اهتم «جون كيري» وزير الخارجية الأمريكي بأن يجعل من القاهرة محطته الأولي في جولته المكوكية الموسعة التي تشمل- إلي جانب مصر- السعودية وإسرائيل وفلسطين والأردن والإمارات العربية المتحدة والجزائر والمغرب، وبعد هذه كلها تكون بولندا- بعيداً عن المنطقة العربية- محطته الأخيرة، وكان من الطبيعي أن تربط الناس في مصر بين زيارة كيري وموعد عقد محاكمة الرئيس المعزول محمد مرسي وباقي المتهمين من أقطاب جماعته، ولست أظن أن أحداً يقتنع بأن مناقشات وأحاديث كيري مع كبار المسئولين المصريين من رئيس الجمهورية المستشار عدلي منصور، ونبيل فهمي وزير خارجيتنا، قد خلت من التطرق إلي هذا الموضوع!، وقد نفت الرئاسة المصرية حدوث هذا، وأظن أن هذا النفي قد جري الاتفاق عليه بين الجانبين: المصري والأمريكي، خاصة أن أي نقاش بشأن هذه النقطة لا يغير من أن المحاكمة للرئيس المعزول حقيقة واقعة، وهي تأكيد علي السيادة المصرية الكاملة، مما لا يقبل فيه أي كلام أو تعليق من خارج مصر، ولكن الذي استوقفني ما قاله كيري في المؤتمر الصحفي المشترك الذي عقده مع نظيره المصري قبل لقاء كيري بالرئيس المصري!، فقد بدا كيري في هذا الحديث وكأنه قد جاء طالباً ضمانات من مصر إذ قال: «إن هناك حاجة إلي ضمان إعطاء المصريين محاكمات عادلة وشفافة ومحاكمة المدنيين أمام محاكم مدنية عادية»، ثم أضاف «أن هناك ضرورة لإنهاء جميع أعمال العنف والإرهاب وضبط النفس والمساءلة علي جميع أعمال العنف». وما يراه كيري من «الضمانات» أظن انه لم يكن في حاجة إلي طلبه!، فمصر ماضية في تقديم العناصر التي تمارس الإرهاب علي مصر كلها- وهي التابعة لجماعة الإخوان- إلي محاكم مدنية وأمام قضاة طبيعيين بعد تحقيقات أجرتها النيابة العامة، وهذا كله واضح وضوحاً بالغاً، حيث هو معلن في وسائل الإعلام المصرية كلها، وكل الاحتياطات الأمنية المتبعة من جانب السلطات هدفها إفشال خطط جماعة التخريب التي التزمت التهديد والوعيد بإفشال محاكمة الرئيس المعزول وأعوانه!، ولكن هذه الاحتياطات الأمنية من جانب السلطات لم تثن السلطات المصرية عن أن تكون المحاكمات مدنية وعادلة!، فما الذي دعا «جون كيري» إلي التعبير عن «حاجة للضمان» وهي مؤكدة- مدنية المحاكمات وعدالتها- دونما حاجة لاستخدام هذا التعبير الذي استخدمه كيري!، أما ضرورة «إنهاء أعمال العنف والإرهاب»، فإن كيري يعرف ولا تعوزه المعلومات عن الطرف الذي يؤجج نيران الصراع بأعماله الإرهابية العنيفة، مما لا تتوقف عنه جماعة الإخوان وتقاومه السلطات الأمنية والعسكرية!، كما يقول كيري «انه يجب ضبط النفس والمساءلة علي جميع أعمال العنف»!، دون أن «يتورط» كيري في توجيه الاتهام إلي جماعة الإخوان بالإرهاب والعنف!، لكي تتوه في حديثه محددات كان ينبغي عليه أن يذكرها ويعترف بها صراحة!، حتي لا يبدو الاتهام بالإرهاب والعنف في حديثه شائع الاتهام وكأن المتهم به غير معروف!، بل إذا كان كيري يقدر «المحاكمات العادلة المدنية الشفافة» هكذا، فكيف يجيب عن سائل له حول إدارته الأمريكية التي تحتفظ في سجونها بقاعدة «جوانتانامو» الأمريكية بعدد من «ضيوفها» لسنوات عديدة منذ تفجيرات 11 سبتمبر بدون أدني تحقيق أو إحالة لمحاكمة عادلة أو غير عادلة!، بل ماذا عساه يقول كيري عن اختطاف أمريكا بقواتها المسلحة لرئيس بنما «نوريجا» وإيداعه السجون الأمريكية بتهمة مضحكة هي تجارة المخدرات، والتي مارسها بالتعاون مع أمريكا ذاتها!.