منذ أكثر من عام، وعلى وجه التحديد قبل انتخابات الرئاسة الماضية، انتقدت هنا الشروط المطلوب توفرها فى المتقدم لشغل منصب رئيس الجمهورية، وحذرت من إمكانية التقدم لهذا المنصب الرفيع لكل من هب ودب، حيث إن المادة المعنية فى الدستور وفى قانون انتخابات الرئيس لم تشترط المؤهل الدراسي، وقلت أيامها إن الدستور والقانون يفتحان الباب على مصراعيه للحانوتي والعجلاتى والبواب وعامل التراحيل وبائع الخضار ومبيض المحارة والميكانيكي والخباز والنقاش والمكوجى، وغيرها من المهن التي لا يحمل أصحابها درجة تعليمية بعينها، وقلت نحن نجل ونقدر هذه الحرف ونحترم كل من يعمل بها، لكن من يشغل منصب رئيس الجمهورية سوف يمثل مصر وشعبها، لذا يجب أن يكون حاصلاً على مؤهل دراسي يليق بالمنصب. وأذكر بعد كتابة هذه المقالات أن أعلن بعض أصحاب الحرف عزمهم الترشح لمنصب الرئيس، كما أعلن المطرب الشعبي سعد الصغير عن نيته تقديم أوراقه، وهو ما أثار حفيظة بعض المصريين واستنكروا بشدة أن يترشح لهذا المنصب الرفيع سعد الصغير أو غيره، وأذكر اننى كتبت أيامها مقالا بعنوان قانون سعد الصغير، كررت فيه تحذيري وطالبت المجلس العسكري أن يعدل القانون ويضع المؤهل العالي ضمن شروط الترشح. منذ أيام أعدت فتح نفس القضية وحذرت من فتح الباب على مصراعيه، كما طالبت بأن نعيد النظر في بعض الشروط الأخرى، سواء فى المتقدمين لمنصب الرئاسة أو لعضوية البرلمان والمحليات، مثل السماح للمجرمين الذين قضوا عقوبة بالترشح للرئاسة وعضوية البرلمان والمحليات بعد حصولهم على رد اعتبار، وقلت إنه لا يصح أبدا ان يكون القواد أو المرتشي أو المزور أو القاتل أو الإرهابي أو الحرامى(سابقا) رئيسا للبلاد أو ممثلا عن الشعب في البرلمان أو المحليات، وطالبت بحرمان أصحاب السابقة الأولى من الترشح، ويكتفي بأن يدلى بصوته فقط بعد رد اعتباره، كما طالبت بعدم السماح للمريض العقلى سابقا والمحجور عليه سابقا، والذين تمت معاقبتهم بمجالس تأديب من الترشح، وقارنت ساعتها بين قانوني تعيين القضاة وأعضاء السلك الدبلوماسي وقانون مباشرة الحقوق السياسية، وأشرت إلى رفض المشرع تعيين من رد اعتباره أو من حصل على عقاب بمجلس تأديب في وظيفة قاض أو دبلوماسي، فكيف نرفضها فى الأدنى ونبيحها في الأرفع والأعلى؟. منذ أيام طرحت رئاسة الجمهورية مشروع قانون انتخابات الرئيس للحوار المجتمعي، وقد سعدت جدا لاستجابة الرئاسة إلى ما سبق ونبهت إليه وحذرت منه، حيث أضافت الرئاسة شرط الحصول على مؤهل عال فى المادة الأولى من مشروع القانون، كما اشترطت تقديم صحيفة الحالة الجنائية فى مصوغات الترشح بالبند (رقم 5) فى المادة (رقم 11). والمدهش فى الأمر أن بعض القانونيين قد أكدوا لبعض الفضائيات والمواقع الخبرية، بأن شرط المؤهل العال يتعارض مع المادة 141 من الدستور، لماذا؟، لأن المادة الدستورية لم تشترط المؤهل العالي، بل إنها لم تشترط أى درجة تعليمية وفتحت الباب للجميع، وأظن ان هذا التفسير يعدنا لمربع المبيض والنقاش والمكوجى ولقانون سعد الصغير، كما أنه غاب عن أصحابه نقطة نرى أنها قد تحسم مشكلة عدم الدستورية، وهى أن منصب رئيس الجمهورية هو فى النهاية وظيفة حكومية، صحيح يتم فتح باب الترشح لها، لكنها فى النهاية وظيفة وتتبع الجهاز التنفيذى بالدولة، وشاغلها يصرف مرتبا شهريا من أموال الشعب، كما أن الدولة تطبق على جميع الامتيازات التى يحصل عليها موظف الدولة، من علاوات ومنح وإجازات عارضة وسنوية ومرضية، وراحة أسبوعية، وضرائب، وتأمين صحي، وتأمين اجتماعى، وبالطبع لكل وظيفة شروطها، صحيح أن المادة 141 من الدستور لم تشترط المؤهل ولكنها تركت تفصيل وتحديد شروط الوظيفة للقانون، ومن هنا يحق للمشرع ان يضع ما شاء من شروط تتناسب والوظيفة المطروحة للانتخاب. وقياسا على حجة بعض القانونيين بعدم الدستورية فى المؤهل، يمكن القول بعدم دستورية الشروط الأخرى والمستندات التي جاءت في المادة 11 من مشروع القانون ولم تذكرها المادة 141 من الدستور. يبقى لنا أن نكرر عدم تعارض شرط المؤهل في مشروع القانون مع المادة 141 من الدستور، لأن منصب الرئيس ليس عملا تطوعيا او خدميا، بل هو وظيفة ضمن وظائف الدولة، وتختلف كثيرا عن عضوية البرلمان، فالأخيرة تصنف ضمن العمل السياسي العام، ولا تدرج ضمن وظائف الدولة ولا يطبق على عضو البرلمان ما يسرى على الموظف من مرتب شهري وإجازات وعلاوات وغيرها.