السؤال الذي يشغل كل العقول الآن، وبلا أدنى شك، هو: من رئيس مصر القادم؟! من سيكون؟! أي فكر سيعتنق؟! ما خطته وبرنامجه لإعادة بناء الدولة؟! ما موقفه من الحريات؟! من التعليم؟! من الصحة؟! من الاقتصاد؟! والأهم هو: ما موقفه من العلم والبحث العلمي، الذي هو المقياس الفعلي لتقدّم الأمم؟! والعجيب أن برامج المرشحين المحتملين للرئاسة، تتشابه في معظم نقاطها، ولا تختلف إلا في القليل.. والقليل جداً منها!! فمن منهم نمنح صوتنا إذن؟! وتحت أي مقياس؟! دعونا نحسبها بالعقل، ومن منطلق وطني صرف، وبأسلوب علمي ومنهجي، بغض النظر عن أسماء المرشحين، وحتى انتماءاتهم.. فنحن في البداية نريد رئيساً واقعياً.. فتصريحات بعض المرشحين عنترية أكثر منها واقعية، حتى إنها يمكن أن تندرج تحت خانة الاحتيال والخداع، خاصة وأن مطلقيها يعلمون جيّداً أنها غير قابلة للتطبيق، على الأقل في الوقت الحالي.. هناك مرشحون مثلاً يعلنون في حسم أن أوّل ما سيفعلونه عند توّلي السلطة هو إلغاء اتفاقية كامب ديفيد.. وتعالوا نحسب تداعيات هذا، لو أنهم حقاً فعلوه.. فالاستعداد لحرب 1973 احتاج إلى ست سنوات، من الحسابات والتخطيط، والدراسات، وعمليات التخابر وجمع المعلومات، وتسليح الجيش وبنائه، وإعداده لخوض حرب مع عدو ليس بالسهل.. كل هذا والعدو يتساءل عما إذا كنا ننوي شنّ الحرب أم لا؟! وحتى تتزايد احتمالات انتصارنا لجأنا إلى خطة خداع استراتيجية شديدة التعقيد؛ لكي نقنع العدو بأننا لا ننوي خوض الحرب.. فماذا لو أننا تجاوزنا كل هذا، وأعلنا عزمنا على نقض معاهدة السلام بيننا وبين إسرائيل، دون أن نعدّ لعدونا ما استطعنا من قوة، ومن رباط الخيل؟! ماذا؟! احسبوها أنتم.. وهناك مرشح أدهشني عندما أعلن أنه إذا ما نجح في انتخابات الرئاسة سيظل يركب المترو العادي، مع المواطنين العاديين!! فهل سيسمح له أمنه عندئذ بهذا؟! وهل ستتحمّل مصر كلها احتمالية أن يكون بين ركاب المترو من يرفضه، فيقدم على حماقة، تصيبه بأضرار بالغة؟! أم إنه سيركب المترو مع طاقم أمنه، الذي سيُخضع ركاب المترو، أو على الأقل العربة التي يركب فيها الرئيس، لتفتيش دقيق، وإجراءات أمن حتمية لا بد وأن تحيط بأي رئيس في أية دولة، مهما بلغت ديمقراطيتها؟! أم إنه سيحاط بطاقم أمنه داخل عربة المترو؛ لحمايته من أي اعتداء محتمل، حتى ولو بنسبة ضئيلة؟! احسبوها أنتم أيضاً.. وهناك مرشح عجيب حاول أن يوهمنا بأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جاءه في رؤياه، وأيّده رئيساً!! فهل من المفترض أن نصدّق هذا بلا مناقشة؟! مرشح آخر يعلن أنه لو صار رئيساً فسيحل كل مشكلات مصر خلال ثلاثة أعوام!! ولم يعلن خطته لهذا!! والأعجب أنه لا يملك أية خبرة سياسية تؤهله لفعل ما يقول!! فهل نراهن على قول مرسل؟! وهل يحتمل مستقبل وطن كامل رهانا كهذا؟! المشكلة أن كل مرشح -كما هي العادة- يسعى لتجميل صورته، ولإقناع الشعب بأنه المنقذ الأسطوري، الذي سيحلّ كل مشكلاتنا، فقط لأنه يريد هذا!! وعلينا نحن أن نصّدق.. ونؤيّد.. وننتخب.. كل هذا وعشرات الأعداء بنا يتربصون، ولسقوطنا يتحفزون، ولمستقبلنا يخشون، ولضياعنا يعملون.. ولهذا نحتاج إلى رئيس واقعي.. رئيس مارس السياسية، ويفهم خباياها، ويدرك طبيعة دهاليزها، وحتى أساليب الخداع فيها.. رئيس قادر على التعامل مع دول عظمى، لو أنها شعرت لحظة بضعف خبرته فسنسقط معه في نفس المستنقع، الذي سقط فيه النظام السابق.. هذا لأنه لا مجال للمبتدئين، في حرب السياسة.. ولن يعذرهم أحد.. أو يرحمهم أحد.. ثم إننا نحتاج إلى رئيس نعرف كل شيء عنه.. شخصيته.. خلفيته الدراسية والاجتماعية.. استقراره العائلي.. عمله.. مصدر دخله وثروته.. عمل أبنائه، وهل هم رجال أعمال، أم مواطنون مثلنا؟! وعندما يترشح شخص ما لأعلى منصب في البلاد تسقط حدود الأمور الشخصية في التعامل معه.. فحتى في عهد النظام السابق، كنا نعلم الكثير عن خلفية الرئيس.. وعائلته.. ومعاونيه.. ولكننا كنا نجهل كل شيء عن مصدر دخله وثروته.. نريد رئيساً يوّقع إقرار ذمة مالية، قبل أن يتسلّم مقاليد الدولة، ويثبت صحة كل قرش حصل عليه، ويحاسب سنوياً من قبل البرلمان على كل قرش أضيف إليه.. نريد رئيساً لا يخدعنا بخطب عنترية، ووعود برّاقة، وتقارير لا يدرك هو نفسه صحتها.. نريد رئيساً يدرك أنه منا ولنا، فلا يغلق الطرق ويوقف الأعمال، عندما ينتقل من مكان إلى آخر.. نريد رئيساً لا يسخر من معارضيه، أو يعاديهم، أو ينكّل بهم.. نريد رئيساً يؤمن بحريتنا، ويخضع لإرادتنا، ولا يعاندنا أو يتعالى علينا.. نريد رئيساً بجد.. رئيسا يعلم أنه خادم للشعب، وليس سيّداً له.. رئيسا يجيد اختيار معاونيه.. وحكومته.. ومستشاريه.. رئيسا يدرك -بحق- ما يعانيه الشعب، ولا يحاول من حوله إخفاء الحقائق عنه، أو تجميلها أمامه.. رئيسا يجعل المواطن المصري مواطناً من الدرجة الأولى، له الأولوية داخل وطنه، على أي شخص آخر، مهما بلغت قوة دولته.. رئيسا يحبنا.. ونحبه.. يحترمنا.. ونحترمه.. فإذا ما شهدت مصر مثل هذا الرئيس، فهنيئاً لمستقبلنا.. وعندئذ فقط نستطيع أن نكون أمة قادرة على أن تعد لأعدائها ما استطاعت من قوة تحت قيادة رئيس.. رئيس.. حقيقي.