المرحلة الانتقالية لم تبدأ بعد لماذا يريد حزب الحرية والعدالة تشكيل الحگومة قبل وضع دستور يعطيه هذا الحق وقبل إجراء انتخابات الرئاسة لا أظن أحداً يتصور لا أظن أحداً يتصور أن الجيش سيغلق أبواب ثگناته علي وحداته .. وينعزل عما يجري في البلاد بعد 30 يونيو يخطيء من ينظر إلي الأوضاع السياسية في مصر وكأنها أحوال طقس، يمكن لأرصاد جوية أن تتنبأ بها، بحسبان حركات سحب واتجاهات ريح وتمركز مواقع ضغط جوي. الأقرب أنها تشبه تضاغطات طبقات أرض في الباطن العميق غير منظورة، قد تفاجئك بهزات عنيفة لم تتوقعها أو فورات براكين لم تسبقها نذر! هذا هو الدرس المستفاد مما جري يوم 25 يناير 2011 وما بعده!
لأول وهلة.. يبدو المشهد السياسي في حالة انتقال من ذوبان إلي تبلور، وفي وضع تحول من تفكك إلي تماسك. فالبرلمان بمجلسيه قد انتخب، وباشر صلاحياته التشريعية. الدستور الجديد علي أول مسار الإعداد، فقد اجتمع أعضاء البرلمان المنتخبون بالأمس للشروع في اختيار جمعية تأسيسية تتولي وضع مواده وصياغتها. ومنصب رئيس الجمهورية، سوف يجري شغله في موعد أقصاه 22 يونيو المقبل، وربما قبل ذلك إذا لم يتطلب الأمر إجراء جولة إعادة وفاز أحد المرشحين بغالبية الأصوات من الجولة الأولي. الآن.. توارت الشكوك بشأن نية الجيش في البقاء بالسلطة، وتراجع الجدل حول مصداقية وعد المجلس العسكري بتسليم الحكم إلي سلطة مدنية منتخبة، وتوقفت المطالبات الداعية إلي ترك المجلس للسلطة فوراً.. وتيقن الجميع من أن المرحلة الانتقالية التي بدأت بتنحية مبارك عن الحكم يوم 11 فبراير قبل الماضي، سوف تنتهي فعلاً يوم 03يونيو المقبل، عندما يؤدي الرئيس الجديد اليمين الدستورية، ويتسلم سلطة الرئاسة من المجلس العسكري لينصرف المجلس إلي مهمته الأصلية وهي إدارة شئون القوات المسلحة. هكذا يبدو المشهد من أول إطلالة، مبشراً بانتقال ديمقراطي للسلطة بعد انتخابات حرة، وبانتهاء مرحلة انتقالية، جري خلالها إعادة بناء سلطات الدولة ومؤسساتها، لتدلف البلاد إلي مرحلة استقرار سياسي بعد حالة ثورية دامت 71 شهراً. أمامنا إذن 021 يوما علي انتهاء المرحلة الانتقالية بعد قيام الجيش بتسليم السلطة. واقع الأمر.. فإنني أري أن أمامنا 4 شهور علي بداية مرحلة الانتقال حين يترك الجيش الحكم!
