أنا لست مع القائلين بانتخابات رئيس الجمهورية قبل إعداد الدستور.. لأن الانتخابات لن توفر لنا إلا أقل من شهرين.. فإذا كانت الدعوة لهذه الانتخابات تتم قبل نهاية الشهر الحالى.. فإنها ستتم فى منتصف الشهر القادم ولكن علينا أن نحسب: هل سنكسب من هذه المدة.. خصوصاً نحن خبراء فى تضييع الوقت.. وما أكثر ما ضيعناه من وقت، ليس فقط طوال تاريخنا ولكن بالذات منذ يوم 25 يناير 2011 وحتى الآن.. وأسباب عديدة وراء رفضى للانتخابات قبل إعداد الدستور.. أولها: على أى أساس سيتم انتخاب الرئيس.. هل يكون رئيساً برلمانياً يملك ولا يحكم على غرار إيطاليا والهند وتركيا وغيرها.. أم يكون رئاسياً أى يملك السلطة كلها فهو يملك ويحكم كما هو الحال فى الولاياتالمتحدة.. بل أن الرئيس الأمريكى هو فى نفس الوقت رئيس الوزراء.. وكل الوزراء رسمياً سكرتيرون!! أم يكون رئيساً وسطاً أى يملك سلطات ولكن بعضها سلطات مقيدة.. مثل النظام الرئاسى الفرنسى.. أم يكون رئيساً ديكتاتورياً كما هو الحال فى دول جمهوريات الموز وأمريكا الجنوبية وبعض دول آسيا مثل باكستان وأندونيسيا وفيتنام وكوريا الشمالية؟! ثم.. كيف يقبل أى شخص أن يدخل انتخابات لمنصب لا يعرف أبعاده ولا سلطاته.. وهل سيكون رئيساً شكلياً يحضر الاحتفالات الرسمية والأعياد ويستقبل السفراء ويودعهم.. ولا تقولوا لنا إن هناك هذا الإعلان الدستورى.. لأنه مؤقت مرهون بإعداد الدستور الدائم للبلاد.. نقول ذلك لأن كل المرشحين المحتملين الحاليين عاشوا وتربوا فى ظل نظام رئاسى، الرئيس فيه يملك كل شىء.. وحتى إذا لم يملك كل شىء.. فهو قادر على توسيع سلطاته وتأكيدها لأننا فى بلد لم يتعود أن يقول للحاكم قف.. فيقف!! ثم إذا تم تحديد سلطات الرئيس الجديد.. وجاء الدستور الدائم بعكس ما كان يحلم به هذا الرئيس.. هل يدعو إلى انتخابات جديدة لانتخاب رئيس جديد تتفق مواصفاته وسلطاته مع قواعد هذا الدستور الجديد.. أم ياترى سيتدخل رئيس الجمهوية لكى يغير هو من سلطات الرئيس فى الدستور الجديد، الذى سيتم إعداده ثم إقراره.. وهو جالس فى موقعه رئيساً للجمهورية.. أى يجىء مشروع هذا الدستور وفقاً لما يراه، أو يريده، أو يحلم به الرئيس؟! أم ياترى سوف نضطر من أنفسنا ودون أن يطلب الرئيس إلى تغيير مواد الدستور الذى لم يكن حبره قد جف بعد.. بينما نحن نريده دستوراً دائماً لا نقبل عليه أية تعديلات إلا بعد نصف قرن على الأقل.. وغريب أن من يريدون انتخابات الرئيس قبل إعداد مشروع الدستور والأكثر غرابة أن يقبل ذلك أى المرشحين المحتملين.. لأنه لو أصر الدستور الجديد على أن يكون الرئيس برلمانياً فقد يرفضون أن يصبح أحدهما مجرد «خيال مآتة!!».. فهل من أجل الإسراع فى تسليم المجلس الأعلى العسكرى السلطة إلى سلطة مدنية نضحى بالاستقرار الذى يجب أن نحلم به فى الأسابيع القادمة؟! وهل يعنى «شهران أو ثلاثة» شيئاً فى عمر الشعوب خصوصاً عند شعب حياته تزيد على 7000 سنة.. قبل الميلاد؟! أم سيتم «سلق» مشروع الدستور ليأتى على هوى الرئيس الجالس على مقعد الرئاسة، سواء كان ليبرالياً أم.. أم.. أم.. إن إعداد مشروع الدستور لو كنا جادين فى إعداده.. كما نحن جادون فى انتخاب الرئيس.. لا يحتاج أكثر من شهرين، أو ثلاثة.. لأن وسائل الاتصال والمعرفة باتت غاية فى السهولة أمام الجادين، خصوصاً وأن لنا وعندنا تجارب دستورية طيبة للغاية منها دستور 1923 ودستور 54 1956.. وحتى دستور 71 لم يكن سيئاً، إلا بعد أن جرى تعديله أكثر من مرة.. مرة لنجعل مدة الرئيس عدة مدد عديدة.. ومنها لكى نأتى بمجلس للشورى لترضية بعض رجال الحزب الوطنى الذين لم يوفقوا فى انتخابات مجلس الشعب.. وحتى آخر التعديلات التى تمت جاءت لترسخ الطريق وتفتحه أمام توريث السلطة.. وعندنا فى مصر كفاءات دستورية وقانونية رائعة أسهم بعضها فى إعداد بعض دساتير الدول المجاورة لنا.. نقول ذلك لأن المبادئ العامة معروفة ومستقرة.. فقط سيكون الجدل حول نظام الحكم حتى لا تطول مدة حكم الرئيس لأن المجتمع الآن استقر عند مدة 4 سنوات للمدة الواحدة ولا يجوز مدها إلا لمدة واحدة بعد ذلك، أى مثل النظام الأمريكى لتصبح مدة حكم الرئيس كلها 8 سنوات وليس 30 عاماً مثلاً.. وفيما رأته مصر وعانت منه أن الرئيس السابق حكم مصر، أكثر مما حكمها أى حاكم مصرى بعد محمد على باشا.. ونرجو أن نسرع من الآن بتشكيل لجنة إعداد مشروع الدستور وأن نحدد لها مدة مهمتها ليطرح المشروع على البرلمان لنأخذ رأيه بشرط أن يأتى تشكيل اللجنة توافقياً يمثل كل التيارات لا يمثل تياراً واحداً، هو الآن فى البرلمان. لا تتعجلوا فى إعداد الدستور ففى ذلك الندامة الحقيقية.