أسعار المانجو في سوق العبور اليوم الثلاثاء 17-9-2024    سعر الدولار مقابل الجنيه اليوم الثلاثاء 17 سبتمبر 2024 في بداية تعاملات    أسعار الدولار اليوم الثلاثاء 17 سبتمبر 2024    حديد عز يسجل انخفاضًا ب829 جنيهًا.. سعر الحديد والأسمنت الثلاثاء 17 سبتمبر 2024    الاتحاد الأوروبي يعلن إجلاء ناقلة نفط أحرقها الحوثيون في البحر الأحمر    موقف أحمد فتوح النهائي من المشاركة في السوبر الإفريقي والعودة إلى تدريبات الزمالك    مواعيد مباريات اليوم الثلاثاء 17 سبتمبر والقنوات الناقلة.. ليفربول ضد ميلان    «الأرصاد»: طقس الثلاثاء حار على أغلب الأنحاء..والعظمى بالقاهرة 33 درجة    حالة الطرق اليوم، كثافات متحركة بشارعي رمسيس وشبرا مصر ومحور 26 يوليو    اليوم.. الجنايات تستكمل محاكمة متهمي "تنظيم الجبهة"    وكيل صحة قنا يوجه بحصر نواقص الأدوية للبدء في توفيرها    حرائق مدمرة في بيرو.. مصرع 15 شخصا واندلاع النيران بجميع أنحاء البلاد    اختفاء مروحية على متنها 3 أشخاص في منطقة أمور الروسية    توقعات أرباح ستيل دايناميكس للربع الثالث أقل من تقديرات المحللين    60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. اليوم 17 سبتمبر    تفاصيل انطلاق اختبارات «كابيتانو مصر» لاكتشاف المواهب الشابة بمحافظة قنا    نائب محافظ سوهاج: مستعدون لتنفيذ مبادرة «بداية» لتحسين جودة حياة المواطنين    اليوم.. انطلاق أكبر ملتقى للتوظيف بمحافظة المنيا لتوفير 5000 فرصة عمل    يديعوت أحرونوت: خطط حكومة نتنياهو في شمال غزة تورط إسرائيل    تامر حبيب يهنئ منى زكي باختيار فيلمها «رحلة 404» لتمثيل مصر في الأوسكار    أكرم حسني يحتفل بعيد ميلاد ابنته بطريقة كوميدية (صورة)    الأردن تُعلن استلام جثمان منفذ هجوم جسر الملك حسين    فيديو.. استشاري تغذية يحذر من الطبخ في «حلل الألومنيوم».. ويوضح طريقة استخدام «الإيرفراير» للوقاية من السرطان    نوستالجيا.. 20 عاما على أول ألبوم منفرد ل تامر حسني "حب" لمناقشة مواقف حياتية ب حالات الحب    ب أغاني سينجل ..محمد كيلاني يكشف عن خطته الغنائية المقبلة    أهالي قنا يحتفلون بالمولد النبوي بمسجد سيدى عبد الرحيم القنائي    ضبط مسجل خطر لسرقته الهواتف المحمولة بالمرج    بتكلفة 300 ألف دولار، تفاصيل الزواج الأسطوري لرجل أعمال سوداني بالقاهرة (فيديو)    مختار جمعة يرد على فتوى اسرقوهم يرحمكم الله: هدم للدين والوطن ودعوة للإفساد    استثمارات سعودية بمليارات الدولارات في مصر.. تفاصيل    حزب الله يستهدف تحركات لجنود إسرائيليين في محيط موقع العباد    هل يجوز الحلف على المصحف كذبا للصلح بين زوجين؟ أمين الفتوى يجيب    محافظ البحيرة تشهد فعاليات مبادرة «YLY»    مناقشة رواية «أصدقائي» للأديب هشام مطر في مهرجان «فيستيفاليتريتورا» الإيطالي    أحمد فتوح.. من الإحالة للجنايات حتى إخلاء السبيل| تايم لاين    استخدام جديد للبوتكس: علاج آلام الرقبة المرتبطة بالهواتف المحمولة    طبيب أعصاب روسي يحذر من آثار تناول القهوة    محمد عبدالله: مباريات القمة مولد النجوم الجدد.. وهذه رسالتي لجوميز    تعرف على أقل سعر لرحلات العمرة هذا العام    خاص.. غزل المحلة ينجح في ضم "بن شرقي" خلال الميركاتو الحالي    محافظ المنيا يشهد احتفالية الليلة المحمدية بمناسبة المولد