ثلاث سنوات تمر علي ثورة 25 يناير المجيدة، التي وصفت في الأدبيات الأولي، بأنها ثورة شعبية كاملة الأوصاف.. من حيث سلميتها ومدنيتها وقد ضمت المصريين علي اختلافهم.. الكل في واحد.. فأضحت للعالم مضرب الأمثال، وبؤرة الالهام.. لكن اليوم اختلفت الحقائق علي الأرض.. بعد أن صار المشهد السياسي المصري العام يعاني حالة استقطاب حادة، ومن اتهامات تطلق جزافًا علي هذه الثورة في محاولة لتشويهها، تاره من قبل 'الفلول' وهم يدعون بأنها مؤامرة أمريكية! وتارة من قبل الإخوان. بأنهم أصحابها الحقيقيون دون سواهم.. لكن الحقيقة أنها ثورة ستظل ملكا للشعب المصري وفي المقدمة منه شبابها الثوري الأصيل. وقد أكد هذا الرئيس المؤقت 'عدلي منصور' في الكلمة التي ألقاها في عيد الشرطة التاريخي والذي هو عيد الثورة.. 'لن يكون هناك مكان بيننا لاحتكار دين أو لاحتكار وطن فهذا الوطن لكل أبنائه وبكل أبنائه، أما أنتم أيها الشباب، المستقبل القادم وكل ما كان من ماضي ثرثم عليه إلي زوال'. لكن قوي الإرهاب الديني، والتي تحاول احتكار الدين واحتكار الوطن.. وعلي رأسها جماعة الإخوان لم يمهلوا المصريين للاحتفال بالثورة، فقد عجلوا بزرع العبوات الناسفة في يوم 24 يناير، في أكثر من موقع ومكان في قلب العاصمة، مستهدفين موقعين رئيسيين يحملان رمزية لا تخطئها العين 'مديرية أمن القاهرة' و'المتحف الإسلامي' وكأنها تعلن تحديها السافر للسلطتين الأمنية والدينية مع تشويه متعمد للوجه الثقافي العام للعاصمة. وكادت تصدق نفسها بأن هذا العدوان والتدمير والخراب العام يكسر هيبة الدولة، وينال من سلطانها، وبالتالي تنجح في مخططها الرامي إلي إحداث فوضي، وبلبلة، واضطرابات تعم البلاد والعباد.. للوثوب علي السلطة مرة أخري!! ولأن كل تلك التصورات من قبل هذه الجماعة الإرهابية ما هي إلا محض أوهام.. وإفتراءات، وكذب، وخداع.. فقد انقلب السحر علي الساحر.. واتسع الخرق علي الرائق. فقد خرجت الجماهير عن بكرة أبيها ودون تنسيق من أحد.. عقب الانفجارات وفي كل المواقع.. لتعلن رفضها لتلك الأفعال الإجرامية للجماعة.. وهي تطالب بإعدامها وعدم التهاون معها إلي الحد الذي كادت تفتك بمن يُشتمّ فيه أنه ينتسب إلي الجماعة من بعيد أو قريب حتي كدنا نبصر نزعة عنصرية وهي نزعة ضارة ينبغي معالجتها.. قبل أن تتحول سلاحًا في يد الجماعة لتفتيت الوطن من قبل الجماهير تجاه الجماعة!! وفي المقابل أعلنت الجماهير وتسابقت في تأييدها المطلق والمدوي لقوي الأمن من شرطة وجيش وعلي رأسهم الفريق 'السيسي' الذي صار رصيده الشعبي يزداد يومًا تلو الآخر.. وكأنه رأس حربة شعبية موجهه لقلب الجماعة.. من جراء تلك الأعمال الإرهابية والإجرامية التي لا يقرها دين، ولا أعراف. نعم صارت الجماعة مدفوعة بغباء تاريخي، وغل دفين، وخيانة فطرت عليها.. فترتكب جرائم في حق الشعب المصري.. وتصوره فريسة مهيضة الجناح! وهي تريد أن تغطي الشوارع المصرية بأكبر كمية من الدماء لتدعي المظلومية وتنظم حولها حلقات كربلائية جديدة.. ثم تستدعي القوي الأجنبية وتستنجد بها كي تنقذها من الشعب المصري. الذي فاتها أنها جزء من هذا الشعب. لكن بأفعالها العدوانية والإجرامية والتدميرية هذه.. تزيد الكراهية اشتعالًا وبالتالي تزيد الفجوة اتساعا بينها وبين معظم فئات الشعب.. فما الذي ستسفر عنه الأيام المقبلة بعد أن سمع الناس شهادة زوجة القيادي السابق 'خيرت الشاطر' علي سبيل المثال لا الحصر.. والتي تقول إنها صلت ركعتي شكر لله علي التفجيرات