تشهد الحدود السورية اللبنانية عمليات نقل البضائع المهربة بين البلدين مثل الاقمشة و الغاز و المواد الغذائية و الخمر وذلك مع ساعات الليل الاولى حيث تتحول تلال عيحا في جنوب شرق لبنان التي حفرت فيها سيارات مهربي المازوت والمواد الاستهلاكية الاخرى طرقا ترابية الى مسرح عمل لنقل "البضاعة" ذهابا وايابا بين لبنان والاراضي السورية المجاورة. ويروي م.ز. (46 عاما) الذي يقوم بعمليات تهريب بين البلدين منذ سنوات طويلة ان "دوام العمل يبدأ الساعة التاسعة ليلا. نغادر منازلنا بالسيارات او بشاحنات البيك اب الصغيرة المحملة بالمشروبات الكحولية خصوصا والحديد وغيرها ونتوجه الى نقاط جبلية في المناطق الحدودية". في هذه النقاط تنتظر من الجانب السوري سيارات اخرى محملة بالبضائع السورية لا سيما "المعسل والاقمشة والقطنيات والغاز ومساحيق التنظيف والمواد الغذائية والخضار". ويتم تبادل البضائع بين الجانبين. وحكايات التهريب بين لبنان وسوريا قد يكون عمرها من عمر نشوء البلدين كدولتين مستقلتين متجاورتين تملكان حدودا برية مشتركة تمتد على مسافة 170 كلم وتتداخل في بعض مناطق الحدود في غياب اي ترسيم رسمي لها. ويقول استاذ العلوم السياسية في الجامعة اللبنانية فارس اشتي وهو ابن بلدة ينطا المجاورة لعيحا لطالما كانت تركيبة الاقتصاد اللبناني تعتمد الى حد بعيد على الاقتصاد الرديف. الاجور مزرية في لبنان وهناك دائما مداخيل غير منظورة. في الماضي كان العنصر الاساسي في التهريب الحشيش اليوم التهريب لا يتناول الممنوعات لكنه قائم. وبعد انتهاء الحرب الاهلية (1975-1990) قامت الحكومات اللبنانية المتعاقبة تحت تأثير ضغط دولي بحملات حثيثة لمنع الزراعات المستخدمة في تصنيع المخدرات في سهل البقاع. وتروي هالة ي. (25 عاما) ان عمها وهو "اب لخمسة اولاد قتل على يد الهجانة السوريين قنصا سنة 1993 في الجبل" قرب بلدته الصويره. "كان يحمل سكرا وبلاطا الى سوريا. وقتل في طريق العودة". في الماضي تقول هالة "كان 90% من اهالي الصويره يعيشون من التهريب. اليوم يقتصر الامر على اشخاص معدودين يستخدمون السيارات والبغال والحمير". والفقر واضح في هذه المناطق من عيحا الى كفرقوق الى الصويره. وفي ينطا منازل وفيلات ملبسة بالحجر الابيض جديدة انما غير مسكونة. ويقول كامل عمار (71 عاما) ان "80% من سكان القرية مسافرون في ادمنتون في كندا". واضاف الرجل الذي هاجر كل ابنائه وشقيقه مع عائلاتهم "العوز اقتلع العائلات من هنا". ويقول راعي الماشية محمود اشتي (18 سنة) ان مازوت التدفئة الذي تشتريه عائلته المؤلفة من تسعة اشخاص مصدره سوريا "هناك من يهربه من هناك ويبيعه هنا". ويبلغ سعر صفيحة المازوت في لبنان 30 الف ليرة لبنانية (20 دولارا). اما في سوريا فثمنها 150 ليرة سورية (حوالى ثلاث دولارات) والمادة مدعومة من الدولة. ومنذ نهاية آذار/مارس بدأت السلطات السورية تستوفي ضريبة من الشاحنات التي تخرج من اراضيها وقد تزودت بالمازوت من الاراضي السورية او يتم اقفال خزانات الشاحنات الداخلة الى سوريا بالرصاص على ان يتم فك الرصاص لدى خروجها منها. الا ان الشبكات السورية واللبنانية باتت خبيرة في ابتكار اساليب التهريب. ومن على سطح منزله في بلدة مقابلة لجبل من سلسلة جبال لبنان الشرقية يشير م.ز الى منطقة قوسايا. "هناك توجد انابيب بلاستيكية يبلغ قطرها بين ثلاث واربع انشات تنزل من رأس الجبل حتى الوادي. الى هناك نذهب ليلا لنملأ صفائح المازوت يرسله لنا السوريون الذين نتعامل معهم". في دير العشاير الاراضي متداخلة وكذلك السكان. ويقول مدير المدرسة الرسمية في البلدة احمد نصار "اللبنانيون والسوريون في هذه المنطقة جيران واصدقاء. عاشوا عقودا طويلة جنبا الى جنب. وهناك زيجات كثيرة وصلات قربى بينهم. والناس هنا يصرفون مواسمهم الزراعية في سوريا". ويؤكد الدكتور فارس اشتي ان "وقف التهريب يتطلب قرارا سياسيا قبل كل شيء". وما طرح الحاجة الى ضبط الحدود في لبنان خلال السنتين الماضيتين استخدام المعابر غير القانونية "ذات العدد الهائل" بحسب ما افاد مصدر امني مسؤول لتهريب الاسلحة والمسلحين من سوريا الى لبنان. وباتت المسألة تحت المجهر الاعلامي منذ خروج الجيش السوري من لبنان في 26 نيسان/ابريل 2005 بعد وجود لاكثر من ثلاثين سنة. ويوضح المصدر الامني ان القرار الدولي 1701 الذي صدر في آب/اغسطس 2006 ووضع حدا للعمليات الحربية بين حزب الله واسرائيل اثر نزاع استمر اكثر من شهر دعا "الحكومة اللبنانية الى فرض الامن على حدودها وكل المعابر للحيلولة دون دخول اسلحة او مواد ذات صلة الى لبنان". ويؤكد الناس في هذه المناطق ذات الغالبية الدرزية والسنية ان السلاح يسلك معابر التهريب في مناطق نفوذ حزب الله في الجنوب خصوصا وبعض البقاع الشرقي بالاضافة الى المعابر القريبة من قواعد المنظمات الفلسطينية الموالية لسوريا (فتح الانتفاضة والجبهة الشعبية القيادة العامة) في قوسايا وحلوى وغيرها. وتحدثت تقارير عديدة للامين العام للامم المتحدة ولمجلس الامن الدولي ولبعثات دولية زارت لبنان لتقييم وضع الحدود عن استمرار تدفق السلاح عبر الحدود السورية الى لبنان. (ا ف ب)