رغم رفض قوى إسلامية وليبرالية خروج تظاهرات تنادي ب"تطهير القضاء"، إلا أن جماعة الإخوان المسلمين وبعض المؤيدين كان لهم رأي مخالف، وقد حذر قضاة من استمرار الاعتداء اللفظي والتغول السياسي من قادة تيار الإسلام السياسي على السلطة القضائية، وأكدوا أن تطاول الجماعة على القضاء واستقلاله ومحاولة التدخل في شئونه أو الضغط بالتظاهرات لا يتم إلا في الأنظمة الديكتاتورية والفاشية، ولن يسمح قضاة مصر بالخضوع أو الانحناء أمام هذه الدعوات الصدامية، وأوضحوا أن التطهير ينبغي أن يكون بالتشريع وسن القوانين وليس بالتظاهر، وأشار القضاة إلى أن اعتداء الرئيس "محمد مرسي" على استقلال القضاء سابقًا من خلال إصدار عدة إعلانات دستورية أجهزت على السلطة القضائية، دفعت قادة وأعضاء تيار الإسلام السياسي إلى التظاهر أمام "دار القضاء العالي"؛ من أجل الضغط على الرئيس لإعداد مذبحة جديدة للقضاة تحت مسمى "تطهير القضاء"، أو إقرار قانون السلطة القضائية المنظور الآن أمام مجلس الشورى. المستشار سامح السروجي، عضو مجلس إدارة نادي القضاة قال: إن دعوات تيار الإسلام السياسي وخاصة جماعة الإخوان المسلمين للجهاد الإسلامي ضد القضاء تعد بمثابة محاولة للتدخل من أحزاب سياسية في قانون وأعمال السلطة القضائية الداخلية، وهو ما يظهر رغبة الرئيس " مرسي" وجماعته في "تطويع القضاء" لمصلحة جماعته أو ربما "أخونته"، لافتًا إلى أن ما يشغل بال الإخوان أنهم يريدون تدبير مذبحة جديدة للقضاة من خلال تخفيض سن الخروج للمعاش، أو الخروج في تظاهرات للضغط على مؤسسة الرئاسة من خلال الإرهاب التظاهري بحجة "تطهير القضاء"، موضحًا أن الهيئات القضائية تقوم من تلقاء نفسها بتطهر نفسها داخليًا، وعندما تكون هناك تهمة فساد ضد أي قاضٍ يتم التحقيق فيها بإحالته للصلاحية أو المحاكمة الجنائية، كما أن الأحكام التي صدرت ضد أو مع أفراد النظام السابق تتم من خلال أوراق ومستندات، وبالتالي يحكم القاضي بما أمامه من مستندات وأدلة، ولا يهتم بالرؤية السياسية ولن يخالف القانون لإرضاء تيار سياسي. وأضاف المستشار زغلول البلشي، مساعد وزير العدل للتفتيش القضائي، أن مطالبات بعض القوى والتيارات الإسلامية بما يسمى "تطهير القضاء" غير واضحة ولم يقدموا مقترحات لكيفية التطهير، ولكنهم مجرد دمى يتلاعب بها قادة مكتب الإرشاد لأجل تنفيذ مخطط الأخونة داخل مؤسسات الدولة المنغلقة أمام جماعة الإخوان المسلمين، موضحًا أن القضاء مستهدف من قبل تيار الإسلام السياسي، وهدفهم الرئيس إسقاط السلطة القضائية من خلال خفض سن القضاة، الأمر الذي سوف يتسبب في خروج جميع أصحاب الخبرات، وجميع رؤساء الدوائر مما يؤدي إلى تدمير مؤسسة القضاء بالكامل .. لافتًا إلى أن محاولة تعديل القانون داخل مجلس الشورى "الغرفة الثانية" مرتبط بتوجهات وأغراض سياسية إخوانية، وتعد بمثابة رغبة من الإسلاميين للنيل من رموز القضاة المعارضين للنظام الإخواني في إدارة البلاد. إصلاح وليس تطهيرًا وبدوره رفض المستشار زكريا عبد العزيز، رئيس نادي القضاة الأسبق، تلاعب النظام الحالي بالقضاء ورجاله، ورفع شعار "تطهير القضاء" دليل على رغبة الإخوان في كسر شوكة القضاء ليكون أداة في أيدي الرئيس وجماعته، مشددًا على ضرورة معالجة القصور القانوني في القضايا التي تحال من النيابات إلى المحاكم؛ حتى لا يتهم البعض القضاة بأنهم تابعون للنظام السابق ويريدون تبرئتهم كما أن القضاء يحتاج إلى "إصلاح وليس تطهيرًا"، ونادي القضاة كان ينتظر من الرئيس "محمد مرسي" دعوة كبار وشيوخ رجال القضاء ويستمع للملفات وكيفية علاج الخلل ثم نخرج للإصلاح بدلًا من إثارة الرأي العام، لافتًا إلى التظاهرات التي خرجت من تيار الإسلام السياسي في محيط دار القضاء العالي لن تمر بهدوء، وعلى العكس فشلت جمعة "تطهير القضاة" وأصبحت نتائجها صدامًا متوقعًا بين الرئاسة ونادي القضاة، وسوف يستمر كل طرف في عناده وإصراره أمام الآخر، حيث سيتمسك الرئيس باستمرار النائب العام، بينما سيعمل القضاة على تعليق العمل بالمحاكم والنيابات. فيما هدد المستشار زكريا شلش، رئيس محكمة جنايات الجيزة، الرئيس "مرسي" وجماعته باللجوء للقضاء الدولي لحماية "قضاء وقضاة مصر" من التغول السياسي والتظاهر الإسلامي لإرهاب