لا شك فى أن ثورة الشعب الثانية فى 30/6/2013 كانت ضرورة حتمية لاستفادة الكثير مما فقدناه فى الفترة السابقة والتى استمرت لمدة عامين بعد الثورة الأولى فى 25/1/2011. حيث تم ارتكاب العديد من الأخطاء وعلاجها بأخطاء ولم تنتج صواباً ولكن أنتجت مزيداً من الأخطاء. لقد حاول البعض من أعضاء التيار السياسى المتأسلم إظهار ثورة المصريين على الديكتاتورية والاستبداد والفساد فى السنة الماضية بأنها انقلاب على الشرعية وإرادة الشعب وصندوق الانتخاب! الأحرى بأخواننا فى هذا التيار الرجوع إلى أن الرئيس السابق المعزول من غالبية الشعب هو الذى انقلب علي الشرعية وحنث بالقسم وخالف الوعود التى قطعها على نفسه بإصدار الإعلان الدستورى الديكتاتورى فى 21/11/2012 ثم فى حركة لولبية قام بإلغائه والإبقاء على آثاره، فإذا كان فى إصدار الإعلان الديكتاتورى قد حنث بالقسم وهو احترام الدستور والقانون وهذه مصيبة فإن فى إلغائه والإبقاء على آثاره يكون قد قرر استغفال الشعب وهذه كارثة. القضية هنا أن الذى خرج على الشرعية هو الرئيس السابق المعزول وأهله وعشيرته ومؤيديه ولم نكن الذين هرعنا إلى تكوين جبهة الإنقاذ وحركة تمرد ورفض الممارسات الديكتاتورية والآداء الحكومى الهزيل وازدواجية السلطة بين مؤسسة الرئاسة ومكتب الإرشاد والتنظيم العالم. بالقطع الذى هتك عرض الشرعية واعتدى عليها جهارا نهارا تحت زعم الثورية هو السيد الرئيس المعزول وأن من اغتصب حقوق الشعب فى الشفافية ومعرفة الحقيقة تارة عمن قتل الجنود فى رمضان 2012 ثم قام بخطف جنود آخرين فى سيناء فى 2013 هو السيد الرئيس المعزول أيضاً. إلا أن التساؤل المشروع الذى ظهر بعد مهاجمة الجماعات الإرهابية للجيش المصرى فى سيناء بعد إدعائهم أنهم ضد عزل الرئيس, فهل هم من مؤيدى الرئيس المعزول أم أنهم من أهله وعشيرته. وفى كلتا الحالتين فإن البرهان على صواب عزل رئيس مؤيديه أو أهله وعشيرته من الإرهابيين هو الصواب بعينه. هذه المقدمة لإظهار لماذا نحن مع عزل الرئيس والمطالبة بانتخابات رئاسية مبكرة، إلا ان الأمر لا يقف عند ماذا نريد وحسب، فالأمر ليس حقوقاً مطلقة لفئة دون أخرى ولكنه واجبات ملزمة لكل فئات الشعب حتى لا يصبح الأمر كما كان سابقا خاضعا للعشوائية والاستعباط والحنجورية والشعارات. لقد فقدت ثورة 25 يناير رشدها حينما تحول الأمر إلى مطالبات فئوية وشعارات وهمية وآمال خرافية ولم يتصدر المشهد العقلاء الراشدين وإنما قفز إليه المنافقين والطامعين فوصلت أهداف الثورة إلى تحقيق صفر كبير ووصل الأداء إلى تحقيق صفر أكبر منه. إن القضية التى ثار المصريون من أجلها على نظام سابق هو ان مطالبهم فى العدل والحرية لم تكن لتتحقق فى وجود نظام ديكتاتورى مستبد فاسد، وقد ثاروا مرة أخرى على نظام اختاروه بنسبة 51% لأنه لم يكن ليحقق لهم العدل والحرية لأنه أثبت أنه نظام ديكتاتورى مستبد يسير فى طريق الفساد. لم تكن مطالبتنا بالمصالحة الوطنية أولاً من قبيل الوجاهة أو الفلسفة ولكن من قبيل الواقع والحقائق ولكننا الآن وقبل المصالحة نطالب بالرشد اولاً نظراً لأن البعض يستغل المواقف للقفز والبرطعة أو الخناق والبهدلة! الرشد أولاً بمصارحة الشعب بالحقيقة المؤلمة وهى إننا دولة متخلفة بإمتياز وإننا نحتاج إلى خمسة عقود على الأقل لكى نصبح دولة نامية حقيقة على أعتاب دولة متقدمة. الرشد أولاً بالكشف عن كل من باع القضايا الوطنية وهدد أمن البلاد وروع سريرة العباد بالقتل والثبور وعظائم الأمور. الرشد أولاً بوضع ترتيب الأولوليات بصيغة صحيحة وأن يكون على رأس القائمة المصالحة الوطنية وأن مصر فيها متسع للجميع وأن الشفافية والمحاسبة حق للشعب وواجب على من يقوم على إرادة شئون هذا الشعب وأن الديمقراطية وآلية الاحتكام إلى الصندوق هو آلية لتصحيح الخطأ وليس صنماً لنعبده حتى وإن جاء بمن لا يقدر ولا يعلم إدارة دولة مثل مصر. الرشد أولاً فى الفكر والفعل قبل إطلاق الشعارات المبهمة التى تستدعى دغدغة المشاعر البرئية والقلوب المتلهفة حتى يصدقها الأتباع وهي غير قابلة للتحقيق حاليا أو فى المستقبل القريب. الرشد أولاً فى ألا نفرط فى استدعاء المدينة الفاضلة أوان الموجود هو من فصيلة الملائكة، فالبشر هم البشر يحملون الخير والشر والصواب والخطأ. الرشد أولاً فى أن يعلم كل الموجودين بالميادين أن الحاضر لهم وأن المستقبل لأولادهم وأحفادهم فإذا كانوا على الطريق الصحيح سائرين فإن الحاضر سيكون مُرضيا والمستقبل سيكون مبشراً. لقد مررنا بتجربه يعتبرها البعض منا شراً ويعتبرها البعض منا خيراً ولكليهما أذكرهم بقوله تعالى «وعسى ان تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون» صدق الله العظيم يحيا الشعب المصرى حراً كريماً. إستشارى جراحة التجميل