النبوي    كرة نسائية - رغم إعلان الأهلي التعاقد معها.. سالي منصور تنضم ل الشعلة السعودي    إصابة شخصين إثر تصادم دراجة نارية وسيارة فى بنى سويف    تكريم 100 طالب والرواد الراحلين في حفظ القرآن الكريم بالأقصر    عضو الرابطة: الأهلي طلب تأجيل استلام درع الدوري.. واجتماع الأندية سيحسم شكل الدوري    محسن صالح: كنت أتجسس على تدريبات المنافسين لهذا السبب    استبعاد مدير مدرسة اعتدى على مسئول عهدة في بورسعيد    احتجاج آلاف الإسرائيليين بعد تقارير إقالة "جالانت" من وزارة الدفاع    الشوفان بالحليب مزيجا صحيا في وجبة الإفطار    نشأت الديهي: سرقة الكهرباء فساد في الأرض وجريمة مخلة بالشرف    تعرف على إحصائيات التنسيق الفرعي لمرحلة الدبلومات الفنية بمكتب جامعة قناة السويس    دار الإفتاء: قراءة القرآن مصحوبة بالآلات الموسيقية والتغني به محرم شرعًا    د. حامد بدر يكتب: في يوم مولده.. اشتقنا يا رسول الله    ضبط المتهمين بسرقة مبلغ مالى من تاجر في الهرم    المنافسة بالمزاد على لوحة "م ه م - 4" ترفع سعرها ل 13 مليون جنيه فى 6 ساعات    قطر: الإبادة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني مثال صارخ لتردي وغياب سيادة القانون    وزير الثقافة يفتتح "صالون القاهرة" في دورته ال 60 بقصر الفنون.. صور    إبراهيم عيسى: 70 يوم من عمل الحكومة دون تغيير واضح في السياسات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سفيرنا السابق في السودان: مصر تتجرع الانفصال
نشر في الوفد يوم 22 - 12 - 2010

السفير محمد عاصم الخبير في الشئون الافريقية حيث عمل سنوات في المجموعة الأفريقية بالأمم المتحدة،‮ وفي الادارة الافريقية في مصر‮.. بالاضافة الي عشر سنوات مشرفاً‮ علي استفتاء اريتريا وشغل منصب السفير في كل من اثيوبيا وكينيا والسودان ومندوباً‮ لمصر لدي منظمة الوحدة الافريقية‮.‬
أكد علي أن الشماليين والجنوبيين لم يبذلوا جهداً‮ للحفاظ علي وحدتهم‮.. وأن السودان دولة شديدة التنوع العرقي والديني واللغوي وهذا نتيجته يحدث‮ الانفصال،‮ وأيضا العرب لم يقدموا ما يمكن تقدميه للسودان منذ ستين عاماً‮ وإذا قدمت العرب ما كان عليها تجاه السودان كان من الممكن ان نري دولة فيدرالية أو كونفيدرالية ولم نكن وصلنا الي النتيجة الحتمية للانفصال‮.‬
‮ اقترب موعدالاستفتاء علي انفصال جنوب السودان عن شماله‮.. كيف تري هذا الاستفتاء؟
‮- من المتوقع أن يجري الاستفتاء في‮ 9‮ يناير القادم وسواء تم الاستفتاء أم لم يتم سيحدث الانفصال ونحن نتحدث عنه كأمر واقع‮.. لأنه في حقيقة الأمر الانفصال وقع منذ عقود طويلة ولكن الآن موعد كتابته بشكل رسمي في وجود مراقبين دوليين وهيئة استفتاء‮.. الخ،‮ خاصة خلال الخمس سنوات التي‮ أعقبت اتفاق‮ "‬ماشاكوس‮" في كينيا ثم في‮ "‬نيفاشا‮" بعد ذلك وتوقيعه،‮ وقد قام بالمفاوضات في‮ "‬ماشاكوس‮" مستشار الرئيس السوداني‮ "‬غازي صلاح الدين‮" وذهب نائب الرئيس في جلسة أخيرة في‮ "‬نيفاشا‮" ثم الرئيس في جلسة التوقيع لكن الذي عمل الشغل الأساسي‮ "‬غازي صلاح الدين‮".‬
‮ وما الذي جعل الشماليين يوافقون علي إعطاء الجنوب حق تقرير المصير؟
