أكد عمرو موسى الامين العام السابق لجامعة الدول العربية ورئيس حزب المؤتمر انه لابد من نظام عربي جديد لا يكون مغلقاً على نفسه، وانما يجب أن يسمح بناؤه بنوافذ مفتوحة على المنطقة من حولنا، وفق نظام خاص يعمل على دعم وتأكيد الدور العربي في الاقليم المحيط، وتحديد العلاقة مع إيران من ناحية، وإسرائيل من ناحية أخرى، وتركيا من ناحية ثالثة، ودول الجوار الافريقي من ناحية رابعة، أخذاً في الاعتبار ضوابط الأمن العربي والحق العربي والمصلحة العربية. جاء ذلك في كلمته التي ألقاها في الجامعة الفرنسية اللبنانية في بيروت الاربعاء حيث أقترح على مؤسسات الفكر العربي، قبل أن أقول الجامعة العربية، أن تبدأ في اعداد تصور للنظام العربي الجديد، بل للنظام الاقليمي الجديد، وكيف يكون، ومن يمثل، مجاله الجغرافي، ومضمونه الاقتصادي، ومنطلقه السياسي وكفاءته الأمنية. وتحدث موسى عن صعود التيار الديني في العالم العربي ومدى نجاحه المتوقع أو فشله المطروح بقوة حالياً. مؤكد ان نجاح أي تيار سياسي، بما في ذلك الديني، يرتبط بمدى تماشيه مع الازدهار والتقدم والتكنولوجيا والاتصالات، وعدم وقوفه عكس مسارها. فإن هو تماشى معها، بل استثمرها بأن قاد البلاد التي يحكمها بحنكة نحو المستقبل مع تأكيد الانتماء إلى الاسلام المعتدل المنفتح. وشدد على ان الأمر ليس رفضاً لهذا التيار في ذاته طالما يأتي ويذهب طبقاً لقواعد اللعبة الديمقراطية، انما هي سياساته وطريقة حكمه والخطط التي لا تبالي بالحاضر ولا تستهدف المستقبل كما تصوغه المجتمعات الناجحة شرقاً وغرباً، ومحاولة جر مجتمعاتنا إلى الماضي أو عزلها عن المسار العام للتطور البشري. وقال موسى ان من يعارض سيطرة التيار الديني كثرة هائلة من الناس، ولكن هذه الكثرة لا تعارض من منظور ديني، وانما من منظور ما بدأ يتكشف من نواياه السياسية، ومن منظور الرغبة في العيش حياة طبيعية، لا سيطرة فيها الا للقانون، ولمبادئ المساواة بين المواطنين بصرف النظر عن دياناتهم أو معتقداتهم أو ألوانهم أو جنسهم، وتأكيد حقوق الانسان والحريات الدينية وحقوق المرأة. واضاف: "آن الأوان، وفي هذا الاطار بالتحديد، لأن يراجع التيار الديني حساباته وأطروحاته وأن يربطها ربطاً بالقرن الحادي والعشرين وبالواقع المعاصر، وأن يتفهم الرغبة العارمة لدى الناس لأن تعيش حياة أفضل. ان نجاح أي حكم، بما في ذلك حكم المنتمين إلى التيار الاسلامي على اتساع هذه المنطقة، يرتبط بكفاءة حكمهم في تلبية احتياجات المواطنين المادية وتطلعاتهم الوطنية وتحقيق تقدم بلادهم وعدم تخلفها عن المسيرة العالمية التي يتصاعد ارتباط الناس بها، وبصفة خاصة بين الأجيال الصاعدة، الشباب الذي يشكل الغالبية بين الشعوب العربية". وعن سوريا، يرى موسى أن حل المسألة السورية سوف يشكل جوهر التغيير الاستراتيجي في هذه المنطقة،موضحاً ان طبيعة الأمور تشير إلى ضرورة ايجاد معادلة جديدة للحياة السياسية في سوريا، بما فيها الحكم، ولاسيما بعد أن أصبح النظام السوري جزءاً من المشكلة. ويرى أن الجامعة العربية مدعوة بقوة الى تعبئة جميع أعضائها وتقديم طلب عربي جماعي إلى مجلس الأمن لنظر المسألة السورية، ليس بغرض الادانة أو الدخول فورياً في حل