لا أريد أن أبدو كمن يتأبط شؤما، أو كمن ينعق خارج سرب المغردين، لكن عندي مخاوف ترتقي إلي مرتبة الأسانيد والدلائل. أولا: أهم المكاسب ولعله المكسب الوحيد التي تحققت خلال مرحلة الانتقال، هو انتخاب مجلسي البرلمان، لكن الظاهر حتي الآن هو انشغال نواب الشعب بحالة الاستقطاب بين التيارات التي يمثلونها تجاه قضايا فرعية تتعلق بالمكايدة السياسية، وتبتعد تماماً عن هموم الجماهير وما أكثرها وأقساها. وقد تكون تلك الحالة مقبولة في الأيام والأسابيع الأولي من عمر مجلس الشعب، لكن انعكاساتها قد تلقي بظلالها علي الجمعية التأسيسية وأسس اختيار أعضائها، مما يثير المخاوف من أن يأتي تشكيل الجمعية غير معبر بدقة عن طوائف المجتمع وفئاته واتجاهاته، في ظل تمتع التيار الإسلامي بالأغلبية في البرلمان بمجلسيه ويلقي بعلامات استفهام حول أسباب عدم وضع أسس اختيار أعضاء الجمعية، قبل شروع النواب المنتخبين في مباشرة عملية الاختيار. ثانيا: رغم ما يقال عن جاهزية الدستور الجديد(!)، ووجود مشروعات معدة سلفا سوف توضع تحت تصرف الجمعية التأسيسية بعد تشكيلها كأساس للنظر فيها، هناك احتمالات تتزايد بعدم إمكان الانتهاء من الدستور قبل انتهاء الفترة الانتقالية. صحيح أن ثمة تطمينات تقال من جانب حزب الأكثرية »الحرية والعدالة« بأن الفصول الأربعة الأولي والأساسية من الدستور عليها توافق سياسي، لكن لم يرد ما يطمئن بشأن النص علي مدنية الدولة، وبشأن حق غير المسلمين في الاحتكام إلي شرائعهم في الأحوال الشخصية، ولم تحسم قضايا رئيسية في الدستور تتعلق بالنظام السياسي للدولة وهل سيتم الإبقاء علي النظام الرئاسي أم تفضيل النظام المختلط الرئاسي البرلماني، ومن ثم تحديد صلاحيات رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ومجلس الشعب، كذلك هل سيتم الإبقاء علي مجلس الشوري أم لا، وفي حالة إلغائه لمن سيئول الإشراف علي حقوق ملكية الدولة للمؤسسات الصحفية القومية؟! .. ثم ما مصير مجلس الشعب الحالي بعد إقرار الدستور لاسيما إذا ألغيت نسبة العمال والفلاحين المشترط ألا تقل عن 05٪ من عدد الأعضاء المنتخبين، هل سيتم حل المجلس وتجري انتخابات جديدة في غيبة الجيش الذي تولي العبء الأكبر في عملية تأمين الانتخابات الأخيرة، أم سيتم اقحام نص علي الدستور في باب أحكام عامة وانتقالية يعطي حصانة بقاء لهذا المجلس حتي نهاية دورته؟! أيضا كيف يتم فتح باب الترشح لرئاسة الجمهورية ويتقدم المرشحون للمنصب علي أساس صلاحيات واسعة حددها الإعلان الدستوري، وينتخب الرئيس الجديد للنظام الرئاسي، ثم يأتي الدستور الجديد ليقلص صلاحيات الرئيس وينص علي نظام سياسي مختلف؟!.. هل ستعاد انتخابات الرئاسة، أم سيعمل الرئيس الجديد وفقا لصلاحيات محددة لم ينتخب علي أساسها ؟! ثالثا: ليس من المتوقع بالنظر لكثرة عدد المرشحين المنتظرين، أن يفوز مرشح بالرئاسة من الجولة الأولي، وليس من المرجح أن يحصل أحد في جولة الإعادة علي أغلبية كاسحة، ومن ثم سيأتي الرئيس الجديد بعد معركة طاحنة، لم يحصل فيها في أفضل الأحوال علي 53٪ من الناخبين أي أكثر من 01 ملايين ناخب، بالتالي سيكون معرضا عند أي محك لتظاهرات معارضة قد تنتقل من ميدان التحرير إلي مقر الرئاسة وهو لم يستقر بعد في مكتبه ب »البيت الأصفر«! الرئيس الجديد لن يكون من جماعة الإخوان المسلمين التي أعلنت أنها لن تتقدم بمرشح من أعضائها، ولن يكون من المجلس العسكري الذي تعهد أعضاؤه بعدم الترشح للانتخابات، وبالتالي فهو يفتقد أهم مرتكزين يستند إليهما أي رئيس وهما الاعتماد إلي الفصيل السياسي الأكبر وإلي المؤسسة الأهم في البلاد وهي المؤسسة العسكرية، وقد يفقد تأييدهما! ثم إنه يجب ألا يعول علي الولاء المطلق الذي كان يحظي