تحت هذا العنوان نشرت جريدة «كريستيان ساينس مونيتور» الأمريكية الشهيرة بتاريخ 10 فبراير لمحررها دان مورفي تحليلاً مطولاً عن الوضع في مصر وباقي المنظمة في ضوء سطو الاخوان المسلمين على الثورة في مصر ومحاولتهم هدم الدولة المدنية بها واقامة فاشية ترفع شعار الدين على أنقاضها وكان هذا المقال هو المقال الرئيسي على صدر صفحتها الأولى. يتساءل مورفي عما اذا كانت حكومة الرئيس مرسي تستطيع الاستمرار في السلطة، وماذا ستكون نتيجة صراعاتها على المنطقة التي تموج بصعود التيارات الاسلامية، ويستطرد قائلا ان المواطن البورسعيدي محسن الدمياطي يقف حزينا بجوار أحد مساجد بورسعيد التي شهدت مؤخراً اضطرابات عنيفة ضد حكم الرئيس مرسي، فقد قام الدمياطي قبل ذلك بساعات بتشييع جنازة أخيه محمد الذي قتلته الشرطة في اليوم السابق خلال سحقها لحركة الاحتجاجات، وحسب رواية الدمياطي فقد كان اخوه ضحية بريئة، حيث كان في طريقه لشراء لوازم لأسرته بعد غروب الشمس، ووسط الفوضى في الشارع نتيجة المظاهرات بدأ البوليس في اطلاق النار، وسقط شخص كان يقف بجوار أخيه محمد الذي حاول مساعدته فتلقى رصاصة في رأسه. والآن أصبح الدمياطي عدواً لدوداً لمرسي، كانت لديه شكوك قبلها في حكم مرسي نتيجة العنف الذي يتبعه ضد المتظاهرين، والآن اقسم الدمياطي أن يحارب حكومة مرسي بأي وسيلة يستطيعها حيث إنه كما يقول لا توجد عدالة فلن تخمد الاحتجاجات، ولن تنتهي الاضطرابات الا اذا حصلنا على حقوقنا وقد نموت ونحن نحتج ولكننا لن نموت وحدنا بل سنأخذ أكبر عدد منهم معنا. وتعتبر كلمات الدمياطي تذكيراً عنيفاً لمرسي باحدى حقائق التاريخ خاصة في الشرق الأوسط الحديث، فالوصول للسلطة شىء، أما مزاولة الحكم فشىء آخر، منذ سبعة أشهر فقط ألهم الرئيس وجماعة الاخوان البالغ عمرها ثمانين عاماً عدة حركات اسلامية من المغرب الى جنوب الفلبين، وبدا الامر كأن الاخوان فوق قمة السلطة والقوة، فقد أقسم مرسي يمين الرئاسة لأكبر دولة عربية وأصبح بذلك أقوى سياسي اسلامي في التاريخ في نظر البعض. وخلال السبعة عشر شهراً الأولى بعد سقوط مبارك سار الاخوان من نصر انتخابي الى نصر جديد، وتساءل الكثيرون عما اذا كان عصر سيطرة الاسلام السياسي على السلطة في المنطقة ليحل محل الدكتاتوريات العلمانية التي سيطرت عليها معظم سنوات القرن العشرين. أما اليوم فيبدو أن معظم هذا الحماس الاسلامي يتبخر، فشهور من المقاومة لحكم مرسي تبلورت أواخر يناير في احتجاجات عنيفة وجماهير غاضبة تحارب قوات الحكومة في معظم مدن القطر، وفي ميدان التحرير الذي أصبح رمز الثورة في القاهرة اشتد القتال بجوار الفنادق الفخمة، كما اندلع في السويس والاسماعيلية وبورسعيد الواقعة على قناة السويس التي تعتبر شريان الحياة بالنسبة للاقتصاد المصري. اضطر مرسي الى اعلان حالة الطوارئ في منطقة القنال وانزال الجيش للشارع مانحاً لرجاله سلطة الضبطية القضائية، كان العنف قد قارب حالة الفوضى بسبب الرفض لدولة يمثلها مرسي ويطالب أهلها بالقصاص للشهداء، وكانت الهتافات أن مرسي هو مبارك آخر له لحية، وطبيعي أن تهز هذه الاحتجاجات ثقة مرسي ومن حوله في أنفسهم، فقد كانوا يتوقعون أن يستقر الاخوان في السلطة بارتياح ويبدأوا في تحقيق حلمهم الذي طال انتظاره، وهو تشكيل مصر من جديد كدولة تتخذ من القرآن وليس من التاريخ الحديث مرجعاً لصياغة قوانينها ومؤسساتها، ولم يكن انعدام ثقة الاخوان - قادة مصر الجدد - في مؤسسات الدولة مثل قوات أمن الدولة شيئاً مقصوراً على مصر في المنطقة، كما لم تكن التحديات الضخمة في الاقتصاد والتعليم مقصورة عليها، ففي سوريا مثلاً أدت الحرب