اعتبرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية أن الوضع الكارثي في سوريا لا يعني فشل ثورات الربيع العربي.. موضحة أن هذه الثورات بمثابة المظهر لتغيير هيكلي عميق في سياسات المنطقة، وتنبأت باستمراره لسنوات عديدة قادمة. ودعت المجلة - في تعليقها على الانترنت الجمعة - إلى التراجع خطوة للوقوف على كيفية تغيير الصراع السوري على نحو دراماتيكي وجذري للعالم الذي رسمته ثورات الربيع العربي.. قائلة إن "تقييم آثار هذا الصراع الدامي ومناقشة كيفية التصدي له يجب أن يكون جزءا من الصورة في الوقت الذي يناضل فيه المجتمع الدولي للتعاطي مع هذا الوضع الكارثي القائم في سوريا". وأشارت إلى أول خطاب رد به الرئيس بشار الأسد على التظاهرات التي إندلعت بالبلاد في مارس 2011، معيدة إلى الأذهان التصور الذي كان سائدا عندئذ بأن الرئيس ألقى أحد الخطابات الثلاثة المتبقية على رحيله، على غرار رئيسي تونس ومصر السابقين، وأنه سيحاول إجراء سلسلة من الإصلاحات التي لن ترضي طموح التعبئة الشعبية المتزايدة ثم لن يلبث أن يختفي بعد ذلك إلى الأبد. وأوضحت أنه بعد عامين من الصراع العنيف سقط خلالهما نحو 70 ألفا، لم يعد ثم مجال - تحت وطأة هذا الكابوس الثقيل - للدعابة أو الأمل في التغيير السلمي على غرار ما حدث في تونس ومصر. ورأت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية أن قرار نظام الرئيس السوري بشار الأسد بوضع كافة الوسائل تحت التصرف للبقاء في السلطة واستماتته في الدفاع عملا بقوة على تحويل التظاهرات السلمية إلى حلقة مفرغة من العنف المسلح اللانهائي، على نحو استطاع فيه هذا العنف الوحشي الدائر بسوريا أن يعيد تشكيل كل شيء يلمسه ليمسحه بمسحة العنف. واستبعدت المجلة الأمريكية أن تتوقف رحى هذه الحرب الأهلية، بما عمقت من انقسامات طائفية غير مسبوقة، عن الدوران في المستقبل القريب، رغم الحديث عن خطط نبيلة بعدالة انتقالية ومصالحة سياسية ما بعد رحيل الأسد. ورصدت المجلة اختلافا آخر تميزت به التجربة السورية ولم يظهر في الثورات العربية السابقة: وهو أنها (أي التجربة) أوجدت مدخلا للقاعدة والتوجهات الجهادية، بما مثلته من مضمار متميز وأرض خصبة على نحو مثالي لبعث فكرة الجهاد العالمي بعد أن أصبحت سوريا دولة فاشلة. وأوضحت أن التجربة السورية ساعدت على تبديد حالة النشوة التي أسكرت الجماهير العربية بتجمعهم يدا واحدة في مواجهة قادتهم المستبدين.. مشيرة إلى أن الثورتين التونسية والمصرية كانتا بمثابة لحظات تجميع وتوحيد، ليس فقط في هاتين الدولتين ولكن على صعيد المنطقة بأسرها; حيث تجمع العرب بحماس تحدوهم الرغبة في التغيير أمام قصور القادة المتوترين. وقالت إن ثورات الربيع العربي السابقة للتجربة السورية لم تشهد ما شهدته الأخيرة من إجماع حول الأسد; فدائما ما كان هناك مدافعين عن نظامه حتى بين محاور المقاومة، ممن اتهموا الاحتجاج الشعبي في سوريا بأنه مؤامرة غربية أو إسلامية، لتلاحق هذه التهمة كل من ينخرط في جدل سياسي. وعلى الصعيد الإعلامي، رأت المجلة أن التجربة السورية أثرت بعمق على الساحة الإعلامية العربية.. مشيرة إلى انقسام الإعلام العربي الإقليمي والمحلي على نحو متزايد حول الأزمة بما انعكس على طريقة تغطية مستجداتها.