القضاة، كما أن صمت مؤسسة الرئاسة على هذه الدعوات "التخريبية" دليل على موافقتها لما يحدث، لافتًا إلى أن القضاة أطلقوا دعوات لوقف العمل بالمحاكم على مستوى الجمهورية؛ للتصدي لإهانات الإخوان لمؤسسة القضاء، وعلى الرئاسة تقديم اعتذار سريع ضد الإهانة والتجريح اللفظي الذي لحق وأساء لقضاء مصر أمام العالم، وعلى جماعة الإخوان المسلمين اتخاذ كافة التدابير اللازمة ضد أعضائها من أجل إعادة كرامة القضاة التي أُهينت، موضحًا أن "استقلال القضاء" في عهد الإخوان لن يكون جيدًا للبلاد؛ لأنهم يريدون "الأخونة"، فضلًا عن أنهم أول من تغولوا على السلطة القضائية، حيث أصدر الرئيس إعلانات دستورية محصنة ضد أحكام القضاء، وتمت محاصرة دار القضاء العالي والمحكمة الدستورية، وبالتالي فإن ترديد أقاويل مثل: "التطهير أو الاستقلال" حديث مزدوج وخداع سياسي من الرئيس والإخوان. في المقابل أكد المستشار محمود الخضيري، نائب رئيس محكمة النقض الأسبق، أن تطهير القضاء بالتظاهر "حق يراد به باطل"؛ نظرًا لأن كلمة تطهير جميع مؤسسات الدولة من مطالب الثورة، لكن محاصرة دار القضاء العالي وإهانة القضاة دليل على أن الإخوان المسلمين يسعون لتطبيق سيناريو جديد للهيمنة على السلطة القضائية، في الوقت الذي ندعم ونساند الرئيس "محمد مرسي" لإصلاح وتطهير منظومة القضاء لكن ليس على حساب استقلاله، ولن يقبل القضاة أي ضغط جماهيري أو تغول من السلطة التنفيذية أو التشريعية ضد السلطة القضائية، لافتًا إلى أن إصدار مجلس الشورى قانون السلطة القضائية في هذا التوقيت "معيب"؛ نظرًا لأنه سيتسبب في إقالة عدد كبير من رموز القضاء، كما أن دعوات تطهير القضاء مشكوك في توجهها السياسي لصالح تيار بعينه، وعلى القضاة تطهير أنفسهم بعيدًا عن السلطة التنفيذية، خاصة في ظل وجود بعض الرموز القضائية التي أثارت شكوكًا مثل الذين تورطوا في تزوير انتخابات 2005 ولم يتم اتخاذ أي إجراء ضدهم حتى الآن، تجنبًا لتكرار مليونيات تطهير القضاء. ويرى المستشار أمير رمزي القاضي بمحكمة استئناف القاهرة، أن الإخوان يريدون عقاب السلطة القضائية؛ لأنها - من وجهة نظرهم - تجاوزت في إخلاء سبيل المتهمين في قضايا قتل المتظاهرين من النظام السابق، رغم أن القاضي يحكم بالأدلة والبراهين والأسانيد القانونية، كما أن تصعيد لهجتهم العدائية ضد القضاة خوفًا من استدعاء الرئيس "محمد مرسي" لمناقشته وسماع أقواله في قضية هروبه من سجن "وادي النطرون"، وبالطبع ما زال "مرسي" أمام الداخلية والقضاء هاربًا من السجن وهي قضية جنائية قد تؤدي إلى عزل الرئيس من وظيفته لتنفيذ حكم القضاء، موضحًا أن المطالبة بتطهير القضاء من جانب الإسلاميين محاولة لإلهاء الشارع والقوى السياسية بقضايا فرعية، من أجل تمرير قانون السلطة القضائية "المعيب"، وبالتالي لن ينساق القضاة وراء هذه الدعوات؛ لأنه يمتلك الآليات الكافية لتطهير نفسه دون تدخلات خارجية أو مطالب حزبية من بعض مؤيدي "السمع والطاعة"، بالإضافة إلى أن كل الخيارات مطروحة أمام قضاة مصر للرد على الإهانات بما في ذلك طلب الحماية الدولية ضد تدخل السلطة التنفيذية، والاتفاقيات الدولية الموقعة على البلاد تحمي القضاء من هذه التدخلات أو الضغط الخارجي سواء كان تظاهرة أو محاصرة، لافتًا إلى أن انهيار اقتصاد البلاد كان أهم أسبابه التعدي على السلطة القضائية، والذي كان سببًا في هروب المستثمرين وحجب التعاون بين مصر والدول التي هربت إليها أموال النظام السابق. وفي السياق نفسه قال المستشار محمود الشريف، المتحدث الإعلامي لنادي القضاة: إن التدخل في أعمال السيادة القضائية ينذر بعواقب وخيمة على الرئيس وجماعة الإخوان المسلمين، كما أن بعض الإسلاميين الذين دعوا إلى مليونية "تطهير القضاة" استغلوا الحالة الراهنة بعد قرار إخلاء سبيل الرئيس السابق "حسني مبارك"، لكن العيب ليس في القاضي ولكن في التشريع والقوانين الموضوعة، موضحًا أن القضاء هو ركن الدولة الثابت مع القوات المسلحة، ولا يصح من رئيس الدولة الصمت على هذه الاتهامات والإهانات مما يهدد بانهيار دولة القانون وإعلاء دولة الغاب والفوضى، كما أن إصرار القضاة على الوقوف ضد محاولات الأخونة، جعلنا في مرمى نيران السلطة التنفيذية وجماعة الإخوان المسلمين.