بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي إنه استهبالٌ إسرائيلي واستخفافٌ صهيوني ما أعلنته لجنةُالتحقيق الإسرائيلية الخاصة في جريمة قتل عائلة السموني في قطاع غزة، خلال العدوانالإسرائيلي على القطاع نهاية العام 2008، فقد برأت لجنة التحقيق العسكرية الجيشالإسرائيلي من جريمة قتل أكثر من عشرين فلسطينياً من عائلة السموني، جلهم منالأطفال والنساء والشيوخ، ممن لاذوا بأنفسهم إلى بيوتٍ ظنوها آمنة، ومساكن اعتقدواأن الجيش الإسرائيلي سيحترم مدنيتها، وأنه لن يطلق النار على سكانها، خاصةً أنه كانيعلم يقيناً أن من فيها هم من الأطفال والشيوخ والنساء، ممن لا يبدو عليهم شبهةالقتال، ولا ملامح المقاومة، وقد رصدهم جنودٌ من الجيش الإسرائيلي وهم يدخلون إلىبيوتهم، ولا يبدو عليهم أنهم يحملون بنادق أو آليات قتال، كما لا يظهر أنهم يتخفونأو يترصدون أو يكمنون. الجريمة الإسرائيلية في حق عائلة السموني جريمةٌ عادية،لا غرابة فيها، ولا استثناء في وقوعها، ولا تميز في ارتكابها، إنها ككل الجرائمالإسرائيلية في حق أبناء شعبنا الفلسطيني، لا تختلف عن المذابح القديمة ولا عنالمجازر الجديدة، ولن تختلف عن جرائمهم الموصوفة في المستقبل، إنها الطبيعةالإسرائيلية، والجبلة اليهودية، والعنصرية الصهيونية، تلك التي جبلت كلها ووضعت فينفس الجندي والمستوطن الإسرائيلي، الذي استمرأ القتل، واستعذب الدم، وهانت عليهأرواح البشر، فلا يميز في جرائمه بين أطفالٍ أبرياء، ونساءٍ ضعيفاتٍ، وشيوخٍ كبار،فالقتل في حياته عادة، وفي تاريخه سلوكٌ موروث، يشعرون بالأسى إن لم يقتلوا،وتصيبهم الكآبة إن لم يضروا، ولا تبش في وجوههم أمهاتهم إن عادوا وليس على أيديهمدمٌ من الأغيار، الذين خلقوا بزعمهم ليكونوا لهم عبيداً يخدمونهم، أو حميراًيركبونهم، فلا قيمة لحياتهم، ولا حزن على موتهم، ولا عقاب لمن بادر بقتلهم، أوساهم في ذبحهم، فهم الذين قالوا إن العرب كالصراصير والجرذان، يجب وضعهم في قنينةلئلا يضروا شعب الله المختار، ويجب أن يرشوا بالمبيدات ليتخلص شعب إسرائيل منهم،إنهم يتفاخرون بقتلنا فلماذا ينكرون، وإنهم يتباهون باغتيالنا فلماذا يتخفون،وإنهم يتسابقون في قتل أكبر عددٍ منا فلماذا يتنازلون عن نصرهم، ويتخلون عن كسبهممخافة الرأي العام، وحرصاً على سمعة الجيش وصيته، وحفظاً لأخلاقه ومناقبيتهالعسكرية الأخلاقية العالية. ما الذي يميز عائلة السموني عن غيرها من آلاف العائلاتالفلسطينية الأخرى، التي قتل منها الإسرائيليون العشرات، وذبح من رجالها ونسائهاوأطفالها المئات، فهذه جريمةٌ إسرائيليةٌ متكررة تحدث كل يوم، وقد اكتوى بنارهامواطنون عرب، مصريون ولبنانيون وأردنيون، وإن كان الفلسطينيون هم الأكثر ألماًوالأعمق جرحاً، والأغزر دماً، فما زال جرحهم غائراً، وألمهم مستمراً، ومعاناتهمقائمة، وعدوهم يتربص بهم الدوائر، يتآمر عليهم، ويتحالف ضدهم، ويتفنن في قتلهم،ويبتدع الوسائل في السيطرة على أرضهم، وتجريدهم من حقوقهم، وحرمانهم من حلمهم،ومنافستهم على