لم يعد بإمكان الأديب الانعزال فى برج عاجى أو الابتعاد عن قرائه، فى ظل واقع عصر جديد، صار فيه المؤلف متاحًا على مواقع التواصل الاجتماعي، إلا ما ندر منهم، وجعل القارئ صديقًا للمؤلف فى الواقع الافتراضى يمكنه أن يشارك برأيه فى أعماله، وتجلى ذلك من خلال مجموعات القراءة على مواقع التواصل «السوشيال ميديا» المنتشرة بكثافة، وكذلك تطبيقات الكتب وتقييماتها، فتغيرت العلاقة بين المؤلف والقارئ، بل داخل عملية النشر ككل، التى صارت معتمدة على توجهات القُراء داخل الواقع الافتراضى، فهل مجموعات القراءة هى المحرك الفعلى لتوجه المؤلف والناشر؟ وهل صارت بديلًا لدور الناقد؟ وكيف يمكن النظر لهذا النوع من التفاعل داخل مجتمع القراءة فى مصر. تجربة مجموعة قراءة ترى شريهان محمد «أدمن» «جروب» «فنجان قهوة وكتاب» على «الفيس بوك» أن «جروبات القراءة» لعبت دورًا محوريًا فى تطوير العلاقة بين المؤلف والقارئ فى مصر والوطن العربي، من خلال فعالياتها المختلفة، تمكنت هذه المجموعات من تقليل الفجوة بين المؤلف والقارئ، حيث أصبح التواصل المباشر متاحًا عبر منصات التواصل الاجتماعي، هذا التقارب أتاح للقراء التعبير عن آرائهم، ومناقشة الأعمال الأدبية بحرية، مما ساعد الأدباء والمؤلفين على فهم توقعات جمهورهم بشكل أفضل، وترى من خلال تجربتها أن هذه المبادرات لم تكتفِ بتشجيع القُراء على قراءة المزيد فحسب، وفتح آفاق أوسع لهم، بل أيضًا ساهمت فى تشكيل الذوق العام، وإضافة اختيارات لا محدودة من الأعمال الأدبية التى تثرى شغف القارئ تظهر بشكل ملحوظ، خاصة مع تنامى حب القراءة ودعم الأعمال التى تتناسب مع تطلعاتهم. المبدعون فى موقع وسط! تشير الأديبة والأكاديمية د.مى التلمسانى إلى أن هناك طفرة حديثة فى عالم تسويق الكتاب ظهرت على منصات التواصل الاجتماعى فى الغرب، وانتقلت سريعًا إلى عالمنا العربي، ربما بالأخص على «انستجرام وتيك توك»، وارتبطت أحيانًا بدور النشر حصريًا وأحيانًا أخرى بظاهرة المؤثرين، أو «الانفلونسرز»، طفرة فى التسويق لكل السلع يتساوى فى ذلك الكتاب مع أدوات التجميل، المبدعون والمبدعات يقعون فى مركز وسط بين دار النشر، ومجموعات القراءة، ولهم مصالح تخص التسويق لا خلاف عليها، كما أنهم أيضًا قُراء ومستهلكون يتأثرون بما يجرى الترويج له ويعنيهم مواكبة الحركة الثقافية.، وتضيف «مى» قائلة: لم يعد أحدٌ منا بمعزل فعليًا عما يحدث على منصات التواصل الاجتماعى، فالبعض يمضى فى سبيله كالقطار، لا يحيد عن مجرى المشروع الأدبى ،ويعتبر التسويق عملية خارج أولويات الكتابة، والبعض يغازل متطلبات السوق أثناء وبعد الكتابة، ويظهر هذا بوضوح فيما يكتب، والبعض الثالث يفشل فى فرض تصوراته عن التسويق على الكتابة، ويفقد البوصلة نهائيًا، على مستوى الحرفة وعلى مستوى الوصول إلى أكبر عددٍ من الناس، تقتات مجموعات القراءة، والكُتب المنتشرة على منصات التواصل الاجتماعى على كافة الأنواع الروائية، وتقتات أيضًا على عددٍ المتابعين ،والقُراء ،وتقدم لهم خدمة يشاركون فى تحديد توجهاتها بكتاباتهم وآرائهم، ما ينقص تلك اللوحة العريضة هو لطشة اللون التى تميز