أمر عجيب يتميّز به هذا العصر.. العداء مع العلم.. الكل يستخدم الكمبيوتر، ويتصفح شبكة الإنترنت، ويحمل هاتفاً نقالاً، أو يركب سيارة، قديمة كانت أو حديثة، ويكتب خطاباته ببرامج رقمية، ويشاهد قنوات تليفزيونية فضائية، وغيرها، ثم عندما تطلب منه أن يؤدي شيئاً ما بأسلوب علمي، تفاجئك إجابته: "خليها على الله"... يقولها مبتسماً، باعتبار أنه، من وجهة نظر نفسه، رجل مؤمن، يلجأ إلى الله سبحانه وتعالى، وليس إلى العلم، وكأنهما أمران متعارضان، ولا يجوز الجمع بينهما.. إما الله عزّ وجلّ، أو العلم!!... ويا له من أمر عجيب بالفعل!!.. فالله سبحانه وتعالى هو الذي أمرنا، في كتابه العزيز، بأن نعد لهم ما استطعنا من قوة، ومن رباط الخيل، فكيف نعدّ لهم هذا وذاك، دون العلم؟! هل صار الأمريكيون قوة ضاربة، يخشاها الجميع، وتُرهب دولاً بأكملها، إلا لأنها -بالعلم- صنعت أسلحة لا قبل لهم بها؟! هل تقدمت دول أخرى؛ لأنها دعت الله جلّ جلاله، أن يرزقها القوة، أم لأنها، ودون حتى أن تؤمن، نفّذت ما أمر عزّ وجلّ، وتسلّحت بالعلم، ومنه صنعت القوة؟! الإيمان وحده ليس السبيل إلى إصلاح الأمة أو تقدّمها أيها السادة، وإلا لأمر خالقنا عزّ وجلّ به دون سواه، وإنما أمرنا سبحانه وتعالى بأن نعد لهم ما استطعنا من قوة، ومن رباط الخيل؛ لنرهب به عدو الله وعدونا.. فهل فعلنا؟! هل نفّذنا أمر من نؤمن به؟! أو من نعلن أننا نؤمن به؟! ما هو الإيمان بالله جلّ جلاله إذن؟! أن نؤمن فقط بوجوده، أم أن نقرن هذا الإيمان بالطاعة؟! فهل أطعناه بما أمر به؟! هل أعددنا لهم ما استطعنا من قوة؟! هل تسلحنا بالعلم، الذي يصنع القوة؟! الإيمان مطلوب بشدة، ولكن العلم أمر من الله عزّ وجلّ واجب التنفيذ... الإيمان هو الدافع.. والعلم هو السبيل.. معاً يصنعان القوة، ويأتيان برباط الخيل.. الإيمان بدون علم، يعني أمة ضعيفة، تسحقها حفنة من القنابل النووية في لحظات.. والإيمان مع العلم يعني أمة قوية، يخشاها الصديق قبل العدو.. ولكن، ويا لعجب هذا الزمان!، الذي يأتي فيه من يحمد الله جلّ جلاله، على أنه سخر لنا الغرب؛ ليأتينا بالعلم، حتى نتفرّغ نحن للعبادة!!.. هل فكّر فيه لحظة واحدة؟! أهناك أية واحدة في قرآنه، أو كلمة واحدة في أحاديث رسوله صلى الله عليه وسلم، تطلب منه أن يتفرّغ للعبادة، ويهمل العلم؟! أهناك حرف يشير إلى هذا، أم إنه كان رداً فارغاً عنيداً كعقله، الذي لو اعتاد المنهج العلمي في التفكير، لما نطق بحرف واحد مما قال؟! إنها مأساة هذا العصر أيها السادة.. أن نجهل.. وأن نتباهى بالجهل.. ويا للعار المذلّ!!.. أولئك الذين تصوّروا أن العبادة هي كل المطلوب منهم، لم يتساءلوا يوماً لماذا منحهم سبحانه وتعالى عقولاً؟! لماذا منحهم عقلاً يختلف عن عقول القرود، لو أنهم لن يستخدموه في التفكير، والابتكار، والاختراع، والتطوير، والتحسين.. وإعداد القوة.. ورباط الخيل.. لماذا؟! ولو أنك واحد منهم، وما زلت تؤمن بأن العلم يأتي في المرتبة الثانية، والإيمان يأتي في المرتبة الأولى، فتعالَ معاً.. نحسبها .. وسنبدأ حسبتنا بسؤال هام.. لماذا يسعى معظم العالم لتعّم اللغة الإنجليزية أو الأمريكية؟! ولماذا في مرحلة من المراحل، سعى البعض لتعلم اللغة الروسية؟! ثم اليابانية.. ومؤخراً الصينية؟! لماذا؟! لماذا؟! ثم أيضاً.. لماذا؟! الجواب -بكل بساطة- أن الناس تسعى دوماً لمعرفة لغة من لديه العلم والقوة.. ورباط الخيل.. من هنا نبدأ حسبتنا.. دعونا نتصوّر أننا أمة تحترم العلم، وأن ميزانية البحث العلمي فيها تتناسب مع ميزانية البحث العلمي في إسرائيل، والتي في الوقت الحالي، تساوي ستة أضعاف مجموع ميزانيات البحث العلمي في العالم العربي كله! دعونا نتصوّر أننا نحترم العلم، وندرك أهميته، ونشجّع أولادنا على دراسته والإقبال عليه.. هذا سيؤدي حتماً إلى تألّق العقول الشابة المبدعة.. وإلى اختراعات.. وابتكارات.. وكشوف.. ونظريات جديدة.. وكل هذا سينقلنا حتماً إلى عصر صناعي علمي، يمكنه استغلال البيئة، وما لدينا من خامات وطاقات بشرية؛ للتصنيع على نحو علمي، يزيد من الإنتاج، ويرفع من القوة.. والأهم، أنه سيكون لدينا العلم.. وحيازة العلم لا تعني امتلاك سبيل القوة فحسب.. إنه يعني المعرفة.. والمعرفة هي الشيء الذي يسعى إليه البشر، منذ بدء الخليقة.. الطبيعي عندئذ أن يحدث ما حدث قديماً بالفعل.. أن يسعى الناس إليك.. راجع التاريخ، وانظر ماذا كان يحدث، عندما كنا منارة علم في الأندلس.. لقد كان العالم كله يسعى إلينا حينذاك.. عندما امتلكنا العلم، امتلكنا معه عقول الدنيا.. وعندما ظهر من يحاربون العلم، ويؤكدون أن الإيمان، والإيمان وحده، هو السبيل إلى القوة، ضعفت الأندلس، وهان شأنها، وطمع فيها من حولها.. وخسرنا.. واليوم نعيد الكرّة، وكأننا لم نتعلّم من التاريخ شيئاً.. ولكن، دعونا نكمل أوّلاً ما كنا نحسبه.. دعونا نتصوّر أننا ملكنا العلم، وصرنا قبلة للمعرفة، وراح العالم يسعى إلينا.. عندئذ، وكما حدث قديماً، سيسعى العالم لدراسة لغتنا، التي ستصبح عندئذ لغة العلم، كما كانت من قبل بالفعل.. وعندما يدرس لغتنا، سيمكنه أن يفهم ديننا.. وعندما يفهمه، سيدرك ما به من عظمة.. وسيكون سبيله إلى الإيمان به أسهل وأيسر.. باختصار، بالعلم نستطيع أن نحقق ما فشلنا دوماً في تحقيقه بالعصبية، والتعصب والحدّة والتزمّت.. بالعلم سننشر ديننا.. بالعلم.. ولنا بقية،،،