رغم أن المادة 56 من الإعلان الدستورى قد حسمت مسألة تشكيل الحكومة وجعلت الأمر فى يد المجلس العسكرى باعتباره من يباشر اختصاصات رئيس الجمهورية فإن الجدل احتدم حول هذه المسألة من جديد بعد أن بدأ برلمان الثورة ذو الأغلبية الإخوانية عمله وتحول الأمر إلى معضلة.. هل من حق صاحب الأغلبية فى البرلمان تشكيل الحكومة أم أن دوره يقتصر حاليا على التشريع ومراقبة الحكومة وانتخاب اللجنة التأسيسية لوضع الدستور؟ «أكتوبر» طرحت القضية للنقاش بين أطراف عديدة جاءت تفاصيل آرائها المتباينة فى السطور التالية..??بداية يرى المستشار هشام جنينة رئيس محكمة جنايات القاهرة ورئيس محكمة الاستئناف أن الإعلان الدستورى الذى صدر وينظم حركة المجتمع خلال الفترة الانتقالية حسم هذه القضية وهى أنه لا يجوز تكليف حكومة إلا من خلال المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذى يمارس اختصاصات رئيس الجمهورية باعتبار أن النظام فى مصر هو «رئاسى» ولم يتغير لأن الدستور الجديد لم يصدر بعد والذى سينظم شكل الدولة فى المستقبل. ومن أجل ذلك طالب الكثيرون بأن يتم اختيار أعضاء الجمعية التأسيسية لوضع الدستور من خلال توافق مجتمعى حول أعضائها بحيث تضم جميع القوى السياسية ولا يتم إقصاء أى منها لأن هذه الجمعية ستضع دستوراً يحدد شكل الدولة هل هو نظام رئاسى أم برلمانى أم خليط من الاثنين معاً ولكن هذا لم يحدث. ويضيف: أن من يطالب بأن يشكل البرلمان الحكومة القادمة يخالف الإعلان الدستورى الذى ارتضاه الشعب، مؤكداً أن المأزق الحقيقى الذى وصلنا إليه هو أن الدستور هو الأساس الذى يحدد شكل الدولة وبالتالى كان يجب أن يكون أولاً ولكننا حالياً نخضع للإعلان الدستورى ولم يحدد الشعب النظام الذى يرتضيه من خلال الدستور الجديد الذى من المفترض أن تضعه الجمعية التأسيسية وبالتالى يظل الحال على ما هو عليه بأن يقوم المجلس الأعلى للقوات المسلحة بحكم أن أحيلت إليه اختصاصات رئيس الجمهورية فيتعين عليه وحده دون غيره أن يكلف من يراه بتشكيل الحكومة وهو ما تم مع الدكتور عصام شرف والدكتور كمال الجنزورى وسيتم مستقبلاً حتى وضع الدستور الذى ينص على تغيير شكل الدولة من نظام رئاسى إلى نظام برلمانى حتى لو رأت الأغلبية فى مجلس الشعب الجديد ضرورة تشكيل حكومة جديدة، لأن الأغلبية ليس لها حق فى تشكيل الحكومة لأن شكل الدولة لم يتغير من رئاسى إلى برلمانى. ويضيف جنينة أن الحل فى رأيى أن تتعاون الأغلبية مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة باعتبار أنه يحل محل رئيس الجمهورية فى اختصاصات إصدار القوانين التى تحتاج إليها البلاد فى المرحلة الانتقالية حالياً وحتى إعداد دستور جديد. جمهورية رئاسية ??بينما أوضح المستشار إسماعيل البسيونى رئيس محكمة الاستئناف ورئيس نادى قضاة الإسكندرية السابق أنه مادام أن نظام الدولة حتى الآن جمهورية رئاسية ولم يعدل الدستور بعد أو بوضع دستور جديد بعد الانتخابات يحول مصر من جمهورية رئاسية إلى جمهورية برلمانية ويكون الرئيس شرفياً فقط ورئيس مجلس الوزراء هو الذى يتولى حكم البلاد فنحن فى هذه المرحلة التى حل فيها المجلس العسكرى محل رئيس الجمهورية فإن سلطات المجلس العسكرى هى التى تقوم بتكليف من يشكل الحكومة الجديدة وليس البرلمان وليس هناك أية علاقة بين