‮- وضح للشمال بعد‮ 4‮ أو‮ 5‮ عقود من الحروب المتصلة وعدم الانتصار مع وجود اختلافات كبيرة بين الشمال والجنوب،‮ وفي وجود تغذية للمجتمع الدولي وخاصة امريكا التي بها اقلية يعتمد بها من افريقيا اي يوجد لوبي افريقي داخل الكونجرس ويؤثر في الرأي العام الامريكي وفي الانتخابات‮.. وأيضا اوروبا لها دور متميز في تكريس الانفصال خاصة‮ "‬النرويج‮" ومنظمات حقوق الانسان العالمية التي تري استعمار الشمال للجنوب مع اختلاف الاديان فتأكد للشمال انه لن يستطيع الاستمرار فاتفقوا علي هدنة عسكرية لمدة خمس سنوات ووعدوا بعض أنهم سيعملون علي اقامة الوحدة السودانية الجاذبة،‮ واصبح هناك نائب أول لرئيس الجمهورية من الجنوب وكان‮ "‬جون جارانج‮" إلي أن توفي والآن‮ "‬سيلفا كير‮"‬،‮ والحقيقة لا الشماليون ولا الجنوبيون بذلوا ما يستطيعونه للحفاظ علي الوحدة والنتيجة أصبحت معلومة وكانت فترة الخمس سنوات لالتقاط الأنفاس والآن نحن مقبلون علي الانفصال بشكل رسمي‮.‬
‮ وما هو المطلوب عربياً‮ تجاه هذه القضية؟
‮- المطلوب عربياً‮ كان المفترض القيام به منذ خمسين عاماً‮ قبل ما يتم الانفصال فلو كان سلوك الشمال تجاه الجنوب اختلف،‮ ولو تم دعم عربي أي عقد اجتماعي جديد بين الشمال والجنوب كان من الممكن ان توجد دولة فيدرالية متعددة الاعراق والاجناس والأديان،‮ وتصبح المواطنة هي الأساس في الحقوق والواجبات‮.. ويكون الدين لله والوطن للجميع ولكننا الآن نحاول أن نحتوي بقدر الامكان الآثار السلبية التي قد تنتج عن الانفصال،‮ أي مصر والدول العربية تحاول انقاذ ما يمكن إنقاذه،‮ لأن الخسارة حدثت والألم تم نتيجة لقطع جزء مهم من دولة عربية‮.‬
‮ وفيما تتمثل الآثار السلبية للانفصال؟
‮- السودان أكبر دولة عربية نراها تقطع ثلث وثلثين،‮ والجزء الجنوبي الملئ بالخيرات والمعادن والأمطار يتم عزله عن باقي السودان الذي يغلب عليه الصحراء ويمر منه نهر النيل وكمية الزراعة محدودة يميناً‮ ويساراً‮ ثم إن السودان عمق لمصر،‮ والجنوب عمق للسودان‮.. وكانت السودان لها من الخرطوم سياسة خارجية كان يمكن أن تؤثر بها علي كينيا وأوغندا وأثيوبيا وافريقيا الوسطي،‮ فهذه الدول ستطير من علي خريطة الجغرافيا من السودان،‮ وبعد ذلك ستظهر مشاكل متعددة نتيجة تقسيم البترول،‮ ومناطق متنازع عليها في الحدود خاصة‮ "‬أبيي‮" التي لها خاصيتان شديدتا الخطورة لأنها مليئة بالبترول،‮ وقبائل‮ "‬الرزيقات‮" و"المسيرية‮" وهي قبائل في‮ "‬كردفان‮" ويرتحلان‮ 6‮ أشهر في العام بحثا عن المرعي الي بحر العرب وبحر الغزال فماذا سيكون موقفهم وهل سيرتحلون أم لا وهل سيصبحون مواطنين أم نصف مواطنين،‮ وهل سيسمح لهم بالعبور خلال شهور الرعي‮.. فالسودان دولة شديدة التنوع العرقي والديني واللغوي فستظهر علامات استفهام كثيرة وماذا عن الشرق وماذا عن الغرب؟‮! فالاسئلة في‮ غاية الصعوبة‮.‬
‮ هذا الاستفتاء ليس مخالفاً‮ للقانون الدولي لأن الجنوب فقط هو الذي سيقرر حق تقرير مصيره؟
‮- لا طالما انه متفق عليه فليس مخالفاً‮ للقانون الدولي او السوداني‮.. وإذا كان الشمال يتفق علي الاستفتاء ووقع علي ذلك فلا توجد مخالفات‮.‬
‮ لكن حدث ذلك مع‮ "‬الكبك‮" والمحكمة الكندية العليا ألغت هذا؟
‮- أنا خدمت في كندا والكبك أغلبهم ناطقون بالفرنسية ولديهم نزعات انفصالية استقلالية،‮ وعملوا أكثر من استفتاء وكان لأهل‮ "‬كبك‮" فقط وليس للكنديين كلهم والنتيجة أن الانفصاليين خسروا الاستفتاء بصفة دائمة أي هم الذين قرروا ولكن الوضع يختلف في الجنوب السوداني لأنهم مع الانفصال‮.‬
