أنظر دائماً إلي قداسة البابا شنودة الثالث بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية علي أنه ميزان الحكمة ومجمع العقل وأنه رجل دولة سياسي بقدر ما هو رجل دين حكيم. وقد عودنا دائماً خلال الأحداث الطائفية التي تقع بين الحين والآخر أنه ينظر إلي المصلحة العامة للوطن الذي يضم بين جوانحه عنصري الأمة من المسلمين والمسيحيين داعياً وراعياً لسلامة هذا الوطن فوق أي تحزب أو تعنت طائفي. وكم أشدت بمواقفه في جلساتي مع بعض الزملاء والإخوة المسيحيين متمنياً أن يكون نموذجاً لأي رجل دين مسيحي في دفاعه عملاً وقولاً عن حقوق الإخوة المسيحيين وحكمته في معالجة القضايا والمشكلات التي تطرأ أحياناً أو تطفو علي السطح.. فهو في نظرته وحرصه علي مصلحة الوطن إنما يضع نصب عينيه مصلحة الإخوة المسيحيين. وإذا كان من حق البابا شنودة الثالث - ونحن معه - أن يطالب الدولة بصرف تعويضات لأصحاب المنازل التي احترقت في قرية النواهض بقنا في الأحداث التي وقعت بين عائلتين من المسلمين والمسيحيين.. فإننا كنا نود أن يعرج في عظته أمس الأول بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية علي أحداث العمرانية التي شهدت خروج أربعة آلاف شاب مسيحي في مظاهرة غير سلمية اعتدوا خلالها علي رجال الأمن وأصابوا العديد منهم تحت حجة وقف بناء كنيسة في المنطقة.. وكان من الممكن أن تشتعل هذه الأحداث أكثر وأكثر وتؤدي إلي كارثة خاصة وأنها حدثت في ظل أجواء انتخابية مشتعلة ومحمومة لكن الله سلم. لقد كان البابا لاذعاً في نقده لأحداث قرية النواهض عندما قال: "يعني إيه يتحرق 20 بيتاً في القرية؟! راحو فين رجال الأمن"؟! "أنا آسف علي اللي بيحصل وربنا يستر وتمر هذه الأمور بخير". ونحن من جانبنا نأسف مع البابا لوقوع هذه الأحداث.. ونطالب كما يطالب بتعويض المتضررين من أصحاب البيوت التي احترقت.. والقضية محل تحقيق ولاشك أن العدالة سوف تأخذ مجراها ضد المتسببين في الحريق. لكن أن يتجاهل البابا في نفس العظة أحداث العمرانية تماماً ولا يعرج عليها بأي كلمة متعمداً ذلك رغم خطورة ما حدث فإن هذا ما لا نرضاه من هذا الرجل الحكيم وما لم نتوقعه. لقد كانت الحكمة التي تعودناها من البابا حفاظاً علي سلامة هذا الوطن ولمصلحة الجميع أن يدين أحداث العمرانية ويؤكد أن ما حدث شيء خطير وغير مبرر مهما كانت الأسباب.. فلو فعل ذلك لكانت تلك رسالة أتت في موضعها ووقتها لمنع التفكير - مجرد التفكير - في القيام بمثل هذه التظاهرة غير السلمية مستقبلاً. وهناك سؤال مهم: ماذا لو خرج عدد مماثل من المسلمين أو مضاعف وقاموا بعمل أو مظاهرة مضادة لمظاهرة الإخوة المسيحيين فإن الخاسر الوحيد عندئذ سيكون الوطن بمسلميه ومسيحييه. ورغم ذلك مازلنا نحترم قداسة البابا وسنظل نحترمه ونقدر حكمته وبعد نظره في الحرص علي سلام المجتمع بعنصريه.