الأهلية الى تمزيق الدولة، واذا فاز الثوار في سوريا فلا يبدو احتمال قيام حكومة اسلامية سنية افضل مما هو الوضع في مصر. إن ما يحدث في مصر سيكون خارطة طريق وإلهاماً أو تحذيراً للجماعات الاسلامية من سوريا حيث تشمل الحرب الأهلية الدموية عدة ميليشيات اسلامية، الى كل من لبنان وليبيا، وفي تونس يسيطر حزب النهضة على الحكم، وهو الفرع الأكثر عملية من الاخوان في مصر داخل الحركة الاسلامية بالمنطقة. أما تركيا التي لديها حكومة اسلامية منتخبة منذ سنوات فهى ليست دولة عربية وهى مختلفة ثقافياً وتاريخياً عن جيرانها وبالتالي لا تصلح نموذجاً لهم. وعلى طول العالم العربي وعرضه فإن الحركات الاسلامية على طريق الصعود بعد عقود من القمع والتهميش مما يدفع التساؤل لدى البعض عما اذا كانت احداث سنة 1979 في ايران حيث حل الخوميني محل الشاه ممكنة التكرار بعد ثلاثين عاما في الدول العربية بمزيج سني هذه المرة؟ ستظل مصر أكبر جائزة ومنبعاً للحركات الاسلامية السياسية الحديثة، وستظل رأس الحربة في السلام البارد الذي ظل قائما منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد سنة 1978 ويظهر التوتر داخل مصر، كما تظهر حقيقة أن مرسي فاز بالرئاسة بنسبة 51٪ فقط مقابل 49٪ لأحمد شفيق رئيس وزراء مبارك السابق، تظهر هذه الحقائق أن ما يبدو صعوداً اسلامياً سنياً في المنطقة هو موضع معارضة ساخنة وتحد كبير، فهل سيقود الاخوان مصر لمدة حقبة من اليوم؟ وهل سيفعل حلفائهم الايديولوجيون في ليبيا وتونس أو سوريا نفس الشىء؟ هذا هو ما لا يمكن ضمانه بأي حال. في دوائر صنع القرار الامريكية تقابل كل هذه الاحتمالات بالجزع والارتباك بالنسبة عما اذا كان من الممكن قيام ديمقراطيات مستقرة في هذه المنطقة تحت قيادة جماعات مثل الاخوان المسلمين، وما اذا كان الوصول لاتفاقيات امنية طويلة المدى ممكناً أم أن المنطقة ستكون على حافة عصر جديد من المواجهة بين العرب والغرب، تقول تمارا كوفمان مديرة مركز سابان للشرق الاوسط بمؤسسة بروكنجز بواشنطن إن مصير مصر سيكون له أضخم التأثير على مصير المنطقة. وتضيف: أنه بالنسبة لأوباما ولأمريكا فإن مصر هى مكان التحدي الأكبر، ولكن الطبيعة الدقيقة لهذا التحدي غالباً ما يساء فهمها، فلنأخذ مثلاً مقارنة مع الثورة الاسلامية في ايران حيث تم اسقاط نظام قومي كامل بسقوط الشاه، وقام الخوميني وحلفاؤه بتصفية دموية لليساريين والعناصر الوطنية الأخرى التي شاركت في الثورة، أشعلت الثورة العداء لأمريكا وبريطانيا بالشعارات المعادية لهما، وقامت السلطة الجديدة على أساس مرشد أعلى شيعي من رجال الدين ومازالت هذه السلطة قائمة للآن. أما في مصر وتونس فقد ظهر شىء آخر تماما يسميه أوليفر روي الخبير في تاريخ الحركات الإسلامية: «ثورة مضادة محافظة تميل للغرب». وقد كتب روي في مجلة «نيوستيتمان» البريطانية في ديسمبر الماضي مقالا يقول: «فلنأخذ مصر مثلاً اذا كان الرئيس مرسي مرفوضاً في ميدان التحرير كمبارك آخر - وليس كخوميني جديد - فذلك لأن خصومه أدركوا أن هدفه في اقامة نظام ديكتاتوري بالطريق العادي وهو استمالة الجيش والسيطرة على أجهزة الدولة، وهناك شعور قوي جداً بعدم معرفة الاتجاه السليم لبناء علاقة مع مصر الجديدة كما يقول ستيفن كول خبير دراسات الشرق الأوسط بمجلس العلاقات الخارجية بواشنطن، فهناك تيار يقر بأن هناك تغييراً ضخماً حدث في مصر، وتيار آخر يريد ادارة الأمور بنفس الأسلوب القائم، ونقف عند هذه الفقرة من هذا التحليل العميق، لنعرض في الحلقة القادمة باقي التحليل عما يجري في المنطقة وفي مصر بالذات وآثاره المحتملة. نائب رئيس حزب الوفد