قد تصاب المكاسب السياسية التي تحققت منذ الإطاحة بالرئيس المصري السابق حسني مبارك في انتفاضة شعبية هذا العام بانتكاسة من جراء هجوم على السفارة الإسرائيلية بالقاهرة الأسبوع الماضي في الوقت الذي يتخذ فيه المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي يحكم مصر إجراءات لتشديد الأمن في أنحاء البلاد. وتسلق محتجون المبنى الذي تحتل السفارة الإسرائيلية الطابقين الأخيرين به واستبدلوا العلم الإسرائيلي بعلم مصر وأخذوا وثائق للسفارة من مخزن في طابق تحت السفارة قبل أن يقذفوها من النوافذ على حشود أسفل المبنى أخذت تحييهم. وفر السفير الإسرائيلي وعائلته من القاهرة في نفس الليلة في طائرة هليكوبتر عسكرية اسرائيلية. ووجهت اسرائيل والولايات المتحدة نداءات يشوبها القلق لمصر لاحترام معاهدة السلام المثيرة للجدل الموقعة مع اسرائيل عام 1979 وحماية مقر السفارة. وسارعت الحكومة المصرية الى تقديم تطمينات بأنها ستعزز الإجراءات الأمنية عند السفارة وتلاحق من يقفون وراء الهجوم مشيرة الى أنه لا مساس بالمعاهدة. لكن الكثير من المصريين يخشون من أن تؤدي الحملة الأمنية التي تعقب هذا الى تقويض الحريات السياسية التي اكتسبت منذ الثورة. وقال مسؤولون إنه سيتم العمل بقانون الطواريء من جديد لمحاكمة الضالعين في الهجوم على السفارة. وكان هذا القانون ركيزة اساسية لآليات مبارك في السيطرة الاجتماعية وطبقه منذ توليه الحكم عام 1981 . وقال عماد جاد من مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية إن هذه هي المرة الأولى التي يحال فيها احد الى محكمة أمن الدولة منذ قيام الثورة. وأضاف أن الوضع الامني سيء بالفعل في البلاد والجريمة في تزايد مشيرا الى أن أعضاء المجلس العسكري يستغلون هذا. ونأى نشطاء وأحزاب معارضة بأنفسهم عن أعمال العنف التي وقعت حول السفارة والتي يقولون إنها تشوه أهداف الثورة. لكن إعادة إحياء تلك المحاكم في إطار قانون الطواريء يثير قلقا بالغا. وكان بعض المتظاهرين الذين تحركوا ضد السفارة من المشاركين في احتجاجات الجمعة بميدان التحرير وكان أحد المطالب إلغاء قانون الطواريء على الفور. ويقول محللون إن التحول الديمقراطي بمصر قد يتضرر ويرى البعض مؤشرات مثيرة للقلق بالفعل على عودة للأساليب التي كانت تتبعها قوات الأمن في عهد مبارك لخنق المعارضة. وداهمت قوة أمنية مصرية مكتب قناة الجزيرة مباشر مصر امس الأحد وألقت القبض على موظفين فيما وصفته الجزيرة بأنه محاولة لإغلاق القناة التي غطت أحداث السفارة على الهواء مباشرة. وكانت قناة الجزيرة مستهدفة في الأيام الأخيرة لحكم مبارك. وقال مصدر أمني إن عدة قنوات أخرى أغلقت لأسباب تتعلق بالتراخيص او انتهاكات أخرى للمواثيق المهنية. وتجتاح التغييرات مصر منذ الإطاحة بمبارك في 11 فبراير شباط. وتم حل الحزب الوطني الحاكم الذي كان يتزعمه وإدخال تعديلات على أجهزة الأمن وإحالة مبارك فضلا عن العديد من الوجوه المعروفة التي انتمت لحكمه الذي امتد ثلاثة عقود الى المحاكمة بتهم بدءا من الفساد وانتهاء بالتآمر لقتل مئات