سريع قاطع لها، وانما يمهد لشراكة بين المجلس والجامعة، ليس في وساطة داخلية سورية، وانما في نقاش وتوافق حول الوضع الاستراتيجي أو الشروط الاستراتيجية لتسوية المسألة السورية بأقل التكاليف الممكنة على المنطقة، وعلى مستقبل سوريا كدولة وكيان عربي يجب أن يعيش في سلام مع جيرانه العرب ويشارك في تشكيل النظام العربي الجديد. ويرى موسى ان العملية العسكرية الاسرائيلية تعيد إلى الأذهان خطة اسرائيل وحاولاتها للتأثير على الأحداث في العالم العربي، وقد برعت في خلط الأوراق، وفي استغلال حركة التغيير العربي، وبخاصة في سلبايتها، لتأكيد دورها. نحن نرفض هذا الدور طالما ترفض إسرائيل الاعتراف بالحقوق العربية. اسرائيل لا دور لها في مسيرة التغيير العربي، وان شاءت أن تكون لها علاقة بهذه المسيرة، فالباب هو فلسطين، وليس سوريا. وأضاف أن الأنباء مؤخراً حملت نشاطاً أمريكيا جديداً لاخراج الحالة الفلسطينية من جمودها، والنزاع العربي الاسرائيلي من وضع الكساد الذي يعانيه، وهذا في حد ذاته أمر محمود، الا أن لهذا شروطه الموضوعية والضرورية. أولا: عدم المساس بحق الشعب الفلسطيني في اقامة دولته ذات السيادة الكاملة وفق حدود 4 يونيو 1967، بما في ذلك القدسالشرقية، التي يجمع الفلسطينيون والعرب، بل والعالم في معظمه، على أن تكون عاصمة الدولة الفلسطينية. ثانيا: أن المبادرة العربية لعام 2002 التي صيغت وصدرت هنا في لبنان هي مبادرة مكتملة البناء، تستند عناصرها على بعضها البعض، خطوة بخطوة، والتزاماً بالتزاماً، وحقاً بحق، وانسحابا كاملاً مقابل سلام شامل. ان الاخلال بأي من بنودها يفقد المبادرة توازنها وينهي فعاليتها. ثالثا: من المفهوم أن المفاوض الفلسطيني طرح احتمال تبادل محدود للأراضي حول الحدود، إلا أن هذا التبادل يجب وبكل وضوح ألا يؤثر على المساحة الكلية للدولة، وألا يلغي حدود 4 يونيو، ولا يعكس ثقل الغزو والاحتلال والاستيطان. رابعا: آن الأوان لأن يطرح المجتمع الدولي ممثلاً في مجلس الأمن، وبالأخص الدول دائمة العضوية، خريطة تعكس كل هذه المبادئ، وتحقق الدولة ذات السيادة، والأمن للدولتين الفلسطينية والاسرائيلية، وتحفظ حقوق الطرفين العادلة في الأرض والميادة ومصادر الثروة. خامساً: آن الأوان لأن نسمي الأشياء بمسمياتها طالما أن الجانب الأمريكي أعلن عن عزمه تحريك الأمور، فموضوع المستوطنات يجب أن يدرس بكل تداعياته، وموضوع القدس يجب أن يتقرر في ضوء الحقوق التاريخية والأوضاع القانونية، وكذلك موضوع اللاجئين في اطار التفاوض على أساس القرار 194 كما تقضي المبادرة العربية. سادساً: ليس الأمر أمر مؤتمر دولي أو طاولة مفاوضات، وانما الاتفاق أولاً على حل عادل يراه المجتمع الدولي منصفاً للطرفين في اطار ما تقضي به مبادئ القانون الدولي، ومبادئ التسوية بدء بقرار مجلس الأمن رقم 242، وانتهاء بالمبادرة العربية، مروراً بالمعالم التي طرحها الرئيس كلينتون في 2000، وقرار محكمة العدل الدولية في 2004، وما تنادي به حركة السلام الإسرائيلية نفسها. وأضاف أنه آن الأوان للحل، فإذا قادته الولاياتالمتحدة نحو نتيجة منصفة يرتضيها أطراف النزاع والمجتمع الدولي كله، تكون الولاياتالمتحدة قد حققت نصراً عظيماً.