لا يترك الإخوة المسئولون عن الإعلام المصري فرصة إلا ويؤكدون ريادة الإعلام المصري وفي مقدمته التليفزيون بالطبع، لكن الحقائق التي نشاهدها بأم أعيننا كل يوم تؤكد أن الإعلام المصري وإن كان رائدًا فقد بدا يترك ريادته ويتقزم لصالح إعلام ناشئ لدول يبلغ عمر بعضها أقل من عمر تليفزيون الريادة نفسه. والغريب أن معظم هذه القنوات تعمل بكد وتعب وخبرة شباب مصريين موهوبين بعضهم لم يجد عملا في تليفزيون الريادة، فهاجر إلي الخارج بحثًا عن عمل، والبعض الآخر عمل به فلم يعطوا له الفرصة، حيث يعطونها فقط لأبناء العاملين وأعضاء أمانة سياسات الحزب الوطني فقط. أكتب ذلك بسبب فضيحة نقل مباريات المنتخب المصري في كأس الأمم الأفريقية والأزمة التي حدثت بين التليفزيون المصري وقناة الجزيرة حول بث المباريات، فهذه الأزمة نعيشها في مصر منذ ثلاث بطولات أفريقية وكنا ننتظر حتي يَمُنُّ علينا الشيخ صالح كامل ببث المباريات مع اشتراط أن يكون لوجو قناة «ART» علي شاشة التليفزيون المصري، وقد كشفت لنا الأزمة الأخيرة حقائق كثيرة كانت غائبة علينا في مقدمتها ما ذكرته قيادات كبري في وزارة الإعلام عن أنها درست جيدًا العقود التي وقعتها الجزيرة مع الشركة المالكة لحقوق البث ووجدت أن الجزء الذي يمكن أن يوقع علي التليفزيون المصري إذا قام بنقل المباريات أرضيًا هو 100 ألف دولار عن كل مباراة، وذلك في الوقت الذي كان فيه التليفزيون يتفاوض مع الجزيرة علي إذاعة المباريات مقابل مليون دولار للمباراة، والسؤال: لماذا لم يكتشف القانونيون في ماسبيرو هذا الاكتشاف إلا بعد عدة بطولات عاني فيها المشاهد المصري من تحكم ال«ART»، وتم اكتشافه فقط مع تعنت الجزير؟! ولماذا لم يكن هذا البند مطروحًا في المفاوضات كأداة ضغط علي قنوات الجزيرة؟! وبعدما اكتشفنا تواطؤ الاتحاد الأفريقي لكرة القدم مع قنوات «ART» بموافقته علي تشفير المباريات لدول شمال أفريقيا فقط وفتحها لدول غرب ووسط أفريقيا، علينا أن نتساءل عن دور أعضاء اللجنة التنفيذية للاتحاد من المصريين، وعن دور أسامة الشيخ رئيس اتحاد الإذاعة والتلفزيون الذي تم هذا التواطؤ خلال إدارته قنوات ال«ART»، فقد تواطأ الشيخ علي المصريين عندما أقنع الكاف بتشفير المباريات في شمال أفريقيا فقط من أجل تحقيق مكاسب للشركة التي يعمل بها. فهل يكشف لنا الشيخ الحقائق الآن ؟ والسؤال هو: لماذا لا يستفيد من خبرته في هذا المجال لصالح المشاهد المصري بعدما أفاد من خلالها الشيخ صالح كامل وقنواته الرياضية؟. وعلينا أيضا أن نطرح أسئلة حول لماذا لا يتحرك التليفزيون المصري من الآن من أجل المنافسة علي الحصول علي حقوق بث الاستحقاقات الرياضية المقبلة بدءاً من كأس العالم 2016، وكأس الأمم الأفريقية 2014، غيرها من البطولات التي تهم المشاهد المصري، ففضلاً عن أنه سيحقق مكاسب هائلة من هذه الحقوق، فهي ستكون ورقة تفاوض مهمة وهو يتفاوض لإذاعة البطولات التي فشل في الحصول عليها مثل كأس الأمم الأفريقية المقبلة والكؤوس الأفريقية المتعددة الخاصة بالفرق، ومتي تخلي موظفو ماسبيرو عن كسلهم وفكروا بأسلوب مستقبلي، خاصة أأن ممارساتهم الماضية كانت تشير إلي أن هناك ثمة تواطؤاً بينهم وبين شبكة راديو وتليفزيون العرب. ومن الأمور المضحكة فعلاً هو أن مصر أصبح لديها عدة قنوات تلفزيونية رياضية متخصصة، سواء حكومية أم خاصة، لكنها جميعًا تعتبر أن الرياضة