المحتجين. لكن هناك شعورا قويا بين كثيرين ممن كانوا يحتجون ضد مبارك بأن النظام لايزال قائما على الرغم من رحيله. والحكومة المؤقتة تحت سيطرة المجلس العسكري الذي يرأسه المشير محمد حسين طنطاوي وزير الدفاع في عهد مبارك. ولم يمثل طنطاوي امام المحكمة للإدلاء بشهادته في جلسة مغلقة بمحاكمة مبارك امس قائلا إنه منشغل بالتعامل مع الأزمة الأمنية وفقا لما ذكرته وسائل إعلام حكومية. وتم تأجيل الجلسة لموعد لاحق هذا الشهر مما أذكى الشكوك. وقال جاد إن هذا مؤشر ومن المحتمل أن تكون هناك تداعيات على الانتخابات وهو يرى أن من مصلحة المجلس التأجيل حتى يتسنى لشخصيات من الحزب الوطني المنحل تشكيل أحزاب سياسية جديدة. ومن المقرر فتح الباب امام المرشحين لتسجيل اسمائهم لخوض الانتخابات البرلمانية هذا الشهر قبل الانتخابات المتوقع إجراؤها في نوفمبر تشرين الثاني غير أنه لم يتم تحديد موعد بعد. وكان الحزب الوطني الديمقراطي أداة في يد الدولة في عهد مبارك والذي كانت حكومته تعتبر معظم قوى الإسلاميين واليساريين ومؤيدي القومية العربية التي تهيمن الآن على الساحة السياسية معارضة غير مسؤولة ستضر بوضع مصر مع الغرب من خلال سياسات شعبوية قائمة على العداء لإسرائيل. ويقول حسام تمام الباحث المتخصص في شؤون الجماعات الإسلامية إن كثيرين يخشون أن يكون المجلس العسكري يبحث عن أسباب لإبطاء التحول الى نظام جديد كما يخشون من فراغ أمني يخدم هذا الغرض. وأضاف أن التصريحات الرسمية تقول إن المجلس العسكري يريد نقل السلطة بالكامل للمدنيين وهو يرى أنه سواء كان هذا متعمدا او لا فإن سياساته أدت الى فراغ وارتباك وفقد للثقة بالعملية. وأضاف أن لا أحد يعلم متى او ما اذا كان النقل سيحدث. ومنذ يوم الجمعة استشرت نظريات المؤامرة وتحدث الكثير من النشطاء والكتاب والساسة عن أن حلفاء مبارك دسوا محرضين بين المحتجين لإثارة أعمال العنف حتى تظهر الحركة الاحتجاجية بمظهر سيء. وهم يشيرون الى نهب مبنى قريب تابع للشرطة. وقتل ثلاثة وأصيب اكثر من الف في اشتباكات مع قوات الأمن المركزي تشبه المعارك التي جرت خلال الثورة. ووقف جنود بدا عليهم التوتر عند مدخل مبنى السفارة يوم الاثنين فيما تفقد مصريون يعتريهم الفضول حطام جدار يحمي المبنى هدمه المحتجون. وأقامت الحكومة الحاجز الخرساني بعد إنزال العلم الإسرائيلي في احتجاجات مشابهة الشهر الماضي. وقال شاب وهو يضحك مشيرا الى الجدار "كان موجودا لكنه لم يعد موجودا الآن." وأثار بناء الجدار غضبا شعبيا لأنه تم بعد أن قتلت اسرائيل بالرصاص عدة جنود مصريين في عمليات على الحدود استهدفت فلسطينيين في غزة الشهر الماضي. وبدا رد فعل الحكومة على هذا الحادث مترددا فقالت في البداية إنها استدعت سفير مصر في اسرائيل ثم نفت هذا. ويصعب الخلاف الدبلوماسي بين تركيا واسرائيل في الأعوام القليلة الماضية على حكام مصر العسكريين انتهاج نفس سياسات مبارك الذي كان يعتبر على نطاق واسع متساهلا مع اسرائيل على نهج سلفه انور السادات الذي غير التوجه السياسي لمصر مقابل أموال المساعدات الأمريكية.