فى كل المهرجانات العربية والعالمية دائمًا ثورات الربيع العربى حاضرة بقوة. السينما المصرية والتونسية لها مساحات بينما السينما السورية نراها ممثلة بالأفلام والفنانين، أقصد بالطبع السينما التى يقدمها فنانون منحازون إلى ثورة الشعب.. المهرجان الوحيد الذى حطم هذه القاعدة هو القاهرة فى أول دورة تُعقد بعد الثورة. وضعت إدارة المهرجان فى البرنامج فيلم «العاشق» إنتاج مؤسسة السينما السورية وإخراج عبد اللطيف عبد الحميد أكثر مخرجى سوريا تنفيذًا لتعليمات النظام وهو المخرج الوحيد المدلَّل من قِبل نظام الأسد -الأب والابن. المفارقة أن مؤسسة السينما السورية تُنزل العقاب القاسى بالفنانين الذين يؤيدون الثورة وتعتبرهم من أعداء النظام بينما مهرجان القاهرة يوجه دعوة إلى مؤسسة تعتبر إحدى أهم أذرع النظام السورى، والمخرج ولاؤه لبشار معلَن وموثَّق. هل إدراة المهرجان تريد أن تُقدم رسالة للعالم تقول فيها إنها تقف على نفس المسافة بين الشعب وبشار؟ هل من الممكن فى اللحظات المصيرية أن نختار كسينمائيين ومثقفين الحياد، أم أن الحياد هذه المرة هو الخيانة بعينها؟
وزير الثقافة المصرى باعتباره المسؤول سياسيا عن المهرجان يبدو أنه آخر من يعلم، هل غرروا به ورشحوا هذا الفيلم وهو لا يدرك ما الذى يعنيه أن يقدم فى مسابقته الرسمية فيلمًا من إنتاج نظام مرفوض شعبيا. الفيلم طبقًا لكل ما هو معلَن لا يتناول الثورة السورية سلبًا أو إيجابًا ولكن أين هو الموقف السياسى للمهرجان. أعلم أن مدير مؤسسة السينما السورية الناقد محمد الأحمد صديق لأغلب أعضاء الهيئة المنظِّمة للمهرجان وهو بالمناسبة صديق أيضًا لكاتب هذه السطور، ولكن هل تُسقط الصداقة المبادئ؟
إذا كان مسؤولو المهرجان يدركون أنهم يجرحون الثوار فى سوريا فتلك مصيبة وإذا كانوا لا يعلمون فالمصيبة أعظم، آخر مهرجان عربى لا تزال فاعلياته قائمة وهو «الدوحة ترايبكا» حدد موقفه هذا العام المؤيد لثورات الربيع العربى بعرض أفلام، من مصر فيلمى تهانى راشد «نفس طويل» وحنان عبد الله «ظل راجل»، ومن تونس «دى فيلت» لكريم ألكسندر، ومن سوريا «المنسيون» لإيهاب طربية، كما أنه مثلًا فى العام الماضى أسند إلى محمد ملص المخرج السورى المغضوب عليه من قبل النظام رئاسة لجنة التحكيم بينما يسند هذا العام للكاتبة السورية هالة العبد الله عضوية لجنة تحكيم مسابقة الفيلم الوثائقى. وقبلها مثلًا فى أبو ظبى كانت هالة قد عرضت فيلم «القبض على الكوبرا» أشارت إلى أن بشار هو ثعبان الكوبرا. المعروف أن فى المكتب الفنى لمهرجان القاهرة مَن يعادون ثورات الربيع العربى ولكنى شاهدت أيضًا فى ميدان التحرير فى عز أيام الثورة المخرجة ماريان خورى المدير الفنى فكيف صمتت على تلك الخيانة.
بعد الثورة السورية بأشهر قليلة قررت مؤسسة السينما هناك إقامة مهرجان دمشق السينمائى الدولى لكى تُقدم للعالم رسالة تقول إنه لا توجد ثورة والحياة طبيعية. الغريب أن بعض النجمات المصريات رحَّبن بالمشاركة، وأدركتُ وقتها أن الأمر يحتاج إلى موقف جماعى وكتبت فى تلك المساحة مقالًا عنوانه «مهرجان دمشق السينمائى الدموى» حذرتُ فيه من اشتراك مصر بالمهرجان وناشدتُ نقابة السينمائيين المصرية إصدار بيان بالمقاطعة، وهو ما حدث وانضمت إلى السينمائيين نقابتى الممثلين والموسيقيين. بينما كان رئيس «غرفة صناعة السينما» الحاج منيب شافعى قد صرح كعادته قائلًا «ليس لنا موقف سوى الانحياز إلى مصالحنا»، وكان الحاج علَى استعداد للذهاب إلى سوريا لتعضيد نظام بشار لولا أن النقابات الفنية حالت دون ذلك، وهو ما يدعونى أن أكرر دعوتى للنقابات الفنية لمنع الفيلم السورى من المشاركة فى المهرجان.
من الواضح أن أبو عوف يمشى على طريق الحاج منيب، فهو بالتأكيد حسبها على هذا النحو: ما هى مصلحته! لديه فيلم عربى سورى يُعرض لأول مرة ولم يسأل لماذا لم ترحب به كل المهرجانات العربية التى سبقت القاهرة. ربما لم يدرك أبو عوف أن المقصود هو إعلان قوة النظام السورى وأن بشار لا يزال يتنفس والدليل مهرجان القاهرة.
لا تزال قناعتى مهما كانت مساحة الخلاف الفكرى بينى وبين عدد من أعضاء المكتب الفنى لمهرجان القاهرة أن بينهم من سيتصدى ويحول دون استقبال هذا الفيلم الذى يسىء إلى روح الثورة المصرية قبل الإساءة إلى الثورة السورية