بين الغث والسمين. مؤشر لسوق النشر يرى الناشر شريف بكر أن لمجموعات القراءة أهمية كبيرة بالنسبة إليه كناشر فى ظل غياب أىة معلومات ، أو أرقام حقيقية تحدد على سبيل المثال مؤشرًا على ما تقرؤه فئات عمرية بعينها أكثر حتى إننا نُفاجأ بطوابير القراء فى حفلات توقيع مؤلفين بعينهم فى معارض الكتاب لم نكن نعرفهم سابقًا، ويضيف أن غياب النقد أو موت الناقد من وجهة نظره سبب آخر، فلم يعد هناك دور للنقد فى توجيه القارئ ، مثلما كان فى الماضي، لكن هناك المؤثرون الذين يتواجد بعضهم على مجموعات القراءة التى تمثل مؤشرًا لما يعجب القراء ،ورأيهم فى النصوص والكتب، ويلفتون نظر الناشرين إلى سلبيات العمل وإيجابياته، أصبح هناك تواصل مباشر مع الفئة المستهدفة لنا كناشرين، ونستطيع التواصل معهم، ومعرفة ما يريدونه، وهذا سلاح ذو حدين. مجموعات القراءة لا تلغى النقد يؤكد الناقد والأكاديمى د.حسين حمودة أن مجموعات أو «جروبات» القراءة التى تشكلت على بعض الصفحات فى وسائط الاتصال الحديثة المتنوعة مجموعات مهمة جدًا، ومن خلال ما تابعته أتصور أنها تقوم بأدوار كبيرة القيمة، على مستوى تقديم رؤى القراء حول بعض الأعمال الأدبية والإبداعية عمومًا، وعلى مستوى تشييد الجسور بين الأدباء والأديبات، من جهة، وعموم القراء والمتلقين، من جهة أخرى، القراء هنا يطرحون تصوراتهم، وآراءهم الصريحة، والصادقة، والبسيطة، والعفوية فى بعض الأعمال، دون الضغوط التى تذهب ببعض النقاد المحترفين إلى حد المجاملات، وهذا يعنى الكثير للكتاب والكاتبات الذين يريدون التوصل إلى الاستجابات الحقيقية لأعمالهم وأعمالهن، ويضيف أن هذه التجربة تمثل جزءًا من ظاهرة كبيرة، لها تجلياتها المتنوعة، هى الظاهرة التى أطلق عليها رونان ماكدونالد «إزاحة الناقد الأكاديمى أو الناقد النخبوي».. وينهى قائلًا: إن مجموعات القراءة، فى النهاية، ظاهرة صحية، إيجابية جدًا ومفيدة تمامًا، من نواحٍ متعددة، ولكنها لا تلغى بالضرورة إمكان وجود، ولا تنفى الاحتياج إلى دوائر ومنابر أخرى يمكن أن يتحرك فيها النقد. فهذه الدوائر كلها يمكن أن تتضافر معًا. ظاهرة إيجابية تؤصل د.رانيا الكيلاني، أستاذ الاجتماع الثقافى بكلية الآداب جامعة طنطا، لمجموعات القراءة موضحة أنها بدأت قبل وجود «السوشيال ميديا» بعقود فى أوروبا تحديدًا بريطانيا، ثم ألمانيا، وكانت مجموعات تتقابل فى الواقع لمساعدة كبار السن، وأصحاب الحالات الخاصة ،وانتشرت بعد ذلك بشكلٍ عام، لكن مع وجود العالم الافتراضى، وانتقال الفكرة إلى «السوشيال ميديا» تحولت إلى عملية تجارية، وصار التسويق هدفًا أكثر من الثقافة، ووجدت بعض المجموعات التى تخدم دور نشر بعينها، وتوجه الجمهور فى اتجاه معين، وتصبح مدمرة للثقافة العامة، وتفسر ذلك بغياب الشروط الأساسية فى هذه المجموعات وهى الحرية، والموضوعية، والالتزام لتكون موجهة لصالح القراءة، إلا أنها تراها فى العموم ظاهرة إيجابية حين تتوافر فيها الأسس السابقة لأنها تروج للقراءة، وتشجع غير المهتمين، كما أنه بشكلٍ عام عملية التفاعل الاجتماعى، والسلوك الناتج عن هذه العملية مفيد فى تطوير، وتنمية الشخصية.