أيام قليلة ويتوجه الناخبون الروس الى صناديق الاقتراع لاختيار خليفة للرئيس فلاديمير بوتين، في وقت يتردد اسم واحد على ألسنة الاوروبيين كافة. ومن سوء طالع دمتري ميدفيديف - الرجل الذي رشحه بوتين نفسه ليكون الرئيس المقبل لروسيا - ان الاسم الذي يشغل أذهان الاوروبيين هو باراك اوباما. فمن المقرر أن يختار ناخبو روسيا رئيسهم المقبل في الثاني من مارس المقبل، بعد ما شارفت فترة حكم بوتين التي امتدت ثماني سنوات على الانتهاء. وبعد يومين فقط، يختار الناخبون الديموقراطيون في ولايتي اوهايو وتكساس، مرشحهم للانتخابات الرئاسية الاميركية المقررة في نوفمبر المقبل، في يوم فاصل للسيدة الاميركية الاولى سابقا هيلاري كلينتون، واوباما ذي الاصول الافريقية. ورغم قوة روسيا وقربها الجغرافي من اوروبا، يحتل السباق بين أوباما وكلينتون، العناوين الرئيسية في الصحف الاوروبية قبيل إجراء التصويتين الحاسمين. ويقول المحللون إن عدم الاكتراث النسبي من جانب أوروبا بالتصويت الحاسم في روسيا، يعود إلى سببين، أولهما أن صعود نجم اوباما حول السباق في الحزب الديموقراطي والذي كان يعتقد منذ فترة طويلة أنه مضمون لكلينتون، إلى تنافس مثير بالفعل حيث بات الفارق بين الاثنين ضئيلا بصورة تجعل من الصعب التنبؤ بالفائز. ويأتي هذا على نقيض جلي من التصويت الرئاسي في روسيا، حيث من المتوقع أن يسير فيه ميدفيديف بخطى واثقة نحو الفوز بفضل التأييد الذي يحظى به من بوتين وبثقل الامبراطورية الاعلامية للكرملين. ولذلك اجاب مايكل ايمرسون، رئيس قسم الدراسات السياسة الخارجية والامنية في الاتحاد الاوروبي في مركز الدراسات السياسية الاوروبية في بروكسيل، من دون مواربة ل «وكالة الانباء الالمانية»، بالنفي، عندما سئل عما إذا كان هناك أي احتمال لهزيمة ميدفيديف. السبب الثاني، حسب المراقبين في أوروبا، أن الانتخابات الرئاسية الاميركية قد يتمخض عنها تغييرات كبرى في سياسة الولاياتالمتحدة خصوصا في حالة فوز مرشح الحزب الديموقراطي. ويستطرد هؤلاء المراقبون، إن بالمقارنة، نجد أن فرص حدوث تغيير في السياسة الخارجية الروسية في حال وصول رئيس جديد ذي عقلية استقلالية، ضئيلة. ويقول غانسز بوجاغسكي، من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في الولاياتالمتحدة في دراسة قدمها في 11 فبراير الجاري، إن الانتخابات الروسية «لن تغير بصورة جوهرية السياسة، لان ميدفيديف لا يعد الرجل الذي يملك القدرة على التصرف باستقلالية استنادا إلى قاعدة تأييد خاصة به». وشرح ذلك أحد الديبلوماسيين في بروكسيل، طلب عدم كشف هويته: «يعرف الجميع ان بوتين سيظل المسؤول (عن إدارة دفة الامور)». لذلك يقول المراقبون، إن إعلان بوتين أنه سيصبح رئيسا للوزراء بعد تنحيه عن منصب الرئيس يشي بوضوح في أي يد ستتركز السلطة. بيد أن آخرين يدحضون هذا الزعم، ويشيرون إلى أن ميدفيديف سيملك كل الاوراق السياسية الرابحة التي يملكها بوتين حاليا. ولذا - والحال هكذا - فإن السؤال الذي يحتدم حوله الجدل في أوروبا في شأن الانتخابات الروسية ليس من سيكون الفائز، لكن كيف سيكون في مقدور الرئيس الجديد العمل مع بوتين في ما بعد؟ ويتابع ايمرسون «ان السؤال المهم الذي سيتردد طيلة أسابيع وشهور بعد إعلان نتيجة الانتخابات، كيف ستسير الامور بين الرجلين وهما يعملان معا؟ ويبدو أن هذا سؤال لن يجد له إجابة شافية في الوقت الراهن». فمع أن ميدفيديف كشر عن أنيابه، عندما قال في حديث أدلى به مطلع الشهر الجاري، «لا يمكن أن يكون هناك اثنان أو ثلاثة أو خمسة من مراكز (القوى). فالرئيس المسؤول عن إدارة دفة الامور في روسيا وطبقا للدستور لا يمكن أن يكون الا رئيسا واحدا». وتحدث بوتين بلهجة شديدة بالقدر نفسه عن دور رئيس الوزراء، وقال في آخر مؤتمر صحافي له، «إن الحكومة هي التي تملك أعلى سلطة تنفيذية». ويقول المراقبون ان نظرا لانه لا يزال يتعين تحديد اطر العلاقات والصلاحيات بين الرجلين، فإن المجال يظل مفتوحا أمام حدوث مصادمات قبل أن يستتب هيكل السلطة في حقبة ما بعد بوتين، اضافة إلى وجود الكثير من الاهتمام في اروقة اوروبا حول كيفية نجاح ذلك عمليا. ويقول ايمرسون، «هناك اهتمام هائل في اوروبا بالكيفية التي ستسير بها الامور ومن الواضح أن هذا يعد بالغ الاهمية». في ضوء ما سبق، نرى ان الفارق بين الانتخابات الاميركية والروسية من وجهة نظر أوروبية، يكمن في أن وجه الاثارة في الانتخابات الاميركية سيبلغ ذروته يوم التصويت، بينما وجه الاثارة بالنسبة الى الرئيس الروسي سيبلغ مداه فور انتهاء التصويت.