ليست إذاعة المباريات علي الهواء، أو حتي مسجلة، وإنما الرياضة عبارة عن خناقات بين المسئولين عن الأندية والاتحادات الرياضية، وأن يتحول مقدم البرامج إلي حكاء، وأن يفتي في كل شيء من الرياضة إلي السياسة إلي القانون إلي الاقتصاد، كل ذلك علي الرغم من ضحالة ثقافته. فهذه القنوات لم يحصل أي منها علي أي حقوق بث واكتفت بالخناقات التي قد تهم بعض المشاهدين، وأصبحت مثلها مثل قناة الجزيرة الإخبارية مع الاختلاف في التخصص، أي أنها مجرد حلبة لصراع الديوك ، وإذا كانت هذه القنوات قد اعترضت علي التليفزيون المصري عندما حرمها من إذاعة مباراة مصر والجزائر وبثت برامج جماعية موحدة أثناء المباراة وبعدها علينا أن نتساءل: لماذا لا تقوم بخطوة جماعية بأن تسعي للحصول علي حقوق بث جماعية لأي بطولة مقبلة، وأن تبحث في الخطوات القانونية المطلوبة لتحقيق هذا الأمر وإذا لم تسع الفضائيات الرياضية لهذا الأمر فهذا يعني أنها تسعي لاستمرار دورها الحالي كأداة للفتنة الرياضية وليست قنوات لتقديم الرياضة للمشاهدين مثلها مثل القنوات الكبري مثل يوروسبورت، وسوبر سبورت، وغيرهما من القنوات الرياضية الحقيقية والمحترمة التي تتخصص في الرياضة ولا تقدم أي برامج خطابية تافهة مثل تلك التي تقدمها قنواتنا. وعلينا أن ندرك أن السيد أنس الفقي إن كان مسئولا عن كارثة عدم نقل مباريات كأس الأمم الأفريقية الحالية، لكن ذلك لا ينفي أننا نحصد نتائج ممارسة إعلامية خاطئة استمرت علي مدي سنوات، تم فيها تحويل التليفزيون المصري إلي مؤسسة وراثية، وركزت الدولة علي منح تراخيص القنوات الخاصة للموالين لها فقط، فأصبحت القنوات الخاصة رديفاً للتليفزيون المصري الحكومي وليست منافسًا له، ولم تسع مصر سواء عبر رجال الأعمال المرتبطين بالدولة أو عبر آخرين إلي تأسيس قناة تليفزيونية حقيقية يمكنها أن تكون منافسة لقنوات الجزيرة والعربية والحرة وغيرها. وكل ما قامت به مصر هو ضغطها علي الدول العربية من أجل تقليص عمل هذه القنوات من خلال ميثاق عمل إعلامي يحد من عملها ويقلل من مساحة الحرية التي تتمتع بها. لقد كان التليفزيون المصري رائدًا بالفعل علي صعيد التأسيس وعلي صعيد المحتوي الإعلامي، ولكن الإخوة المسئولين عن الإعلام المصري تصوروا أن عقارب الساعة توقفت وأن التاريخ بمفرده يمكن أن يكون هو أداة المنافسة، ونسوا أن مصر لعبت دورها المركزي في النظام الإقليمي العربي عبر أدوات متعددة في مقدمتها قوتها الناعمة، التي كان التليفزيون أحد عناصرها المهمة، ومنها الأفلام السينمائية، وهو ما جعل عالم السياسة المصري الراحل القدير الدكتور حامد ربيع يقول إن هاتين الأداتين سيساهمان في «تمصير الوطن العربي». لكن ما حدث هو أن الأفلام السينمائية اشترتها القنوات الفضائية المملوكة للخليجيين، وأصبحوا يعرضون منها ما يشاءون وحرقوا النيجاتيف الخاص بأفلام أخري لا يريدون عرضها، والقنوات الإخبارية الأخري باتجاهاتها المختلفة سيطرت علي عقل المشاهد المصري، واكتفي مسئولونا بالحديث عن الريادة الإعلامية. وما حدث بشأن إذاعة مباريات مصر هو أزمة كاشفة لما وصل إليه الإعلام المصري من تراجع، وهي أزمة تكررت أكثر من مرة في السنوات الماضية ومع ذلك لم يتحرك المسئولون من أجل البحث عن خطط لإعادة التلفزيون المصري إلي ريادته، فهل تكون الأزمة الأخيرة فرصة لهذا الأمر أم أصبح علينا أن ننعي الإعلام المصري؟.