إن تعداد إسرائيل لا يتعدّى ال7 ملايين نسمة، وهي تتحدّى حوالي 367 مليونا من البشر العرب؛ ولذلك فلسان حالنا يقول: "مَن هي إسرائيل لتتحدّانا؟!!". حقّا هذا كلام جيّد ومَن يسمعه سيصيح، حقا كيف توازي 4 ملايين بكل هذا الكمّ من العرب!! ولكن بقليل من التفكير كان من الممكن أن يكون الوضع هو العكس، ونكون نحن العرب السبعة ملايين، ويكون تعداد إسرائيل 367 مليونا، ومع ذلك يغلبها العرب؛ فالواقع أن الغلبة ليست بالكثرة أبدا! فقد قال الله عز وجل في كتابه العزيز: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ}. هذا ما قاله الله حقا، ولذلك فالتفكير هل نحن المؤمنون الصابرون الذين قال عنهم الله سبحانه وتعالى هذا؟ بالتأكيد أرى وأسمع الجميع يقول "لا" وألف "لا"؛ فنحن كعرب اتفقنا على ألا نتفق. تعالوا معا لثوانٍ لنُفكّر للحظة.. لو قمنا جميعا وهببنا هبة واحدة ووقفنا صفا واحدا لنزأر زأرة واحدة، حتى يخاف منّا الصديق قبل أن يخاف منا العدو. ماذا لو وجدنا بجانبنا السعودية وقطر تُهدّدان بقطع البترول عن الغرب في الشتاء؛ بدلا من أن بهما أكبر القواعد العسكرية الأمريكية. ماذا لو وجدنا الصفوف الفلسطينية متأهبة ومعها سوريا، بدلا من أن تتحوّلا إلى دولتين لا حول لهما ولا قوة. ماذا لو وجدنا الإمارات والكويت والبحرين تقف في الصف صفا واحدا، بدلا من أن يخرج شخص علينا كضاحي خلفان ليقول إن لإسرائيل الحقّ في الدفاع عن نفسها. ماذا لو وجدنا ليبيا واليمن وتونس والجزائر -إلى آخر الدول التي من المفترض أنها دول عربية- تُبدي المصلحة العامة على الخاصة. ماذا لو وجدنا مصر تتخذ الخطوات السليمة في الوقت السليم؛ هل يمكننا أن نتخيّل تأثير كل هذه الدول مجتمعة ومدى ثقلها حقا؟ لقد قام الرئيس محمد مرسي بسحب السفير المصري من إسرائيل واستدعاء السفير الإسرائيلي في مصر لتحذيره، واجتمع وزراء خارجية الدول العربية، كما اعترض عضو مصر في الأممالمتحدة على ما حدث من إسرائيل. وهي الخطوات التي يُمكن أن تدلّل على كون مصر بعد الثورة -رغم كل التعثّر والاضطراب في الفترة السابقة- ليست هي "مصر مبارك"، ولكن هل مصر تستطيع وحدها تحمّل مسئولية أي تصرّف طائش من الممكن أن تقوم به إسرائيل تجاه مصر؛ خصوصا في الوقت الحالي؟! وخصوصا مع ما قاله إسماعيل هنية وعدد من المحللين بأن اعتداء غزة هذا ما هو إلا طلقة اختبار لمصر؛ فإما أن إسرائيل تُحاول سحب مصر لمواجهة غير محسوبة، وتكون غزة هي الطعم الذي تصل به إسرائيل إلى مآربها التي تُدبّرها تجاه العرب أجمع. أو هي تختبر تماسك المصريين بعد أن ظهر على الملأ انقسامهم في الفترة الأخيرة، وأن كل حزب بما لديهم فرحون، ولذا فربما كان كل هذا اختبار لمدى قدرة الفرق على الاتحاد وقت الأزمة. وأيا كان هدف إسرائيل من هذا الاعتداء؛ فيجب أن يكون هو طلقة التنبيه لنا كمصريين على الخطر المحدق بنا، حتى نُدرك أن لا حل إلا الاتفاق في كل وقت ومكان وزمان حتى لا يُهاجمنا أحد بغتة. بل يجب فعليا أن يكون طلقة تنبيه إلى كل العرب وليس مصر فقط؛ فإلى الآن لم نسمع أحدا من الدول العربية أعلن أنه يقف ضد هذا الاعتداء. لم نسمع أحدا من دول البترول تهدّد دول الغرب بقطع البترول عنهم إذا وقفوا في بجانب إسرائيل؛ خصوصا أننا على مشارف فصل الشتاء، ومن الممكن أن يكون للبترول تأثير جيّد في وقوف دول الغرب معنا أمام الولاياتالمتحدةالأمريكية؛ حتى تسحب هذا التصريح الخائب الذي يقول إن من حقّ إسرائيل الدفاع عن نفسها. علاوةً على أن الأمر إذا وصل إلى التصويت في الأممالمتحدة؛ فسوف يكون كل شيء على ما يرام بالنسبة لإسرائيل باستخدام الولاياتالمتحدة حق الفيتو، ودون ضغوط حقيقية لن يجدّ جديد عن كل المرات السابقة؛ وكأن لا ربيع عربي ولا تغيّر في الدول العربية. بل لو وقفنا كعرب سويا، ووقف العالم العربي حقا في ظهر مصر الجديدة؛ فيُمكننا في حالة أي تصعيد من جانب إسرائيل ضد مصر أن نلوح بالورقة الأخيرة التي لا يُطيقها أحد في العالم وهي غلق قناة السويس، وهو تلويح يعلم العالم جيّدا معناه. خلاصة القول.. إن العالم العربي حقا يملك أوراقا ومقوّمات كثيرة يستطيع أن يلعب بها للضغط على إسرائيل وحلفائها، ولتحريك الأمور في غير اتجاهها المعتاد في كل أزمة، ولقد بدأت مصر وإن كانت البداية بخطوة صغيرة؛ إلا أنها تحتاج لدعم من باقي العرب ليتحقّق أمر ما. فالواقع يقول إنه لا يعرف أحد سوى الله إلى أي مدى سوف تصل هذه الأزمة، ربما تمرّ مرور الكرام كما مرّت سابقتها، ويُصبح كل هذا التفكير وكل هذه التكهنات بلا قيمة، وربما يحدث ما لم نكن نتوقّعه، وينتهي الأمر إلى حرب لا يعلم إلا الله مداها. وسواء مرّ الأمر أم لا؛ فعلينا من الآن -بجانب التوحّد الذي لا نجاة دونه- أن نُفكّر في بعض الأمور التي لم يعد من المقبول بقاؤها؛ كحقّ الفيتو أو أن يكون للعرب على الأقل حقّ مثله. كذلك على الحكومة المصرية منع الإسرائيليين من الدخول إلى سيناء مطلقا بالهوية كما كان يحدث سابقا، وإذا كانت الضرورة تقتضي دخول أحدهم؛ فيكون ذلك بتأشيرات بها الكثير من الصعوبة حتى ينالها الإسرائيلي. تلويح القوى العربية للولايات المتحدة بتواجد تعادلات قوى جديدة في المنطقة مثل الصين تنتظر إشارة للاستفادة من هذا الموقف. وهذا هو أقل ما يجب طلبه لتأمين عالمنا من أي أزمة شبيهة مقبلة، وهذا ما يتمنّاه كل عربي في العالم العربي. ولكن.. هل من الممكن أن يتحقّق هذا حقا؟ ونصبح خير الأمم وقد أخذنا بالأسباب؛ فنستحقّ أن نغلب إسرائيل فعليا سواء كنّا كثرة أو قلّة؟ هذا ما نرجوه،،،