهم للمهاجرين وصاروا إخوة فى الدين ليواجهوا معا حروب الكفار ما بين نصر وهزيمة ليجدوا العبرة فى نصر الله تعالى لدينه وللمسلمين. إن احتفالنا بالمولد النبوى الشريف يجب أن يكون بتدبر حياة رسولنا الكريم وكفاحه من أجل البشر بعيدا عن أكل الحلوى والمظاهر المتخلفة التى توارثناها عبر عصور مضت. وُلد الهدى فاتن عبدالرازق ونحن نتنسم عبير شهر الأنوار ربيع الأول ونحتفل بذكرى مولد الحبيب المختار خير الأنام محمد بن عبدالله بن عبد مناف الذى ولد فى مكة فأصبحت «مكرمة» وهاجر إلى المدينة فأصبحت «منورة». أردد كثيرا هذه الأبيات الرائعة من قصيدة «ولد الهدى» لأمير الشعراء أحمد شوقى ولد الهدى فالكائنات ضياء وفم الزمان تبسم وثناء الروح والملأ الملائك حوله للدين والدنيا به بشراء والعرش يزهو والحظيرة تزدهى والمنتهى والسدرة العصماء يوم يتيه على الزمان صباحه ومساؤه بمحمد وضاء وكما أوضح مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف أنه علينا الاحتفال بهذه المناسبة الدينية العطرة بتقديم أفعال الخير والتقرب إلى المولى عز وجل بالعبادات والتوسعة على الفقراء وأن نصل رحمنا ونتبادل التهانى مع الأهل والأصدقاء أتمنى أن نقتدى برسولنا الكريم وبما قدمه من نماذج رائعة فى مختلف مناحى الحياة وبما أرساه من دعائم الأخلاقيات الحسنة سيبقى دائما فى ذاكرتنا نعمل على تأكيده ونعمل به كل فى مجاله فإنما تبنى المجتمعات المتقدمة على الأسس والمبادئ المتحضرة فى العلم والعمل وفى التعامل فيما بين البشر تأكيدا لقول رسولنا الكريم «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق». دعائى من القلب فى هذه المناسبة العطرة بأن يشهد عامنا هذا نهاية للصراعات والحروب الدائرة فى العالم وأن يكون نهاية للوضع المأساوى وحرب التجويع والقتل الجماعى التى تشنها إسرائيل على غزة وأن ينصر المولى سبحانه وتعالى الأشقاء الفلسطينيين.. اللهم تقبل يا رب العالمين وكل عام وأنتم جميعا وكل أحبابكم بألف خير. لماذا الاحتفال بمولد سيد الأنام؟ رضا هلال المسلمون فى بقاع الأرض لا يتوقفون كثيرا أمام دعوات القلة القليلة التى تحرم الاحتفال باعتباره بدعة وما هو كذلك أبدا، بل هو مناسبة لشحذ الهمم، وفرصة لتجديد الإيمان، وشحن القلوب بطاقة إيجابية تتجدد بين الحين والآخر. وإذا أردت التأكد من ذلك فما عليك إلا أن تسير فى شوارع المحروسة من شرقها إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها وبكافة طوائفها الإسلامية، وحتى اشقاؤنا شركاء الوطن والمصير يشاركوننا هذه الفرحة وتلك المناسبة، ففيها روح تسرى وسعادة وطمأنينة تغمر القلوب قبل الوجوه. الكل يحتفل بمولد الرسول الخاتم والنبى المزكى، والمبعوث رحمة للعالمين، فلكل ذلك وغيره نحتفل.. عزيز عليه تعبنا وإرهاقنا وما ثقل علينا، فهو الحريص علينا الذى تحمل الآلام والمشقات من أجل إبلاغ الرسالة المنقذة للبشرية من الضياع، وهذا ما أكده الله للإنسانية جمعاء عندما قال فى كتابه الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه لأنه تنزيل من حكيم حميد ﴿ لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ﴾ (التوبة: 28). فقد جاء ليكمل لنا منظومة القيم الأخلاقية حسبما حدد ذلك فى رسالته «خطته الاستراتيجية» للبشرية «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق» ووصفه الله فى سورة القلم ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾.. نبى بهذه الأخلاق وذلك الحب