بعد سنوات من محاولات حلف شمال الأطلسي "الناتو" ضم جمهورية الجبل الأسود "مونتينيغرو" إليه، باتت الجمهورية اليوغوسلافيه سابقًا على بُعد خطوات من عضوية الحلف، الأمر الذي رأى فيه المعارضون عبئًا جديدًا على الحلف الذي يعاني من أزمات داخلية في الأساس، فيما رأى البعض الآخر في انضمامها مكسبًا كبيرًا للحلف الأطلسي، وبين تضارب الآراء حول خسائر أو مكاسب الناتو يتصاعد التوجس الروسي. قريبًا.. "مونتينيغرو" عضوًا في الأطلسي اقتربت جمهورية الجبل الأسود بمنطقة البلقان من الانضمام لعضوية حلف شمال الأطلسي، بعدما صوت أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي، بأغلبية ساحقة لإفساح المجال أمام تصويت نهائي، رجح مراقبون أن يحدث في القمة القادمة لحلف الناتو فى نهاية مايو المقبل، حيث جاء التصويت الأمريكي بأغلبية 97 صوتًا مقابل صوتين، في الوقت الذي كان الإجراء يحتاج موافقة 60 صوتُا فقط، لتكون جمهورية الجبل الأسود قد حصلت بهذا التصويت على تأييد 25 دولة من أعضاء حلف الأطلسي، وعددها 28، لتبقى كندا وإسبانيا وهولندا لم تصدق بعد لأسباب إجرائية. التصويت الأمريكي بالإيجاب على انضمام جمهورية "مونتينيغرو" إلى الناتو لم يكن مفاجأة، حيث تلقت الجمهورية اليوغوسلافية تأكيدات سابقة من واشنطن بدعم وصولها إلى الحلف الأطلسي، وهو ما أكده وزير خارجية الجبل الأسود، سرديان دارمانوفيتش، في فبراير الماضي، حينما قال إن بلاده حصلت على تأكيدات من مجلس الشيوخ الأمريكي بأنه سيصدق على انضمامها لحلف شمال الأطلسي، ونفى حينها التوقعات التي رجحت أن يتراجع "ترامب" عن التصديق على انضمام الجبل الأسود إلى الحلف، نظرًا لرغبة الإدارة الأمريكية الجديدة في تحسين العلاقات مع روسيا، في الوقت الذي تعارض فيه الأخيرة توسع حلف شمال الأطلسي في غرب البلقان، وأكد "دارمانوفيتش" حينها أن بلاده تلقت تطمينات من الحزبين الجمهوري والديمقراطي في مجلس الشيوخ بأن الانضمام سيحدث 100%. عبء جديد أم ذراع يتمدد؟ كون "الجبل الأسود" جمهورية صغيرة تقع في جنوب أوروبا، وتبلغ مساحتها حوالي 14 ألف كم2، وعدد سكانها حوالي 650,000 نسمة، وجيشها النظامي يبلغ قوامه ألفي فرد فقط بميزانية متواضعة، وأوضاعها الاقتصادية والمعيشية البسيطة، كل هذا دفع العديد من المراقبين إلى التساؤل حول الجدوى التي ستعود على حلف الناتو من وراء انضمام هذه الجمهورية إليه. يرى المعارضون لانضمامها، وأبرزهم العضوان الجمهوريان في الكونجرس الأمريكي، راند بول، ومايك لي، صاحبي الصوتين الرافضين في التصويت الأخير، أنه لا فائدة من إجبار دافعي الضرائب الأمريكيين على تحمل مخاطر الدفاع عن بلد صغير كالجبل الأسود إذا هوجم، على اعتبار أن دفاع كافة الدول عن أي دولة عضو في الحلف تتعرض لهجوم هو أحد شروط الانضمام إلى عضوية حلف الأطلسي، وأشار العضو الجمهوري إلى أن جيش الجبل الأسود يبلغ قوامه 2000 فرد فقط، ومن ثم فإن عضويتها ستضيف بلدًا آخر إلى عربة الرعاية الاجتماعية لحلف الأطلسي. مؤيدو عضوية الجمهورية اليوغوسلافية السابقة للانضمام إلى الناتو قالوا إنه من الضروري مساندة دول شرق أوروبا التي تتبنى القيم الديمقراطية في مواجهة روسيا، وتقوية علاقات تلك الدول مع الغرب، حيث يعتبر انضمام "الجبل الأسود" إلى الناتو بمثابة مكسب سياسي أكثر منه اقتصاديًّا أو عسكريًّا، خاصة في الوقت الذي يسعى فيه الناتو إلى التوسع شرقًا، وفي الوقت ذاته فإن روسيا تملك نفوذًا