‮ الملف السوداني هل أصبح خارج السيطرة المصرية؟
‮- وهل السودان كان عمره داخل السيطرة المصرية؟‮!! هذا لم يكن‮.‬
‮ كيف وقبل الثورة رفض النحاس باشا انفصال السودان وبعد الثورة اهتم الرئيس عبد الناصر بالدائرة الافريقية ومنها السودان؟
‮- الحقيقة أحيانا تكون مؤلمة أو صادمة،‮ فمصر والسودان كانتا تحت الاحتلال الانجليزي والادارة في السودان اسمها الادارة المشتركة المصرية الانجليزية‮.. وبناء عليه اخوانا في الشمال السوداني لم ينسوا اننا كنا ادارة مشتركة مع الاستعمار‮.. وإذا لم نكن كمصريين مستعمرين فعلي الاقل ينتظرون الينا كنصف استعمار أي فيه نوع من التعالي المصري عليهم،‮ ولكن عندما حدثت الثورة كان القائد الاعلي‮ "‬محمد نجيب‮" له علاقات وصلة دم بالسودان ومع هذا عندما ذهب للسودان افشلوا هذه الزيارة وخرجت مظاهرات مضادة وناس ماتت وكان الموقف صعباً‮ ثم جاءت الانتخابات البرلمانية،‮ وفاز حزب الاتحادي الذي كان صديقاً‮ لمصر وكانت خطته الاتحاد مع مصر ويكفي اسمه الاتحادي،‮ ومصر كانت سعيدة بنجاحه في الانتخابات علي حزب الامة الذي كان انفصالياً‮ وكان يشعر بمشاعر‮ غير طيبة تجاه مصر‮.. وكان المفترض أن يجري الاستفتاء ليقرر السودان استمراره أو انفصاله وفوجئت مصر‮ "‬بالأزهري‮" الاتحادي في‮ 1‮ يناير‮ 1956‮ يعلن مبادرة في البرلمان السودان ويعلن أن السودان قد استقل من جانب واحد وإنه لن يكون في حاجة الي الاستفتاء فكان من ذكاء‮ "‬عبد الناصر‮" انه أعلن موافقته علي ما سيتفقون عليه وستكون مصر أول من يعلن اعترافها بالسودان الجديد‮.. وهذا ينفي مقولة أنهم كانوا في حضن مصر أو تحت السيطرة المصرية‮.‬
‮ وفي هذا الاستفتاء هل تم تحديد وضع الجنوب السوداني؟
‮- المشكلة السودانية خلقت في ذات اللحظة لأن‮ "‬الأزهري‮" ورفاقه حتي يحصلوا علي تأييد الجنوب بانفصالهم عن مصر فطالب الجنوبيون بأن يأيدوا الشماليين من طرف واحد في الانفصال وبدون استفتاء في مقابل أن يحصلوا علي حكم ذاتي ووعدوهم آل الخرطوم بذلك،‮ ولم ينفذوا حتي اليوم واستمرت مراحل الحكم الذاتي أو مراحل من الادارة الذاتية واتصالات ومفاوضات وحروب متقطعة وهجرات متوالية الي أن وصلنا الي الوضع الذي نراه الآن‮.‬
‮ خطورة هذا التقسيم علي المصالح المصرية؟
‮- أولاً‮ من المبكر جداً‮ أن نقول إننا وصلنا الي حد المخاطر،‮ ولكن توجد اسئلة مطروحة وقد تكون مقلقة لمصر ولكنها لم تصل الي حد المخاطر بعد،‮ مثلاً‮ والجنوب مازال مع السودان كنا سنعمل قناة‮ "‬جونجلي‮" وكان المأمول منها زيادة المياه الي‮ 4‮ ملايين متر مكعب تقسم مناصفة بين مصر والسودان لكن بسبب الحرب الأهلية تم تدمير قناة‮ "‬جونجلي‮" والمعدات التي انفقت عليها مصر أموالها وفشل المشروع وضاعت الأموال وهذا حدث قبل ما ينفصل الجنوب لمجرد عدم الاستقرار الأمني والسياسي ووجود حرب أهلية داخل السودان،‮ واذا تعرضنا الي هذا او توقفت مشروعاتنا المائية سيكون شيئا مؤسفا ومقلقا بالنسبة لمصر وقد حدث قبل انفصال الجنوب منذ ثلاثين عاما‮.‬
‮ لكن الحروب الأهلية هي سمة‮ غالبة داخل كثير من الدول الافريقية؟