به الرؤساء السابقون من جانب أجهزة الأمن والمعلومات والإعلام الرسمي، فما فات لن يعود! رابعا: تراود حزب »الحرية والعدالة« نزعات الاستحواذ علي الحكومة، بعد أن فاز بالأكثرية في مجلس الشعب وبالأغلبية في مجلس الشوري، وبعد أن صدر قرار بالعفو عن خيرت الشاطر نائب المرشد العام للإخوان الذي يتردد بقوة انه مرشح لرئاسة الوزراء في أي حكومة قادمة بعدها أصبح لا يوجد ما يحول بينه وبين تولي المنصب بعد قرار العفو، والغريب أن الحزب تمسك بإجراء الانتخابات البرلمانية قبل وضع الدستور استناداً إلي إرادة الجماهير التي عبرت عنها في التعديلات الدستورية وإلي الإعلان الدستوري. لكنه اليوم لا يجد أي غضاضة في انتهاك نصوص الإعلان الدستوري الذي يعطي لرئيس المجلس العسكري سلطة تعيين رئيس الوزراء والوزراء وإعفائهم من مناصبهم، ولا يكفل للحزب الفائز بالأغلبية أو بالأكثرية في البرلمان الحق في تشكيل الحكومة. وفي نفس الوقت يعلن مسئولو حزب الحرية والعدالة عن نيتهم سحب الثقة من حكومة الجنزوري، رغم أن الإعلان الدستوري وكذلك دستور 17 نفسه، لا يعطي للبرلمان صلاحية سحب الثقة. والحق أن نزعة الاستحواذ علي الحكومة من جانب حزب الحرية والعدالة بغض النظر عن تعارضها مع الإعلان الدستوري، تقدح في نوايا الحزب، لاسيما أن المرحلة الانتقالية لم يتبق عليها سوي أقل من 4 أشهر. فلماذا يريد الحزب إذن تشكيل الحكومة قبل وضع دستور جديد يعطيه هذا الحق؟! ولماذا يصر علي أن يتولي سلطات الحكومة في هذا التوقيت بالذات الذي ستجري فيه انتخابات الرئاسة؟! ثم هل يرغب حقا في أن يوصل رسالة جديدة إلي الجماهير مغايرة لتلك الرسالة التوافقية التي حرص علي أن يبعث بها قبل الانتخابات البرلمانية ؟! خامسا: يبدو المجلس الأعلي للقوات المسلحة، حريصا علي تقديس الموعد الذي حدده لنهاية المرحلة الانتقالية، أكثر من حرصه علي أن يأتي الدستور الجديد معبراً عن توافق أمة لا عن إرادة غالبية، ويبدو متلهفا علي العودة إلي مهامه الأصلية، أكثر من لهفته علي صدور الدستور في وجوده وبضمانة الجيش لبنوده وأهمها تداول السلطة عبر صندوق الانتخاب. ربما يكون المجلس معذوراً بعد كل ما تعرض له من انتقادات ومن تطاول نال قادته بل واجتراء علي الجيش نفسه. لكن لا أظن أحداً في الساحة السياسية، يتصور أن الجيش سوف يغلق أبواب ثكناته علي وحداته وينعزل عما يجري في البلاد، أو يحسب أن القوات المسلحة لن تكون الرقم الصعب في المعادلة المصرية خلال سنوات قادمة. سادسا: وسط كل ما يجري.. لايبدو الشأن الاجتماعي يحظي لدي القوي السياسية بقدر ضئيل من الاهتمام الذي توليه للشأن السياسي. بل إن البرنامج المكتوب لحكومة الإنقاذ برئاسة الجنزوري الذي لم يقرأه أحد، انحاز بمشروعاته وإجراءاته للغالبية الكاسحة من الفقراء، بأكثر مما انحاز لهم أعضاء مجلس الشعب في المناقشات! الأكثر من ذلك أن المشروع الاجتماعي لثورة يناير يبدو غائبا عن أجندة القوي السياسية، فالبعض منها يري العدالة الاجتماعية بمنطق بالإحسان والبعض يراها تتحقق بالزكاة، والبعض يعتقد أن الطريق إليها يمر عبر تقديم الدعم والتسهيلات لرجال الأعمال لكي يقيموا مشروعات توفر فرص عمل للفقراء ! والحاصل أن الضغط يتزايد بعنف علي الطبقات المهمشة والمعدمة بأكثر مما هو إنساني وبأشد مما هو محتمل، في ظل ظروف اقتصادية غير مواتية، وانشغال بالعملية السياسية عما عداها. وإنني أري وهج الانفجار، قبل أن أسمع دويه !
لست أرغب في الإقلال مما تحقق خلال العام الأول من عمر الثورة، ولا الشهور الأولي من عامها الثاني، لكني أري أن مرحلة الانتقال لم تبدأ بعد. فهذا البرلمان انتقالي، والرئيس القادم انتقالي، ولا أتمني للدستور الجديد أن يكون هو الآخر انتقاليا!