الأخيرة!! لقد استدعت هذه الشهادة في الأذهان، صورة الجماعة الملطخة بالعار والخيانة عندما صرحت قيادتهم بأنهم صلوا حمدا لله عندما هزم الجيش المصري في 5 يونيو عام 1967.. وكأن تاريخهم الأسود الثأري يتجسد من جديد أمام أعين الجماهير المصرية.. ليؤكد لهم من جديد بأنها جماعة لا تعترف بوطن ولا بشعب عريق ألم يقل إمامهم ومنظرهم الأساسي 'سيد قطب' من أن الوطن ما هو إلا حفنة من تراب عفن!! نعم خرجت الجماهير المصرية بمئات الألوف صوب ميدان التحرير.. وكأنها تعلن تحديها الأكبر وانحيازها الشديد للثورة.. خرجت صوب ميدان التحرير باعتباره البوتقة الحاضنة لثورة 25 يناير ثم ثورة 30 يونية.. إنه الأيقونة التي شهد العالم بروعتها خلال 18 يومًا حتي نجاح ثورة يناير في خلع رأس النظام الفاسد والمستبد.. من 25/1 وفي 11/2/2011.. تلك الفترة التي لم تشهد فيها مصر حالة سرقة واحدة داخل الميدان وخارجه! وإلي من ضعفت ذاكرته الوطنية أو التاريخ.. أوصيه بمشاهدة فيلم 'الميدان' الذي يسجل بعضًا من الثورة وبعضًا من الثوار وهو يؤكد التعددية وأهمية الحوار.. والمرشح لنيل جائزة الأوسكار ولأول مرة يرشح فيلم مصري بقوة لنيل هذه الجائزة لكني لا أقف أمام هذه الجائزة رغم أهميتها.. وإنما أتوقف أمام قضيتين تعكسان مدي ما وصلنا إليه من حالة ترد في الأداء وربما الوعي.. ليصبح الالتباس والشك في الاخر سيد الموقف !! فالفيلم تنقسم الآراء حوله، هل هو فيلم مصري، أم أنه فيلم أجنبي ربما لأن مخرجته 'جيهان نجيم' تحمل الجنسية الأمريكية لكونها ابنة لرجل أمريكي بينما أمها مصرية لكن صناع الفيلم يصرون علي كونه فيلما مصريا والمخرجة تؤكد كونه مصريا. ويجسد قضية مصرية.. ويبقي أن يتقدموا بأوراق الاجازة للرقابة علي المصنفات الفنية تؤكد كونه مصريا وليس أجنبيًا!! وإذا ما تركنا هذا الجانب الإداري الملتبس جانبًا.. واقتربنا من الفيلم ومضمونه فهو لا يحاول اختزال الثورة المصرية.. وإنما باعتماد علي الحرفية والتقنية العالمية في تسجيل الواقع وترتيبه.. نراه يسجل مراحل هامة ورئيسية في عمر ثورة 25 يناير منذ اندلاعها وحتي ثورة 30 يونيو التي صححت المسار وأزاحت مرسي والجماعة بإرادة ملايين الجماهير وعدد من الجيش المصري الوطني.. وربما هذه اضافة جديدة للفيلم الخاصة ب '30 يونية' هكذا تؤكد مخرجته بعد أن رأتها ضرورية حتي تكتمل الصورة. والفيلم يعتمد علي طرح ثلاثة نماذج أساسية من داخل الميدان الشاب الليبرالي، والشاب الشعبي والرجل الملتحي الذي يمثل نفسه رغم انتسابه لجماعة الإخوان.. وما أتوقف أمامه هو هذا الشاب الشعبي الفقير 'أحمد حسن' الذي يمثل عصب الفيلم لتمثيله للغالبية العظمي من الشعب المصري العامل والفقير.. وهو مصر علي مطلبي العدل والحرية.. إنه شاب يبلغ من العمر 24 عاما وهو يدافع عن الثورة وعن مبادئها في العيش والحرية والكرامة الانسانية والعدالة الاجتماعية وكأنها وهبته الحياة من جديد.. وهو يكدح من صغره فقد لجأ إلي بيع الليمون وهو في السابعة من عمره إنه يتحرك بقوة الدفع الثوري، ونور البصيرة الجمعية للشعب المصري.. وهو يلخص حكمة 'الشعب يريد'.. فيؤكد أنه لا فرعون بعد اليوم بعد أن أسقط المخلوع، ثم تلاه المجلس العسكري ثم الإخوان.. والحبل الجرار.. من لا يلبي مطالب الشعب ومطالب ثورته فإنه لا مناص سيلحق بركب من سقطوا وأسقطوا بلا رجعة!! والفيلم يتوقف في النهاية علي مشهد دال للأطفال وهم يرددون 'الشعب يريد'.. 'الشعب يريد'.. الشعب يريد شوكولاته للأطفال.