‮- مصر يزعجها جداً‮ وجود حروب أهلية او خلافات بين الدول المجاورة خاصة الدول التي يمر بها شريان حياتها بصفة خاصة‮.. ونحن نريد حالات من الاستقرار السياسي والاقتصادي والأمني بينهم حتي نستطيع التفاهم معهم حول المشروعات المشتركة والتنمية،‮ وخاصة تنمية مصادر المياه بحيث لا يوجد تصارع علي كمية المياه المتاحة لنا بل نحاول زيادتها والكل يستفيد أكثر،‮ لكن في وجود صراعات ومناكفات وحروب أهلية داخل هذه الدول ستوجد انهيارات اقتصادية وسياسية واجتماعية ولن نجد طرفا نتفق معه علي شيء‮.‬
‮ وما الأسباب الرئيسية المشتعلة التي قد تعجل بحدوث توترات وقلاقل بين الشمال والجنوب بعد الانفصال؟
‮- التوترات التي قد تحدث في شمال السودان نتيجة لما قد يصدر اليها من الجنوب سواء بالنسبة لتكاثر ثروة البترول أو بين الجنوبيين المقيمين في الشمال وكل ما يزعج شمال السودان يزعج مصر فنحن أصبحنا أمام موقف جيوبولوتيكي جديد‮ "‬جغرافي سياسي‮" وتلتقي الأنفاس وسنجد عشرات من الاسئلة داخل معاهد البحث وأجهزة رسم السياسة الخارجية والاجهزة الامنية بشأن تدفق اللاجئين،‮ والنازحين وأيضا بشأن استغلال المنظمات الارهابية لأناس في اوضاع معيشية رديئة والخوف من محاولة تجنيدهم او‮ غسيل أدمغتهم فكل هذه الاسئلة مطروحة وطبعاً‮ فيه أمن البحر الأحمر،‮ وأمن البحر الأحمر هو أمن قناة السويس ولا شك أن شمال السودان شعر بهذا القلق،‮ وأيضا نحن معنيون بما يحدث وهذا لا يعني اننا ضد الجنوب،‮ ولكننا كنا نتمني أن تظل السودان موحدة أو تكون دولة فيدرالية او علي اقل تقدير دولة كونفيدرالية لكن اعمال مبدأ حق تقرير المصير هو مبدأ اذا ما شاء اهله ان يقرروه فهذا شأنهم خاصة أن شمال السودان هو الذي وافق لهم علي ذلك‮.‬
‮ وما هو الدور الامريكي الاسرائيلي في تكريس الانفصال؟
‮- أمريكا شيء واسرائيل شيء آخر ومن الممكن أن يتفقا مع بعضهما ولكن لا نستطيع أن نضع أمريكا واسرائيل في حزمة واحدة‮.. ولكننا عادة نضع اخفاقاتنا وفشلنا ونصلبه علي مذبح أمريكا واسرائيل‮.. وأظن أن لهما تأثيرا في هذا الانفصال ولكن التفاعلات الداخلية نحن مسئولون عنها كعرب وليس أحدغيرنا لأنها حدثت داخل بيتنا وحدودنا وهؤلاء هم ناسنا وشعوبنا‮.. اذن نحن مسئولون بالدرجة الاولي عما حدث،‮ وكان لابد من المعالجة ومن البداية حتي لا تتفاقم المشاكل وتصل الي ما وصلت اليه فنحن نعلم بوجود تدخلات اجنبية‮ غير حميدة ولا تتفق مع مصالحنا وكان علينا أن نحمي أنفسنا منها‮.‬
‮ وما شكل تلك الحماية التي لم يقم بها العرب؟
‮- تفويت الفرصة عليهم بفرض أجندتهم ليس بالكلام ولعنهم وتوجيه اللوم لهم لكن باتباع اجراءات داخلية تسمح بتأمين الداخل ضد أهدافهم،‮ وعندما تفشل في هذا نبدأ في الحديث عن أن امريكا واسرائيل هما السبب ونغفل ان من حقهما ان يعملا سياسات لتحقيق أمنهما القومي‮.. وكون ان هذه الاهداف تتعارض مع امننا القومي كان علينا نقوم بسياسات لحماية الأمن القومي العربي،‮ وعندما اخفق ولو بشكل جزئي وآمل ألا يكون بشكل كامل،‮ يجب أن نضع تحت الاخفاق أكثر من خط‮.. إذن فالمسئولية مسئوليتنا،‮ ولا يجب التخلي عن هذه المسئولية أو ان نهزم أو نفقد اوراقنا‮.. ثم في النهاية نقول إن امريكا هي التي نريد ان تفسخ السودان وإن اسرائيل تلعب لنا في مياه النيل وقد يكون هذا صحيحاً‮ ولكن اين كنا ونحن نعلم أن هؤلاء ليسوا بأصدقاء وربما يكون لهم أهداف في تقسيم السودان وأهداف في كمية المياه التي تصل الي مصر‮.. ولكن هل صحونا فجأة فوجدنا أمريكا واسرائيل موجودتان ولهم أهداف تتعارض مع اهدافنا ومصالحنا ونظرتنا لحياتنا فهذا ليس بجديد‮.‬
