بقلم : ابتسام حبيب [email protected] لعل هناك سؤالا يطرح نفسه ويراود الكثير من ابناء هذا الوطن ألا وهو: هل وجود عدة هويات في نفس الوطن يعد من معوقات تفعيل مبدأ المواطنة؟ وكما نعرف ان للهوية العديد من المفاهيم، ولكن من أهمها هو الانتساب الثقافي لقيم ومعتقدات وبشكل أوضح ان الهوية تعتبر بمثابة النظارة التي ينظر بها المواطن للجميع والمجتمع وللواقع.. فاذا كانت المواطنة هي انتسابا جغرافيا والارتباط بأرض معينة وحمل جنسيتها فهل هذا الانتماء لهذه الارض يعد كافيا لتحقيق التعايش بين اصحاب هذه الارض والمنتمين لها بشرط ان يكون هذا التعايش مبنيا علي المساواة في الحقوق والواجبات بما يعنيه مبدأ المواطنة. من هنا تأتي الحاجة للبحث عن كيفية التواصل بين اصحاب الهويات المختلفة وبقدر نجاح المجتمع في ادارة هذا الاختلاف بقدر النجاح في تفعيل مبدأ المواطنة، ومن هنا يأتي وجوب الارتباط الوثيق بين المواطنة والهوية، وبمعني آخر اذا لم يتحقق التفاعل أو الانصهار بين اصحاب الهويات المختلفة تظل المواطنة مجرد مبدأ دستوري غير مفعل علي أرض الواقع أو في أحسن الأحوال يفرض من قبل الدولة دون وجود قاعدة جماهيرية تؤمن به وتمارسه عن اقتناع، ومن أوضح الأمثلة في ذلك الهوية الدينية ونحن لا ننظر الي عمق وتأثير التوجه الديني عند الشعب المصري، فالمصري متدين بطبعه ولكن اذا غلب الانتماء الديني علي الانتماء للأرض التي هي الوطن هنا تنشأ المشكلة ويبدأ الصراع بين أيهما افضل وايهما اصدق ويتبخر مبدأ »الدين لله والوطن للجميع«.. وتصبح الغاية الوحيدة التي تنهي الصراع الداخلي في تقديسي وحبي لديني وانتمائي لوطني هي ان أصبغ وطني بصبغة دينية وبالطبع كل من يختلف معي ويرفض هذه الصبغة اقصيه عن هذا الوطن بالرفض والتجاهل او بالصراع والتنازع. وبنفس المقياس اذا وضعنا في الاعتبار ان لكل اقليم هويته وقيمه واخلاقيات تحكم سلوك افراده، فسكان الصعيد مثلا اكثر تشددا من سكان العاصمة والوجه البحري والبدوي غير النوبي. فلو لم ننجح في احتواء هذه الهوية الثقافية أو الدينية ونحترم معتقد اصحابها لحكمنا عليها بالتقوقع والاغتراب عن اصحاب الهوية الأكثر تأثيرا أو الأقوي تعددا ويصبح المناخ مهيئا للنزاع والصراعات الداخلية وقد تصل بالنهاية الي انقسام فعلي أو معنوي ولذا فهل من حل؟ يأتي الحل في ايجاد صيغة للتعايش السلمي المبني علي التنوع والقبول ونبذ التعصب والكراهية والتطرف وتنمية لغة الحوار والتسامح وقبول الآخر، ولكن كيف؟ أولا: يكون من خلال التلاقي ولنا في هذا مثال وهو : الهوية الفرعونية والتي تعد جذرا اصيلا امد كل الثقافات التي تعاقبت علي مصر فأمدها بالعصارة المصرية فصبغتها وصهرتها بعيدا عن كونها مسيحية أو اسلامية أو فاطمية ولكن جميعها بروح مصرية. ثانيا: التوافق علي كل من يحتفظ بهويته لكن في تناغم وتكامل مثل طبق السلطة فكل مكون هذا الطبق يحتفظ بلونه وشكله ولكن مذاق الطبق اجماليا يكون جيدا وجميلا. ثالثا: الانصهار وهو اعلي درجات التلاقي والتوافق فبتلك الحالة يصبح الفرد مؤثرا ومتأثرا ومطورا، وهذا ما نعني به الوطن وننميه وندفع به قدما.