تاريخهم ومقدساتهم. من قال إن عائلة السموني كانت تنتظر العدالةالإسرائيلية، وكانت تتوقع أن ينصفها المحققون الإسرائيليون، ويعيدوا إليها حقهاالذي ضاع، ودم أبنائها الذي سفك، ويبعث الروح في أجساد أحبابها الذين قتلوا، فآلالسموني لا يتوقعون من العدو الإسرائيلي أن ينتصر لهم، أو أن يعوض عليهم، وأن يعترف بخطأه في حقهم، أوأن يعاقب جنوده الذين أطلقوا النار على الأبرياء المساكين، أو يحيل ضباطه وقادتهالميدانيين إلى محاكم تأديبية، وأن ينزع عنهم رتبهم العسكرية، وأن يقدم باعترافهوإدانة جنوده إلى العالم دليلاً جديداً على أخلاقية جيشه، ومناقبية جنوده العالية. آل السموني لا يرون فرقاً بينهم وبين أي فلسطيني آخر سبقوقدم روحه من أجل الوطن، وضحى بحياته من أجل الشعب، فهم وكل أبناء فلسطين فدىًلهذا الشعب المعنى المكافح، الذي قدم زهرة شبابه على مذبح الحرية، وما زال يبدياستعداداً وحماسة لأن يقدم المزيد، ويضحي بالأغلى والأعز، حتى يغدو هذا الوطن حراً،ويعود الأهل إليه أسراباً، ويتجمع فيه الأصحاب والأحبة والخلان كطيورٍ عادت من مهاجرها،على أفنان الشجر تقف، وعلى دوحها تغرد. نحمد الله سبحانه وتعالى أن لجنة التحقيق الإسرائيلية قدخرجت بهذه النتيجة، وأعلنت تبرئة جنود الجيش الإسرائيلي من هذه المذبحة، ولم يكنقرارها إدانة للجنود، وتوبيخ للضباط وتحميل المسؤولية للقادة العسكريين، ليعرفالعالم كله حقيقة الإجرام الإسرائيلي، إذ ماذا كنا سنستفيد لو أن الجيش الإسرائيلياعترف بخطأه مع آل السموني، فهذا يعني أنه لم يرتكب خطأً مع أكثر من ألف وخمسمائةشهيدٍ آخرين في عدوانه الهمجي على قطاع غزة، فالإسرائيليون يساوون بين الفلسطينيينجميعاً، فهم في كرههم لهم سواء، لا يحبون أحداً منهم، ويتمنون الموت لهم جميعاً،ولا يميزون في الموت الذي يوزعونه والقتل الذي يفرقونه بين فلسطيني وآخر، فكلهملهم هدف، وطردهم أو قتلهم له غاية. الكيان الإسرائيلي، حكومةً وجيشاً وأجهزةً أمنيةومستوطنين ومتدينين متشددين ويمينيين متطرفين، جميعهم يتحملون المسؤولية الكاملةعن قتل الشعب الفلسطيني، وطرده من أرضه، وحرمانه من حقوقه، والذي قتل آل السمونيهو الذي قتل جيرانهم وأحبابهم، وهو الذي ذبح أهلهم وشعبهم، فالجريمة واحدة والمجرمهو ذاته، ومهما حاول أن يبرئ نفسه من هذه الجرائم فلن يستطيع، ومهما ظن بأن الشعبالفلسطيني سينسى جرائمه فهو موهوم، وأنه سيسكت عن ظلمه ويستكين فهو مخطئ، فالشعبالفلسطيني لا يستكين على الظلم، ولا ينام على الضيم، ولا يخدع باعتراف، ولا يغشبمحاولات تزيين، ولا بمساعي تزيفٍ، فالحقيقة الساطعة أننا أصحاب الأرض وأهل الحق،وأن العدو الإسرائيلي يحاربنا على حقنا، ويحاول استئصالنا من أرضنا، وطردنا منديارنا، ولكن هيهات له أن ينجح، فهذا شعبٌ أقسم أن يكون باراً بشهدائه، صادقاً معأجداده، ساعياً بيقين لاستعادة حقوقه، فهنيئاً لكم آل السموني أنكم شهداء، وأنجزاءكم هو الأوفى عند الله، فلا ينقصه اعتراف عدو، ولا يحد منه أسف قاتل. [email protected]