لنا ألا يستحق الاحتفال والاحتفاء به كل ساعة وكل يوم وكل شهر وكل عام. فى مولده الشريف د. ممدوح سالم تربوى وخبير لغوى أرأيت إذ كنت تحتفى بمناسبة عظيمة لديك أدخلت السرور إلى قلبك، وشرح الله بها صدرك، ثم دعوت إخوانك وأحبابك للاحتفال معك، ومشاركتك تلك المناسبة العظيمة شعورا وفرحة صادقة. فتأملت وتذكرت فضل الله عليك، وشكرت المنعم أن وهب لك من الهبات ما أسرك وأحسن إليك، أتراك قد أثمت وخالفت؟! فما بالك وقد أنعم الله على العالمين إنسه وجنه بخير الورى عبده ونبيه ومصطفاه سيدنا محمد ، فكان الخير، والرشد.. وكانت النجاة بهديه ورحمته للعالمين. قال تعالى: «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين».. يزعم المنكرون المعارضون للاحتفال بمولده الشريف أن الصحابة لم يفعلوا، مستندين إلى تقليد سقيم من شيوخهم المتأخرين ممن لم يدرسوا، ولم يتحققوا، ولم يحققوا من جهة، وعلى منشورات الفيس بوك وما يقرؤون من قبح التوجه من جهة أخرى، ثم يشهرونها فى وجهك متسائلين أنحتفل بمولده أم وفاته؟ إن هؤلاء وشيوخهم قد وقعوا فى خطإ جسيم على مستويات الاستدلال والحجة والقياس، وإنهم على نهج شيوخهم مما تعرفون، وإننا على نهج الحبيب المصطفى، ثم على نهج الأئمة المتفق عليهم من أمثال ابن حجر والسيوطى والسخاوى، وغيرهم من الأئمة المحققين فى الضبط والتحقيق.. والسؤال: ألم يكن النبى يصوم يوم الإثنين، ولما أن سئل عن سبب صومه قال هو يوم ولدت فيه، ألم يكن ذلك إلا فرحة بيوم مولده؟! نحن لا ندعو إلى تلك المخالفات التى يروج لها هؤلاء وهؤلاء من المغالين أو المعارضين بغير علم ولا هدى مبين، إنما باتباع سنته المطهرة، وخلقه العظيم، وهديه الشريف، وتيسيره القويم، ورحمته للعالمين . مولد خير الأنام عبدالعزيز العدس من المناسبات التى تبهج نفوس المسلمين بخلاف الأعياد المتعارف عليها ذكرى جليلة لها مكانة عظيمة لكل من يعرف مقام خاتم الأنبياء وصاحب الرسالة المحمدية الذى بُعث رحمة للعالمين. فمع حلول شهر ربيع الأول من كل عام هجرى -وهو شهر مولد النور والضياء للبشرية جمعاء- تشيع حالة من البهجة فى الشوارع إذ تتزين الميادين والأماكن العامة بشوادر حلوى المولد وتعلق الأنوار الملونة وتكسو النفوس الطمأنينة، والهدوء بل ويبادر الناس بتهنئة بعضهم ما يقرب المسافات حقا بينهم بفضل ذكرى مولد خير الأنام. على مدار السنين تتجدد الذكرى خصوصا أنها مناسبة عظيمة لنشر سنته الشريفة وأحاديثه النبوية لتعميم الفوائد الدينية بين عموم الناس.. وذلك يرقق القلوب التى أصبحت قاسية بفعل الزمن وتقلبات الحياة حيث انشغلت وغرقت فى هموم الدنيا.. والعيون تائهة زائغة، والألسنة معقودة لا تتحرك من التفكير فى أعباء المعيشة.. لقد لاقى النبى الكريم أشد المعاناة فى سبيل الدعوة كان أقساها مطاردة سفهاء الطائف له ورمى الحبيب بالحجارة حتى سالت دماؤه الشريفة.. فكيف نغفل عن ذكره وتعطير ألسنتنا بالصلاة عليه.. تأتى الذكرى فى أيام أعتقد أننا بحاجة ماسة إليها لتقويم الأخلاق لدى البعض وجعلهم ينتبهون إلى ما كان يدعو إليه سيد البرية جمعاء الذى أكد فى أحد أحاديثه الشريفة إلى التحلى بمكارم وأفضل الأخلاق إذ يقول : «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق».. إن ذكرى المولد النبوى الشريف مناسبة عطرة وتكمن أهميتها البالغة فى استلهام القيم الأخلاقية من نبينا الكريم، وإنها لفرصة تمنحها لنا الأيام لتعزيز قيم المحبة والتسامح والرحمة فى حياتنا اليومية.
