ليس سرا أن الإعلام المصرى بجميع آلياته كان متردياً فى معالجة أحداث غزة. وليس سراً أن بعض الكبار الصغار قد ووجهوا باللوم لتقصيرهم فى مواجهة الأحداث بنسبة تجاوزت أى توقعات. لقد حاول قليلون مواكبة الأداء السياسى الجيد للدولة وللنظام، والتعبير عنه ونجحوا فى تخفيف حدة الفشل الإعلامى بشكل عام، ولكنهم فى النهاية لا يملكون كل الأدوات ولا كل وسائل الإعلام. لقد وجدت الدولة نفسها فجأة فى معركة إعلامية شرسة تنوعت فيها الأسلحة الهجومية على مصر من كل الجبهات المعادية إقليميا، ورغم أنها تؤدى جيدا على المستوى السياسى فإنها فوجئت بالتخلف الإعلامى، وبأن الهوة بينه وبين السياسة شاسعة، مما جعل السياسيين يبذلون جهدا أكبر لتعويض الفشل الإعلامى. لو ضربنا مثلا بالإعلام المرئى أو التليفزيونى، سنجد أنه أكثرهم فشلا، فميدان المعركة الإعلامية أصبح الآن عابرا السماوات واصلا إلى الناس فى بيوتهم، وهو النوع الأخطر من الإعلام، حيث لا يترك أى شخص، سواء كان غنياً أو فقيراً، إلا طاله بتأثيره. وهذا الإعلام وضح تماما تخلف مصر فى مجاله بسبب العقليات الجامدة فى التليفزيون المصرى الذى كان لسنوات طويلة صاحب الريادة والمبادأة فى كل المجالات، ولكنه الآن أصبح مثل لوحة التنشين بالنسبة للتليفزيونات الوليدة فى الدول العربية والإقليمية المحيطة بنا، فالكل يصوب ناحيتنا ويصيب الهدف فى لوحة التنشين فى ماسبيرو. وقد وصل الأمر إلى أن أخطاء لا يرتكبها هواة، ترتكب فى التليفزيون المصرى. والحقيقة التى يجب أن يتنبه إليها الجميع أن الأداء فى الإعلام والتليفزيون على قدر كفاءة وخبرة القائمين عليه، وهم لا أصحاب كفاءة ولا أصحاب خبرة، فكبيرهم أتوا به من الدار للنار، والرجل يا ولداه لم يعرف من قبل معنى كلمة إعلام وحتى من يستعين بهم، أغلبهم «غلابة» إعلامياً، وهو معذور فى كفاءته وإمكانياته، ولكن المشكلة أن هذا الجهاز هو الجهاز الإعلامى الأول الذى يجب أن يعلم عن مصر ويوضح مصر ويواجه الهجمات عليها، لا أن يكون عبئاً عليها. أما الصحافة المكتوبة فتأتى بعد ماسبيرو، وفى مقدمتها الصحف القومية التى توجد فى أيدى القراء منذ سنوات طويلة، وهى صاحبة النسبة الأكبر من التوزيع، وبالتالى فإن دورها كان يجب أن يكون على قدر مقوماتها، وللأسف هذا لم يحدث، أما ما حدث فهو التردى الواضح والارتباك فى مواجهة الأحداث، والواضح أن بعض رؤساء تحرير هذه الصحف فوجئ بأن عليه أن يخوض معركة لصالح مصر، وليس لصالح النظام حتى، ولكنه بينما المعركة استعرت كان مازال يهندم سرواله! لقد وُجدت الصحف القومية لكى تقود الرأى العام وتعلمه بما يدور فى صورة صحيحة، ولا تتركه لوسائل الإعلام الأخرى لكى تتلاعب بعقله وفكره وتؤثر على وجدانه، بما يؤدى فى النهاية إلى موقف عدائى للرأى العام الداخلى ضد دولته أو ضد نظامه السياسى فى معركة خارجية. أحدهم يرأس تحرير جريدة كبيرة لا يعرف من قاموس اللغة العربية لوصف قادة حماس إلا كلمة «أشاوس»، يكررها فى مقالاته لدرجة أن كلمة «أشاوس» فى مقال واحد تكررت 63 مرة، فهو لا يملك قاموسا لغويا يتيح له حتى استخدام كلمات متنوعة، فهل ننتظر من هذا القدرة على قيادة الرأى العام!! وآخر كتب مقالا، نشره فى الطبعة الأولى بشكل معين، وبعد النشر نصحه أحدهم من الخبثاء بأن هذا المقال يحتاج إلى إضافة، فقام رئيس التحرير الفاهم بتعديل المقال فى الطبعة الثانية، وإضافة فقرات أخرى، وهو أمر لم يحدث من قبل فى الصحافة، فهل ننتظر من هؤلاء أن يواجهوا الخصوم! كل هذا أدى فى النهاية إلى أن يسارع قادة الحزب إلى مؤازرة الموقف الرسمى بصورة أكبر وأوسع، فكان التحرك الذى قاده صفوت الشريف وجمال مبارك وهيئة مكتب الحزب بكثافة خلال الأيام الماضية لتقليل الفجوة بين الأداء السياسى وعدم الأداء الإعلامى والصحفى، فتحرك الحزب بين الجماهير فى المحافظات كلها، وزارت هيئة المكتب رفح وسط القصف الإسرائيلى، وبدا الخطاب الإعلامى واضحا ومؤثرا من جانب الحزب الوطنى على لسان صفوت الشريف ودور جمال مبارك وتحركات د. زكريا عزمى والتنسيق الإعلامى الذى بذل د. على الدين هلال فيه جهدا كبيرا . لقد استغل صفوت الشريف خبراته الإعلامية الكبيرة وتصدى بنفسه لصياغة الرسالة الإعلامية مما كان له أكبر الأثر فى تعويض التردى فى الإعلام المصرى. وبالمناسبة، أوجه التحية لمعظم الصحف الخاصة على مواقفها الوطنية، وما نشرته خلال أحداث غزة.