هذا ووجود أغلبية أو أقلية فى البرلمان، أما بعد ذلك وبعد وضع الدستور ولو تحولت مصر من جمهورية رئاسية إلى جمهورية برلمانية حينئذ فقط يحق للأغلبية أن تشكل الوزارة لأنها لو لم تشكلها فلن تحصل أى حكومة على ثقة هذا البرلمان. ويضيف: أننا حالياً لسنا فى مأزق دستورى لأن المجلس العسكرى هو الذى يباشر سلطات رئيس الجمهورية بمقتضى الإعلان الدستورى الذى صدر وبمقتضى المبادئ الدستورية فى العالم وهو الذى يتولى الحكم فى البلاد وهو الذى أتى بالوزارة السابقة وكلف الدكتور الجنزورى بالوزارة الجديدة، وستظل الوزارة حتى يتم تشكيل لجنة إعداد الدستور ويتم وضع دستور يقرر فيه الشعب نظام الدولة هل هو نظام رئاسى أو نظام برلمانى ويطرح على الشعب فى استفتاء عام لنيل موافقته من عدمها، فالمسألة محسومة وليس فيها خلاف أو تعارض. رغبات الشعب ??ويشير المستشار أحمد مكى نائب رئيس محكمة النقض وعضو مجلس القضاء الأعلى السابق إلى أن النص الدستورى ينص على أن المجلس العسكرى هو الذى يسمى الحكومة ويعتمدها فى نظامنا الرئاسى لكن المفترض أن الحاكم يكون مستجيباً لرغبات شعبه فلابد من أن يتشاور مع الأغلبية البرلمانية لكى تكون الحكومة مقبولة شعبياً. وأضاف: نحن لسنا فى مأزق دستورى لأن المجلس العسكرى يباشر اختصاصات رئيس الجمهورية بناء على رغبة الشعب، فلابد للحاكم أن يستلهم إرادة الشعب حتى لا يحدث تمرد وحتى لا يحدث انفصال بين الحاكم وإرادة شعبه وهو سبب الثورات. ظروف استثنائية ??ويرى المستشار محمد عزت عجوة رئيس نادى قضاة الإسكندرية ورئيس محكمة الجنايات واستئناف الإسكندرية أننا الآن فى ظروف استثنائية «غير عادية» لأن السلطات المخولة لرئيس الجمهورية يمارسها حالياً المجلس الأعلى للقوات المسلحة وهذا الوضع قائم ولن ينتهى إلا بعد وضع الدستور الجديد ثم انتخاب رئيس للجمهورية والذى سيمارس سلطاته وفقاً لهذا الدستور الجديد وفى هذه الحالة فإن الأمور ستكون طبيعية. ويضيف: أنه فى الوضع الحالى فإن الذى يملك التكليف بتشكيل الحكومة أو الوزارة هو المجلس الأعلى للقوات المسلحة وهو وضع بطبيعته يتفق مع الإعلان الدستورى ومع الشرعية الدستورية الموجودة حالياً طبقاً لهذا الإعلان. ويؤكد أن المستقر دستورياً أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة هو الذى يكلف رئيس الحكومة ولأن المسألة محسومة دستورياً وليس هناك إشكالية أو مأزق دستورى فالمسائل محددة والتحديد واضح وشرعية المجلس العسكرى الدستورية قائمة وهى شرعية دستورية موجودة ومؤكدة. ??ويرى الدكتور رمزى الشاعر رئيس جامعة عين شمس الأسبق وأستاذ القانون الدستورى أن سلطة تشكيل الحكومة القادمة هى من سلطة المجلس العسكرى والذى يمارس اختصاصات رئيس الجمهورية كاملة طبقا للاستفتاء الذى تم وطبقا للإعلان الدستورى الذى صدر. ويضيف أننا فى نظام رئاسى. وعلى هذا الأساس فإن الإعلان الدستورى أعطى للمجلس العسكرى الحق فى تشكيل الحكومة وإقالتها إلى أن يتغير هذا الدستور ويتم وضع دستور جديد وتحديد نظام الدولة. تصاعد المشكلة ويؤكد الدكتور جابر جاد نصار أستاذ ورئيس قسم القانون الدستورى بكلية الحقوق جامعة القاهرة أن مشكلة المرحلة الراهنة أنها أدت إلى أن تجرى انتخابات مجلس الشعب بطريقة عبثية بلا قواعد أو أسس حيث صارت معلقة فى الهواء فلا هى