مثل رئيسه محمد مرسى، يعتقد وزير الثقافة أنه يستطيع اللعب على كل الحبال، شقلباظ هنا وشقلباظ هناك. يطبع على نفقة وزارة الثقافة مسوّدة الدستور التى رفضها كل المثقفين، وعندما يسألونه، يقول أردت إظهار حقيقة المسوّدة ولأن كلمة حقيقة فضفاضة تحتمل وجهتَى النظر، ولأنه يخشى أن يُطاح به من الوزارة، فإنه يضيف، إرضاء للحكومة الإخوانية، أن أكاذيب عديدة أحيطت بمسودة الدستور، وهو حريص أن يؤكد أن المسودة خالية من كل تلك الشائعات. هل صابر عرب يتوخَّى بالفعل الحقيقة أم أنه لا يعنيه سوى بقائه على الكرسى؟ لقد تابع غضبة الشعب ضد الإخوان، فقرر أن يُعلن رفضه ممارسات النظام، وقال على حسابه الشخصى إنه ينتظر أن يتم فورًا إيقاف نزيف الدم وإذا لم يحدث ذلك خلال ساعات فإنه سوف يتّخذ إجراءً. بالطبع فإن هذه الكلمات لا تعنى سوى شىء واحد، وهو أن الوزير سوف يستقيل، وهكذا بدأ بعض المثقفين يقولون إن صابر ينضم إليهم، إلا أنه كعادته يترك دائمًا خط رجعة، وهكذا فى قناة «الحياة» وعلى لسان مذيعها شريف عامر، يعلن أنه لم يستقل وأن ما تردد مجرد شائعات. ولا أستبعد أن يُطل علينا مرة أخرى فى فضائية أخرى مؤكدًا أن هذه أيضًا شائعة، وأنه ينفى شائعة عدم استقالته.
إنه رجل الإخوان الذى تم زراعته بين المثقفين، مستندًا إلى أنه ليست له لحية تكشف مباشرة انتماءه، ولكنه ينفّذ حرفيًّا ما يملى عليه، ليثبت لهم أنه الرجل المناسب لتحقيق إراداتهم المعلنة لتحجيب الفن فى مصر.
لماذا تورّط الوزير إذن فى ما كتبه على حسابه الشخصى؟ أغلب الظن أنه وجد النظام يغرق، فقرر أن يوحى بالاستقالة، فإذا وقعت الواقعة يعلن أنه كان مستقيلًا، وإذا لم تقع فهو لديه التسجيل الذى كذّب فيه استقالته، وهكذا لعبها صابر وحصل على قدر من الإعجاب فى الشقلباظ الأول لدى عدد من المثقفين، بينما تراجعه عن الاستقالة فى الشقلباظ الثانى ضمن له أن الدولة لا تزال تحتفظ له بمكانته وزيرًا.
المؤكد أن صابر هو أكثر السعداء بإلغاء حفل الختام الذى كان مقررًا إقامته مساء أمس، الحفل كان سيتحول إلى فضيحة بجلاجل، العديد من الفنانين كانوا يستعدون لفضح الوزير على الهواء، الرجل أصدر أوامره بطرح مسودة الدستور لتوزيعها، قبلها كان الوزير قد حضر تدشين مشروع الدستور وأخذ يصفق ويهلل، وشاهدنا بعدها فنان الديكور الكبير أنسى أبو سيف، يحتج على أن يتلقى التكريم من وزير ثقافة يده ملوثة بهذا الدستور المشبوه. وهو ما دفع أيضًا الكاتب والشاعر مدحت العدل عضو لجنة تحكيم المسابقة العربية، إلى إعلان رفضه الحضور إلى حفل الختام، لكى لا يصافح الوزير، ولم يكن هؤلاء فقط هم المعترضين. المؤكد أن خالد أبو النجا ومنة شلبى عضوَى لجنة تحكيم المسابقة الدولية كانت لديهما مفاجأة أخرى على خشبة المسرح بينما الوزير يعتقد أنه يستطيع أداء «شقلباظَين» فى نفس الوقت.
إلغاء الحفل هو طوق النجاة للوزير، ولكنى أثق أنه لن يهنأ طويلًا، سوف تتم مطاردته، فهو لن يستطيع أن يردد أنغام المثقفين الرافضة حكومة الإخوان، لأنه يخشى أن تسحب منه الدولة جائزة الدولة التقديرية التى نهبها من المجلس الأعلى للثقافة.
ولأنه لا يدرك غالبًا التفاصيل، فلقد تلاعبوا به فى مهرجان السينما، ووضعوا الفيلم السورى «العاشق» إنتاج مؤسسة السينما السورية، ذراع الأسد فى المسابقتين الدولية والعربية، متجاهلين أن مؤسسة السينما السورية تبطش بالمثقفين الذين يرفضون الخضوع للأسد، وعندما تنبّهت ماريان خورى المدير الفنى للمهرجان، إلى تلك المؤامرة ومنعت عرض الفيلم كان الكتالوج قد أشار فى صفحاته الأولى إلى توجيه تحية الشكر إلى محمد الأحمد رئيس مؤسسة السينما، وإلى رأفت شركس الأمين العام للمؤسسة، كما أن النشرة الرسمية التى يصدرها المهرجان يُكتب فيها مقال إشادة بالفيلم، والكل يعلم أن سوريا تريد من خلال مهرجان القاهرة أن تؤكد أن التبادل الثقافى الرسمى لا يزال قائمًا بين البلدين. الصفقات الصغيرة سيطرت على المهرجان لأن الوزير لا يعرف سوى أداء دور البهلوان، يصدر للمثقفين أنه معهم وفى نفس الوقت يقدم للدولة فروض الطاعة والولاء، ومع الأسف وجد بين المثقفين مَن يشاركه فى الشقلباظ.