‮ ولهذا اعلنت‮ "‬هيلاري كلينتون‮" أن الانفصال أمر حتمي؟
‮- انا قلت هذا عام‮ 2000‮ عندما كنت سفيراً‮ لمصر في السودان وهذا أبلغته لمصر حولي بأن الانفصال أمر حتمي‮.. وليس من يقول هذا يعتبر إنساناً‮ معادياً‮ فأنا لم أكن مبشراً‮ ولا محذراً‮ بل كنت قاصداً‮ ذلك وقبل ما أذهب للسودان كنت سفيراً‮ في كينيا وأثيوبيا وتقابلت مع‮ "‬جون جارانج‮" وكنت أسمع منه ومن عناصر أخري في السودان،‮ وكنت دارس دول المنطقة كينيا واثيوبيا دول الجوار ذات التأثير علي الجنوب السوداني وكيف يتعاملون‮.. وأيضا كنت أري دور الدول الأوروبية وخاصة‮ "‬النرويج‮" وكيف يتصرفون وكنت أتحدث مع الجنوبيين وأعرف مشاعرهم فكان الجنوبي يقول‮: عندي خمسون سنة ولم أر شمالياً‮ في الجنوب إلا في شكل جندي يقاتلني،‮ ولم أره طبيبا في مستشفي أو مدرسياً‮ في مدرسة‮.. وأيضا الجنوبي في الشمال لم يكن له وضع محترم فلم نجده وزيراً‮ أو رجل أعمال أو طبيباً‮ لائقاً‮ بل كان دائما في شكل لاجئ أو نازح بعيدا عن الحروب وبناء عليه لم تكن العلاقة بينهما تسمح بالاستمرار‮.‬
‮ ولهذا تعاقد الجنوب علي صفات سلاح،‮ وأعد نشيداً‮ وطنيا له لأنه يصر علي الانفصال؟
‮- أقول الانفصال الحقيقي حدث عندما كان الاستعمار البريطاني موجوداً‮ قبل ستين عاماً‮ لأنه كان يغلق مناطق الجنوب عن الشماليين في محاولة منه لأن يجعل الجنوب جزءاً‮ من شرق افريقيا البريطانية التي تتكون من كينيا وتنزانيا وأوغندا فتوجد مسئولية الاستعمار الانجليزي ثم بعد الاستقلال توجد مسئولية السودانيين أنفسهم شمال وجنوب،‮ والشماليون قبل الجنوبيين لأنهم لم يستطيعوا الاتفاق وعمل نقطة توازن في العلاقات بين الأجناس البشرية المتباينة التي تضمها السودان واسعة الاطراف ومتعددة الأماكن الجغرافية والمناخية والمزاجية والهوية والعرقية وكل شيء في الدنيا والنتيجة هي الانفصال‮.‬
‮ "‬أبيي‮"‬ هل ستكون سبباً‮ للصراع بعد الانفصال؟
‮- جائز جداً‮ لأنها مشكلة عويصة وحساسة،‮ وموضوع خلاف والآن هي مدعاة للصراع لأن بها بترولاً‮ والجنوبيون يقولون إنها جنوبية وتابعة لقبائل‮ "‬الدنكة‮" والشماليون يرون أن يتقاسموها مع‮ "‬الدنكة‮" عن طريق قبائل‮ "‬الرزيقات‮"‬،‮ و"المسيرية‮" والجنوبيين يرفضون تقسيمها‮.‬
‮ وماذا عن القضايا العالقة مثل الديون؟
‮- السودان من أكبر الدول مديونية في العالم،‮ ولست متأكدا كيف ستدفع ديونها‮.. لأنها في وضع لا يسمح لها بدفع هذه الديون اطلاقا‮.. ولو ان السودان اصبحت في وضع معقول ومقبول لدي المجتمع الدولي وانتهت مسائل الارهاب،‮ وموضوع القبض علي الرئيس السوداني من قبل المحكمة الجنائية الدولية‮.. وتمت تسوية مشاكل الانفصال من عدمه قد ينظر اليها من المؤسسات المالية الدولية نظرة مختلفة وقد تحذف‮ 75٪‮ من ديونها ويتم جدولة الربع الآخر فمن من أين يدفعوا؟‮!!‬
‮ وكيف تري قرار المحكمة الجنائية الدولية بتوقيف الرئيس السوداني وهل له تأثير علي الجنوب؟
‮- هذا القرار ليس له علاقة بالجنوب بل له علاقة بالوضع في دارفور‮.. وإن كان الوضع في دارفور يؤثر علي كفاءتهم لأنهم ينفقون الملايين في الحرب،‮ ويؤثر ذلك علي سمعتهم الدولية،‮ ويهددهم في مستقبلهم لكنهم ملتزمون بالاستفتاء ويعلمون ان الانفصال قادم لا محالة،‮ وصدر قرار توقيف الرئيس‮ "‬البشير‮" من المحكمة الجنائية،‮ ولم يوافق عليه الاتحاد الافريقي والدول العربية ليس لها فيه ولهذا فالرئيس السوداني يأتي للقاهرة ويذهب الي قطر،‮ ويسافر إلي اثيوبيا ولم يتأثر به عربيا أو افريقيا وإذا كانت المشكلة أن يسافر الي امريكا أو اوروبا فهذا لا يفرق مع البشير‮.‬