استندت إلى دستور قائم ولا هى استهدفت إقامة برلمان له صلاحيات. ويضيف: أننا سنجد أمامنا إشكالية بعد الانتخابات فسيكون هناك برلمان ليس له سلطة حقيقية وسينتج عن ذلك مشاحنة ومنازعة بين البرلمان والمجلس العسكرى لأن الأخير لا يريد أن يترك السلطات للبرلمان على الرغم من أن من حقه سلطة التشريع وإقرار الموازنة والخطة العامة ومعنى ذلك أنه لن يتمكن من ممارسة سلطة مساءلة الوزارة وهذا يضفى بظلال من الشك حول نجاح المرحلة الانتقالية بالانتخابات ويستدعى ضرورة تغيير وتعديل الإعلان الدستورى لكى يترك المجلس العسكرى الاختصاصات للبرلمان المنتخب وهى الاختصاصات التشريعية ومساءلة الحكومة. ويشير: أنه إذا أصر كل طرف على رأيه فسيكون هناك إشكالية حقيقية ومأزق دستورى لأن الإعلان الدستورى جاء ناقصاً فهو لم ينظم كيفية ممارسة البرلمان لسلطاته واختصاصاته أو كيفية إدارة جلساته، نحن أمام إجراءات عبثية حذّرنا منها كثيراً أن يكون هناك برلمان دون دستور فهذا لم يحدث فى تاريخ العالم أو فى أية مراحل انتقالية مرت على أيه دولة أو على أى شعب. وللخروج من هذا المأزق يرى جاد أنه يجب أن نعترف بالحقيقة المرة وهى فشل ترتيبات المرحلة الانتقالية ويتم تصحيحها بأن يتم وضع دستور جديد يحدد شكل الدولة ويحدد سلطاتها ويبين اختصاصات كل سلطة ثم نختار رئيساً وبرلماناً. لقد نجحت ترتيبات المرحلة الانتقالية فى تكريس المطالب الفئوية سواء سياسية أو اقتصادية فأصبحت الأحزاب تبحث عن دورها فى المناصب والمغانم وأصبح كل فصيل يبحث عن مكتسبات لحظية ضيقة الأفق فلم يكن يتصور أحد أن يُضرب مندوو اللجان من أجل الحصول على 300 جنيه، لقد ضاعت هيبة الدولة وتفسخت أحلام الثورة وتضاءلت إلى مجرد كرسى فى البرلمان أو بعض الطامعين فى رئاسة الدولة هل نتصور أن يتصارع الجميع حول هذه المكاسب المحدودة اللحظية ويتركون بناء الدولة بدستور جديد، نحن فى الثورة المصرية والدولة المصرية فى كرب عظيم وفى انهيار ولن تؤدى هذه الانتخابات إلا إلى تعقيد الموقف، لقد سبق وحذرنا من كل هذه النتائج ولكن للأسف الشديد لم يسمع أحد فالثورة تحتاج إلى موجات أخرى من الثورة وهى قادمة لا محالة وعلى القائمين على المرحلة الانتقالية - إذا لم يصححوا - أو يتدبروا الأمر بترتيب جديد للمرحلة الانتقالية تقيم لهذا الشعب نظاماً ديمقراطياً حقيقياً بدستور صحيح يحكم فى ظله من يختاره الشعب. توازن مطلوب ??ويرى المستشار سعيد برغش نائب رئيس مجلس الدولة أنه حتى الآن فى ظل المرحلة الانتقالية التى يحكمنا فيها الإعلان الدستورى فإن المجلس العسكرى الذى يقوم بعمل رئيس الجمهورية هو وحده الذى يملك سلطة تشكيل الوزارة وإقالتها. ويؤكد برغش: أن مجلس الشعب لا يملك تشكيل الحكومة المقبلة إنما يملك سحب الثقة من مقتضى حقه فى الرقابة والاستجواب والسؤال لأعضاء الحكومة. ويضيف: أنه يجب أن يكون هناك توازن فى ممارسة هذين الحقين: حق تشكيل الحكومة وحق الرقابة الشعبية على الحكومة، مؤكداً أن تشكيل الحكومة من سلطة المجلس الأعلى للقوات المسلحة طبقا للإعلان الدستورى. برلمان بلا صلاحيات يؤكد د. نور فرحات الفقيه الدستورى أن مجلس الشعب القادم ليست له صلاحيات وليس للأغلبية الحق فى تشكيل حكومة أو سحب الثقة منها. ودوره يتحدد فى الموافقة على تشريع القوانين والتدخل