لا يمكن لمهرجان القاهرة أن ينعزل عما يجرى فى الشارع المصرى. تأجيل افتتاح المهرجان 24 ساعة كان وراءه الشارع، الكلمات التى سوف نسمعها اليوم تتردد على خشبة مسرح الأوبرا يجب أن نتنسم خلالها عبير الثورة. فى الدورة الماضية لمهرجان القاهرة التى عقدت 2010 وشهدت التوتر الكروى بين مصر والجزائر أحالوه إلى لعبة سياسية كان المهرجان وللمفارقة بنفس الوجوه، وشاهدنا الجميع على المسرح بعد أن صاروا «كورس» يردد ما يريده النظام وصارت وقتها خشبة دار الأوبرا فى حفل الختام قاعدة صواريخ ضد كل ما هو جزائرى، المسرح مسرح عمليات للهجوم، وانتقل الأمر ربما لا شعوريًّا إلى من يقفون على خشبة المسرح شاهدت مثلا فتحى عبد الوهاب الذى كان عضوًا فى لجنة تحكيم الفيلم العربى، وهو يتوعد بالانتقام ضد كل من هو جزائرى، ويلغى المهرجان كنوع من إثبات الولاء للنظام الفاسد تكريم المخرج الجزائرى أحمد راشدى، وصرنا نعيش إنفلونزا المقاطعة التى فاقت وقتها إنفلونزا الخنازير.
هل القيادات هذه المرة فى مهرجان القاهرة وصلت إليهم روح الثورة؟ هل ضبطوا قراراتهم على روح الموجة الثورية؟ ممكن أن ترى فى بعض اللمحات شيئا من ذلك، البعض أمسك بالريموت وذهب للقناة الثورية، لكن هل يعلن وزير الثقافة مثلا الذى يشرف سياسيا على المهرجان فى كلمته اليوم شيئا ضد الدولة الإخوانية التى حصنته بالكرسى؟
صابر عرب يعلم تمامًا أنه لو ألمح إلى اتخاذ أى موقف مخالف سوف تتم إقالته فورًا، وفى تلك الحالة سوف تنزع منه مباشرة جائزة الدولة التقديرية التى يدرك كل من يعمل فى الحياة الثقافية أن الوزير قد سطا عليها، الدولة تبقى على عرب، لأنه فى أشد لحظات ضعفه، لكنه لا يدرك أن تلك الجريمة لن تموت بالتقادم، صحيح أن قطاعًا وافرًا من المثقفين قرر أن يغض الطرف عن تلك اللعبة، ومع الأسف هؤلاء الصامتون كانوا أيضًا صامتين أيام حظيرة فاروق حسنى، وكان صمتهم مشروطًا بشىء واحد هو عدم الاعتداء على مكاسبهم الشخصية، ولا يزالون يحسبونها كذلك ما الذى سوف يجنونه من فضح وزير ينفذ طلباتهم.
ما الذى نتوقعه مساء اليوم، هل سيشير الوزير فى كلمته إلى أن الشعب المصرى صار فريقين بسبب تعنت الرئيس وإصراره على أن يمضى حتى النهاية فى طريقه للتصعيد؟ لا بالطبع لن يفعلها الوزير ولا أبو عوف، والذى سيراجع مكتب الوزير كلمته قبل إلقائها.
المهرجان لن يتخذ موقفًا ضد الحكومة الإخوانية، ليس فقط بسبب القصور فى الرؤية، لكنه الخوف من السلطة طالما هى قائمة، مثلًا مخرج فيلم «البحث عن الرمال والنفط» وائل عمر سحب فيلمه احتجاجًا على عرضه فى إطار مهرجان تقيمه حكومة إخوانية. لا أطالب المخرجين بأن يتخذوا موقفًا مماثلًا، لكن من حقهم أن يوجدوا فى المهرجان، ويعلنوا انحيازهم إلى الثوار ورفضهم وزارة ثقافة تنفذ أجندة الإخوان.
إدارة المهرجان التى وافقت فى البداية على عرض الفيلم السورى «العاشق» تصورت أنها تستطيع الفصل بين السياسى والثقافى، وليس سرًا أن أذيع أن قرار منع الفيلم فى اللحظات الأخيرة لم يكن بالإجماع، هناك من اعترض، ولا يزال بحجة أن الفيلم لا يقدم وجهة نظر فى الثورة السورية لا يقف معها أو ضدها، وهؤلاء لا يدركون (أو لعلهم يدركون ويطنشون) أن المقصود بعرض الفيلم هو تأكيد أن سوريا الرسمية من خلال مؤسسة السينما ذراع بشار فى السيطرة على المثقفين تعيش فى ظرف عادى جدا لا شهداء ولا ثورة.
إنهم يلعبونها سياسة حسب المزاج، مثلًا عندما يختار المهرجان عرض فيلم «الشتا اللى فات» فى الافتتاح إخراج إبراهيم بطوط وبطولة عمرو واكد. الفيلم يتناول الثورة ألا يعنى ذلك أنه اختيار سياسى بالدرجة الأولى؟ عندما يتم إلغاء المظاهر الاحتفالية للمهرجان ألا يعتبر ذلك سياسة؟
من يريد أن يكسب بنطًا لصالحه يبحث عن الحدث ويفسره سياسيا أو لا، على حسب أين تكمن المغانم ولهذا فلن يصطدم صابر سياسيا أيضا بالإخوان.
المهرجان سيطرت عليه فى اختيارات الأفلام التحسب للإخوان، وهكذا تم استبعاد عدد من الأفلام التى تسمح بعرضها دول عربية شقيقة، كل ذلك من أجل إحالته إلى مهرجان القاهرة السينمائى الشرعى، وأتصوره سيظل محافظًا فى فاعليات اليوم على تأكيد شرعية الإخوان.