‮ الانفصال له تأثير علي اتفاقيات دول حوض النيل اذا ما طالب الجنوب في بحقه من المياه؟
‮- لو الجنوب طالب بحصة من المياه في اتفاقية حوض النيل سأندهش من ذلك لأن لديه أمطاراً‮ غزيرة،‮ والجنوب مشكلته وفرة المياه،‮ واذا كانت مصر وشمال السودان بهما نقص في المياه العذبة فالجنوب العكس‮.. اذا لم تنصرف المياه من الجنوب سيغرق وليس بالضرورة ان يطالب بالمياه وقد يطالب بأشياء اخري والله أعلم‮.‬
‮ مثل ماذا؟
‮- حينها سوف نتكلم ودعنا لا نستبق الاحداث‮.‬
‮ إذا تم الانفصال قد يفجر المشاكل داخل العالم العربي حيث توجد قضايا مشابهة مثل الاكراد والبوليساريو؟
‮- حالياً‮ "‬مسعود البرزاني‮" يطالب بانفصال كردستان عن العراق‮.. والبوليساريو عددهم قليل وحل مشكلتهم له علاقة بين المغرب والجزائر لو اتفقا ستحل المشكلة‮.. ولكن لدينا في العالم العربي أقليات كثيرة مع اننا نعيش ثقافة عربية واحدة،‮ ونتحدث العربية من المحيط الي الخليج وداخله أديان اخري‮ غير الاسلام واعراق‮ غير العربية‮.. وإذا ما حدثت القلاقل سواء في الاطراف مثل جنوب السودان أو ما قد يحدث مع الاكراد‮.. قد يحدث في قلب العالم العربي مثل لبنان أو شمال العالم العربي مثل الأمازيغ‮ فلا يوجد نقاء عرقي او توحد ديني في العالم العربي الذي يشمل مصالحنا وأمننا القومي والمصالح المتبادلة والمباشرة‮.. ويوجد عدد من الأقليات الدينية والعرقية واللغوية موجودة داخل كل بلد عضو في جامعة الدول العربية‮.. فاليوم يخرج جنوب السودان ويعلن إنه ليس عربياً‮.. والله اعلم‮ غداً‮ أكراد العراق يقولون إنهم ليسوا عرباً‮ وليسوا عراقيين‮.. إذن سنظل كل فترة يحدث تقليص للمساحة الجغرافية والسكانية والثقافية للعالم العربي وهذا لا يسعد أحداً‮.‬
‮ إذاً‮ هذا الانفصال قد يكون شوكة في جنب العالم العربي؟
‮- ليس بالضرورة وقد يكون سهلاً‮ ويسيراً‮ لو هناك احترام متبادل بين الشمال والجنوب،‮ ووجود عربي في الجنوب فالآن يوجد وجود مصري لأنها أول دولة أصبح لها خط طيران مباشر بين القاهرة وجوبا،‮ وتم فتح فرع من جامعة الاسكندرية وعلي باقي الدول العربية أن تتواجد وتدعم المصالح المشتركة وأن نسعي لكسب صديق ولا نتركه،‮ فقد يتحول الي عدو ويجب أن نطرق علي الحديد وهو ساخن قبل ان يطرق عليه‮ غيرنا ويحوله الي عدو ونعود نقول أن امريكا واسرائيل هما السبب في ذلك كما نقول الآن‮.‬
‮ هل الحركة الاسلامية والجبهة القومية كانتا سبباً‮ في الانفصال عندما سعيتا الي تطبيق الشريعة الاسلامية؟
‮- كان تأثير ذلك في الماضي وأدي الي الانفصال ولكن هناك عشرات الأسباب لانفصال الشمال والجنوب ومؤخرا قال الجنوبيون ان حركة الانقاذ عام‮ 1989‮ رفعت شعار الاسلام هو الحل،‮ والشريعة هي القانون والقرآن هو الدستور والجنوبيون ليسوا مسلمين فقالوا ليس لنا شأن بهذا فوافقوا،‮ ولكن اذا كان الجنوبي في الشمال سيطبق عليه قانون الشمال‮.. فعدم فصل الدين عن الدولة ومن هيمنة الدين علي الدولة كانت احد الأسباب التي أضافها الجنوب الي مطالبهم بمبررات الانفصال‮.‬