اقتصاديًّا كبيرًا في تلك الدولة الصغيرة، وخاصة في قطاعات السياحة والعقارات، تُقدر بنحو 40% من العقارات في الجبل الأسود مملوكة لشركات روسية، وبالتالي فإن انضمام "مونتينيغرو" إلى الناتو سوف يجعل هذا النفوذ ينهار، ويطلق بشكل فعال سياسة واقعية جديدة في أوروبا الشرقية. مخاوف روسية منذ أن دعا حلف شمال الأطلسي جمهورية الجبل الأسود "مونتينيغرو" للانضمام إلى الحلف لتكون الدولة رقم 29 فيه، وذلك خلال اجتماع أعضاء الحلف في بروكسل في 2 ديسمبر عام 2015، على أن تتمتع بالعضوية الكاملة منتصف عام 2017، بدأت الهواجس الروسية تتزايد بشأن تجنيد حلف الناتو، العدو اللدود لروسيا، للعضو الجديد "مونتينيغرو" كذراع له في دول البلقان، حيث كانت عادة جمهورية الجبل الأسود الحلقة المفقودة جغرافيًّا للأطلسي في البلقان، لمنع تمرير أي خط أنابيب غاز روسي، من جهة جنوبي البلقان، عبر اليونان ومقدونيا إلى الغرب الأوروبي، حيث تمنع روسيا تمرير أي خط غاز يأتي من الشرق بمعزل عن رضاها، لذلك تمدّ موسكو أوروبا بخطي أنابيب، الأول الخط الشمالي "نورد ستريم" من جهة البلطيق، والثاني الخط العابر من أوكرانيا باتجاه الوسط الأوروبي، على أن يكون الخط الجنوبي "ساوث ستريم" هو ثالث هذه الخطوط، وبالتالي تقفل روسيا أبواب الغاز كليًّا من الجهة الشرقية للقارة العجوز، وهو ما يمكنها من التأثير على القرار السياسي لها. حينها توعدت روسيا بأن تتخذ إجراءات ردًّا على هذه الخطوة، مؤكدًا أنها تشكل تهديدًا لاستقرارها، ووصفت هذه الخطوة والقرار المرتقب ب"ضربة خطيرة من قبل الكتلة الأوروبية الأطلسية"، وأضافت موسكو أن مثل هذه المبادرات يمكن أن تؤدي إلى وقوع مواجهات، وأنها لن تعزز الاستقرار والسلام في البلقان ولا في أوروبا. على الرغم من التهديدات والتحذيرات التي أطلقتها موسكو منذ أعوام بهذا الشأن، وعلى الرغم من أن الدب الروسي يملك إمكانيات الرد على هذا القرار، إلا أن العديد من المراقبين يرون أن هذه التهديدات لن تتبعها خطوات عسكرية أو ميدانية في مواجهة القارة العجوز، حيث تنأى موسكو بنفسها عن صنع وضع مضطرب جديد مماثل لذلك الوضع الموجود في أوكرانيا حاليًّا، الأمر الذي دفعها إلى محاولة إثارة مشاعر شعب الجمهورية اليوغوسلافية سابقًا، وخلق إشكالية بين القيادة والشعب هناك، وقد ظهر ذلك في تصريحات المتحدثة باسم الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، في مايو الماضي، حيث قالت إن العملية الاصطناعية المتواصلة لجرّ مونتينيغرو إلى الحلف تجري على أساس اتفاقات أبرمت وراء الكواليس مع أصحاب القرار في عاصمة جمهورية الجبل الأسود "بودوغوريتشا"، دون أخذ رأي مواطني البلاد بعين الاعتبار، وبالتفاف على القيم والعمليات الديمقراطية التي يعلن الأطلسي التزامه بها على نحو نشط. الزيت الذي صبته موسكو على نار الخلافات الدائرة في جمهورية الجبل الأسود بشأن الانضمام إلى الناتو من عدمه آتى أكله سريعًا، حيث أعلنت حركة "من أجل حياد الجبل الأسود" بأن على حكومة بلادها إجراء استفتاء عام بشأن الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي "الناتو"، وقال رئيس الحركة، ستيفان جوكيتش: يجب أن يمنح الشعب حق تقرير مستقبل دولته، فقد بينت نتائج آخر استطلاع للرأي بأن غالبية المواطنين ضد انضمام البلاد إلى الحلف، أي أنه في حال عدم أخذ مصلحة الشعب بالاعتبار من قبل الساسة، سيؤدي إلى انقسام المجتمع، ويخلق أرضية لأزمة سياسية داخلية.