فى تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور المصرى فقط. مشيراً إلى أنه وفقا للمادة (33) من الإعلان الدستور الصادر فى 30 مارس 2011م فإن مجلس الشعب فور انتخابه يقر السياسة العامة للدولة. والخطة العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، والموازنة العامة للدولة. كما يمارس الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية. وهذه المادة لا توضح سلطات مجلس الشعب بالتحديد ولكنها سلطات وهمية غير ملموسة على أرض الواقع فهى سلطات على الورق فقط. لأنها غير محددة، وقد وضع نص هذه المادة فى عصر الرئيس المخلوع. لكى يستطيع السيطرة على مجلس الشعب فى تمرير القوانين التى يديرها والالتزام بقواعد التشريع فى حدود ما يملى عليهم من قرارات من قبل رئيس الجمهورية. حتى أصبح رئيس مصر له كل الصلاحيات فى السيطرة على مؤسسات الدولة كلها وهذا غير موجود فى أى دولة على مستوى العالم. فمصر كان حاكمها دكتاتوراً. ويجب أن نغير ذلك النهج فعلى المجلس العسكرى الإسراع بإصدار أوامره بتغيير المادة (56) من الإعلان الدستورى لسحب بعض الصلاحيات من رئيس الجمهورية ليكون البرلمان بصلاحيات أوسع. مظله الدستور ??فيما أكد منصور حسن وزير الإعلام الأسبق رئيس المجلس الاستشارى أننا مازلنا تحت مظلة الدستور القديم والمادة (56) تؤكد ذلك حيث نقلت صلاحيات رئيس الجمهورية فى تعيين رئيس وزراء لتشكيل حكومة وسحب الثقة منه إلى المجلس العسكرى بصفته رئيساً للجمهورية الآن. حتى يتم انتخاب رئيس جديد فى الفترة المقبلة. والمشكلة الآن أن المجلس العسكرى لا يستطيع إصدار مرسوم قانون ينظم إجراءات عمل مجلس الشعب. لأن فى ذلك مخالفة للدستور وأى تغيير يقتضى إجراء استفتاء عليه قبل إقراره. الإرادة الشعبية ??وطالب الدكتور محمد مرسى رئيس حزب الحرية والعدالة بتغيير المادة (56) من الإعلان الدستورى ونقل صلاحيات رئيس الجمهورية فى اختيار حكومة وسحب الثقة منها إلى الأغلبية فى مجلس الشعب، كما هو معمول به فى معظم دول العالم. وتابع: نحن الآن تحت مظلة الإرادة الشعبية وليس المجلس العسكرى لأننا فى ثورة مستمرة حتى نشعر جميعاً بالحرية والعدالة المطلوبة.. مشيراً إلى أن شرعية مجلس الشعب من شرعية الشعب الذى قال كلمته عند كل صندوق ويجب احترام رأى كل مواطن مصرى فى عمل التغيير والديمقراطية الحقيقية وإعطاء مجلس الشعب حقه فى مراقبة الحكومة وسحب الثقة منها. وهذا هو الطريق الأفضل لمصر فى المرحلة المقبلة حتى نمر بسلام دون مشاكل أو صدام لأننا مصرون على حقنا الشرعى فى ذلك. ??ويتفق المهندس أبوالعلا ماضى رئيس حزب الوسط مع الآراء السابقة حيث يرى أن مجلس الشعب هو «مجلس منزوع الدسم» وفقا للمادة (56) من الإعلان الدستورى وعلينا أن ننتظر ستة أشهر لحين وضع دستور جديد يعطى مجلس الشعب مهامه فى تشكيل الحكومة. ولكن المشكلة الآن هى من له صلاحيات محاسبة الحكومة الجديدة إذا تجاوزت فى أداء مهامها؟ وطالب بأن تكون لجنة وضع الدستور مشهوداً لها بالنزاهة والكفاءة وأن يتناسب الدستور الجديد مع المرحلة المقبلة، طالب المجلس العسكرى بتفعيل دور مجلس الشعب فى تشريع القوانين وتشكيل حكومة وأن تكون له صلاحيات سحب الثقة إذا لزم الأمر ذلك، حتى تكون هناك ديمقراطية حقيقية يرتضيها الشعب بعد قيام الثورة.