الديمقراطية هى حكم الشعب لنفسه. أن يختار الشعب قرارته ونوابه ورئيسه. ولأن البشر سمتهم الاختلاف فلايمكن ان يتفق الشعب كله على رأى واحد أو فرد واحد. فما يراه البعض صوابا يراه الأخرون خطأ. ولا يعنى ذلك ان البعض اكثر حكمة من غيرهم ولكن كل منا يرى جزءا من الحقيقة. ولأننا كلنا نخطأ ونصيب فالديمقراطية ان يصف كل منا ما يراه ليستفيد الجميع بالصواب فى رأى كل واحد ونتجنب الخطأ. ويأتى بعد ذلك دور الاستفتاء او الانتخاب لنتعرف على رأى الشعب وكما فى الصورة يصرح كل منا برأيه بصدق. وبجمع الأصوات نتعرف على رأى الشعب وأن اللون الغالب للمربع هو الأخضر وعلى الجميع أن يقتنع ويعترف بالنتيجة وأن المربع ليس بكامله أخضر وليس بكامله أحمر. وعلى أنصار كل لون الا يتهموا الآخر بالجهل والغباء والكفر لأنهم لا يرون اللون الأحمر أو الأخضر الواضح وضوح الشمس ولاننا لابد أن نختار رأيا واحدا فسنختار الرأى الأصوب وهو أن المربع أخضر بنسبة 75%. ففى الديمقراطية لا يوجد رأى صواب ورأى خطأ ولكن هنالك رأى أصوب وهو رأى الأغلبية. واستمد هذا الرأى صوابه لا من منطقيته ولا من حكمة مؤيديه ولكن من الشعب. فالشعب هو الحاكم وما يختاره هو الأصوب حتى وإن كان بيننا من الحكماء والمطلعيين على الغيب يرون بأعينهم أن ما اختاره الشعب لن يؤدى إلى ما نتوقع من نتائج فقبل الاستفتاء كنا بين أمرين لا ندرى مدى الصواب فيهما وبعد الاستفتاء أصبح لدينا رأى واحد هو الأصوب. والديمقراطية ليست حدثا ينتهى بعملية التصويت ولكنها حالة مستمرة يعيشها الشعب تبدأ قبل التصويت وتستمر بعده. فبعد التصويت لابد أن نقف جميعا المؤيد والمعارض خلف ما اختاره الشعب لضمان تحقيقه بصورة صحيحة. ولا يعنى ذلك ان تختفى المعارضة ولكن نعارض للوصول لافضل الوسائل لتحقيق ما اختاره الشعب وهذا واجب على المؤيد والمعارض معا. فمن كان مؤيدا للرأى بالأمس قد يعارض وسيلة تنفيذه اليوم لانها لا تؤدى الى تحقيق ما اتفقنا عليه وعلى المعارض ايضا ان ينسى رأيه السابق ولا ينادى عند أول عقبة بأن رأيه هو الحق وعلينا ان نعود للمربع صفر ونتبع رأى الأقلية. والديمقراطية تحتم علينا أيضا كمؤيديين ومعارضين أن نكون منطقيين وموضوعيين فالمعارضة غير المنطقية والتى تهتم بالأخطاء الثانوية تضر صاحبها وتفقده مصدقياته وتفيد الطرف الآخر فالناس يصنفون صاحبها بالسطحية والتحامل ولا يصدقونه عندما يعارض فيما يستحق الاعتراض. وكذلك المؤيد فى الصواب والخطأ وفى الأصول والفروع يضر من يؤيد ولا يفيده. وإذا كان من المعارضيين من يترقب الأخطاء ويضخم الثانوى منها ويبرز رأيه عند أول عقبه فمنهم أيضا من يظل محتفظا برأيه كما هو حتى بعد الاقتراع ويسير فى نفس الاتجاه الذى كان ينادى به بعكس ما اختارت الأغلبية فيسير 52% من الشعب فى اتجاه ويسير ال 48% الباقون فى عكسه غير مؤمنين بنتيجة الاقتراع ليسير المجتمع ب 4 % فقط من طاقته بدلا من أن يسير المجتمع بكامل طاقته فيما اختاره غالب الشعب. والديمقراطية تحتم على الغالبية أيضا واجبات اولها ان لا تقصى الاقلية من سيارة الوطن وتتركهم فى مفترق الطرق وتسير هى فى الطريق الذى اختارته وحدها. ولا أن تعمل لصالحها هى فقط دون الاقلية وأن تؤدى الحقوق للجميع المؤيد والمعارض فالحقوق هى الحقوق كانت لنا أم لخصومنا وما سلبناه من حق من خصومنا اليوم لن نستطيع ان نطالب به غدا عندما يكون لنا. وعلى الاغلبية ايضا ان تعمل لتوحيد المجتمع لا لزيادة فرقته حتى يعمل المجتمع بكامل طاقته فتبدأ الاغلبية برتيب الأولوليات. فلايمكن تحرير القدس قبل تحرير القاهرة. فلنبدأ بما يتفق عليه الجميع فسينضم إلى الأغلبية جزء من المعارضين فإن حققوا مصلحة للجميع انضم اليهم جزء آخر من المعارضين. فيتحول المعارضين شيئا فشيئا إلى مؤيدين. ولكن اللحظة التى نحن فيها الآن فى مصر ليست هى مفترق الطرق التى نتنازع عندها اى طريق نسلك. ولكننا سنظل نسير وقتا فى نفس الطريق الذى اتفقنا عليه جميعا و بدأناه فى 25 يناير وهو إسقاط الفساد. والفساد ما يزال موجودا. فزنا فى جولات وفاز هو فى جولات أخرى ولكنه وبكل تأكيد يخطط ويستعد للجولة القادمة. فنحن نتنازع الآن دستور الدولة وهنالك من ينازعنا وجود الدولة أصلا. نتازع حرية الابداع وهنالك من يستعد لينزع منا حق الحرية وحق الحياة. فلنتوحد جميعا ونكمل تطهير وطننا من الفساد إلى ان نصل لما قد نختلف عليه فقد نكتشف حينها اننا أقل خلافا مما نظن. إننا الآن نحارب بعضا البعض بالنيابة عن أعداءنا بدلا من أن نتوحد فى مواجهتهم. فإذا قضى كل منا على الآخر عاد أعداؤنا لما كانوا عليه وبكينا وقتها كالأطفال حرية لم نستطع أن نحافظ عليها كالكبار. حرية وهبها لنا الكبار حقا بحياتهم.