تمر اليوم الذكرى الأولى لرحيل قداسة البابا شنودة الثالث بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، فلا أحد على المستوى المصرى أو العالمى يمكن أن ينسى هذه الشخصية المتفردة فى كل شىء، فقد كان نموذجاً لقديس متفرد فى كل شىء علماً وفكراً وسياسة.. البابا شنودة ونحن نحتفل بذكرى رحيله، نشعر أن جسده فقط هو الذى فارقنا، وروحه مازالت ترفرف بيننا، له من المواقف الكثير الذى يتسم بالروعة والمثل الذى يحتذى به.. هو فعلاً قديس العصر الذى تمتع بروح وطنية عالية قلما نجدها فى هذا الزمان. البابا شنودة هذا النموذج الفريد التقيته مرة واحدة أصابنى فيها الانبهار وقلما يصيبنى الانبهار بشىء معنوى أو محسوس، لكن أمام هذه القامة الوطنية غمرنى الانبهار بفكره ورجاحة عقله والنموذج الوطنى المصرى الذى عشق مصر واحتوى الجميع حكاماً ومحكومين مسلمين ومسيحيين.. فلقد كان البابا شنودة الذى حمل رقم البابا «117» وجلس على كرسى مرقس الرسول نموذجاً مصرياً أصيلاً فكراً وفلسفة وعلماً.. وسيظل تاريخه الطويل على الكرسى البابوى محفوراً لاينكره إلا جاحد..ستظل مقولته التاريخية التى لا يمكن أن تنسى محفورة فى قلوبنا وعقولنا.. مصر وطن يعيش فينا وليس وطناً نعيش فيه.. لا تخرج هذه الكلمات البالغة الفلسفة إلا من عاشق لمصر كما قلت،وهو القديس الذى حمل على كاهله هموم الأمة العربية وقضاياها ومشاكلها،فقد كان مهموماً بمشاكل الأمة العربية، خاصة الفلسطينية، ولا أحد ينسى مواقفه الخالدة تجاه فلسطين وبيت المقدس وآراءه السياسية التى أرعبت إسرائيل ولا تزال تصيبها بالغم.. فهو الذى رفض الذهاب إلى القدس لأداء الحج ومنع ذلك للإخوة المسيحيين قبل تحرير الأرض العربية من يد الغاصب المحتل الصهيونى. ولقد كان دوماً مفعوماً بالعطاء الوارف فى كل شىء. من أقوال البابا التى كان يرددها فى عظاته التى لم تنقطع وكنت شغوفاً بسماعها ودراستها.. إن ضعفت يوماً فاعرف أنك نسيت قوة الله.. وكذلك إن الله يعطيك ما ينفعك وليس ما تطلبه، إلا إذا كان ما تطلبه هو النافع لك، وذلك لأنك كثيراً ما تطلب ما لا ينفعك».. ومن أقواله التى اتخذها هدى للنفس ومنهاجاً.. الإنسان القوى ليس هو الذى ينتصر على غيره، بل القوى هو الذى ينتصر على نفسه».. وكذلك.. إن لم تستطع ان تحمل عن الناس متاعبهم فعلى الأقل لا تكن سبباً فى إتعابهم.. ألا يستحق إذن أن نصف البابا شنودة فى ذكراه الأولى بأنه كان حكيم العصر عن جدارة وبدون منازع. البابا شنودة هو نموذج فريد سيظل التاريخ أبد الدهر يذكر له أنه كان واحداً من حكماء الأرض الذين أورثهم الله العلم والروحانية المتفردة بلا منازع.. فهو بجدارة فائقة معلم للأجيال ومرشدها إلى طريق الخير، هذا الحكيم الذى قلما يجود به الزمان مواقفه لا تعد ولا تحصى وآراؤه الحكيمة شهد بها العالم أجمع، ورغم كل ما تعرض له البابا شنودة من أذى فى حياته الدنيوية التى استمرت ثمانية وثمانين عاماً كان دائماً باسم الوجه بشوشاً وتلك سمات الحكماء.. تجلس أمامه تشعر أنك أمام قامة كبيرة يصيبك منها على الفور الانبهار لكل آرائه وأفكاره ومواقفه الوطنية السياسية والاجتماعية وعلاقاته بالآخرين سواء كانوا مسلمين أو مسيحيين.. ومن أقواله الفلسفية البالغة الفكر قوله: «اذكر باستمرار أنك غريب على الأرض وأنك راجع إلى وطنك السماوى» يرحم الله البابا شنودة الثالث، الذى أعلن الأنبا بيشوى سكرتير المجمع المقدس أن اليوم هو موعد نياحة البابا فى ذكرى وداعه إلى أحضان القديسين.. يرحم الله البابا شنودة معلم الوطنية وفيلسوف العصر.. وحكيم هذا الزمان وصاحب المواقف التى لا تنسى وستظل نبراساً يهتدى به لمن يريد أن يسلك طريق الأخيار..ستظل ياقداسة البابا العظيم حياً فى القلوب.. ينساك فقط الجهلاء الذين لا يعقلون.