الجنوب نظامه قبلي ومليء بالمتفجرات فكيف سيكون شكل الحكم في الجنوب؟
‮- الجنوب به قبائل كثيرة وأكثرهم قوة قبيلة‮ "‬الدنكا‮" وليس معني ذلك أنهم لن يختلفوا لأنه يوجد‮ "‬دنكا‮" شمالاً‮ و"دنكا‮" جنوباً‮ وقبائل متداخلة ومتناثرة مع بعض وقبائل اخري مثل‮ "‬الشولك‮" تعيش علي طول نهر النيل وتعمل بالصيد وعشرات القبائل الأخري التي سوف تختلف علي المرعي وعلي المياه وعلي الكلأ‮.. والدنكا تريد أن تستحوذ علي المراعي في أبيي لحسابها والقبائل العربية الواردة من كردفان ودارفور تقول إنها ستحافظ علي حقوقها في المراعي في منطقة بحر العرب وبحر الغزال وستظهر الخلافات اكثر عندما يتم توزيع المناصب وعائدات البترول التي ستتخطي المليارات وكل قبيلة ستطالب بحقها فهذه مشكلة جنوبية جنوبية‮.‬
‮ وماذا عن الجنوبيين العاملين في الشمال وليس لهم علاقة بالجنوب‮ غير الصفة العرقية؟
‮- في كل الأحوال سيظل حوالي مليون جنوبي في الشمال والله يسترها معهم،‮ مع أني أثق في الشمال لأنهم من الرحمة والعقل بألا يصبوا جام‮ غضبهم علي هذا الكم من اللحم والدم المتعب النازح المستجير بهم من نيران حرب سابقة وما هي الجنسية التي سيحصلون عليها فالسؤال مطروح وهل سيطلبون من الجنوبي النزول للجنوب ويتم طردهم‮.. ويدعون بأنه سيكون عبئا سكانيا علي الشمال‮.. فهذه اجابات معقدة ولا أعرف الاجابة عليها بقدر معرفتي الشديدة بالسودان لأنني اعتبرها اسئلة من وضع الحركة وتعتمد علي أوضاع سياسية واقتصادية وأمنية ومزاجية وتداخلات داخلية واجنبية ولكنها أوضاع مقلقة للسودان شماله وجنوبه ونحن نقلق معهم وندعو الله أن يلهمهم الحكمة‮.‬
‮ وماذا عن الولايات التسع المتداخلة في الحدود الجغرافية المشتركة؟
‮- من‮ غير تداخل الحدود الجغرافية‮.. فهل نعرف أن الجنوبيين وصلوا وعاشوا في مدينة بورسودان علي البحر الأحمر وهذا مناخ صحراوي قاس ودرجة الحرارة ما بين‮ 45‮ و50‮ درجة مئوية مع أنهم جاءوا من مناطق استوائية ممطرة‮!! وهل نعرف أن الجنوبيين وصلوا ايضا الي النوبة السودانية تحت النوبة المصرية يعني عند بحيرة ناصر وبحيرة السد ويوجد آلاف الجنوبيين في مصر فلسنا نتحدث عن ترسيم الحدود ولكن كيف يتحرك هؤلاء البشر،‮ ثم إننا لا نفرق بين مجزرة يذهب ضحيتها‮ 5‮ أفراد وأخري يكون ضحيتها‮ 5‮ ملايين فنحن لا نريد أن يجرح أحد وأن يوجد لاجئ أو نازح لأننا نتاج المشكلة الفلسطينية ونعرف مشاكل اللاجئين والنازحين‮.‬
‮ ظهرت بعض أصوات المعارضة تدعي أن الانفصال السوداني تم بمباركة مصرية فما قولك؟
‮- هذا افتراء وكذب لأن مصر طالما حثت الطرفان علي التعايش السلمي ومعالجة المشاكل الداخلية بمنطق سوداني دون تدخل خارجي،‮ ونحن كإخوة وأبناء عمومة ودولة جوار مستعدون دائما لتقديم المساعدات والاجابات والنصح والمشورة والتعاون للاخوة في السودان ولكن يظل القرار النهائي هو قرار سوداني ولم نشارك مصر ابداً‮ في أي حرب اهلية علي الاطلاق ولهذا لا يستطيع الجنوبيون أن يقولوا ان السلاح المصري هو الذي قتلهم أو أن العسكريين المصريين ساعدوا في قتلهم فذلك رجس من عمل الشيطان وتهمة باطلة مصر بريئة منها‮.. أتحدي من يقول ذلك بأن يثبته في تصريح أو تلميح أو وثيقة،‮ وأي شيء كان،‮ فنحن دعاة وحدة،‮ ونتجرع الانفصال لأن هذه هي ارادة اصحاب الشأن وليست إرادتنا‮.‬


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.