الدكتور الجنزورى من الشخصيات التى يحترمها الشعب المصرى ، ومتفق على وطنيته ونزاهته وحبه لمصر وسعيه الى تحقيق الاستقرار بكافة الوسائل المتاحة فى فترة عصيبة ومعقدة على اى رئيس وزراء فى ظل الصراع السياسى الذى تشهده مصر وتوابع الثورة المصرية ومشاكل الاقتصاد والامن ، وقد حاول بكل ما يمتلك ان يحقق نتائج فى هذين الملفين الملحين ، الا ان النتائج كانت لا تساعده كثيرا نظرا لعدم القدرة على التحكم فى الادارة وتغيير نظام الادارة التقليدى الى كفىء ، وهذا لن يتم الا بالاستغناء عن تشكيلات الحزب الوطنى المتواجدة فى كافة الوزارات والهيئات بغيرها التى تؤمن بفكر الثورة ولزوم التغيير ،وهذا ما لم يتم حتى الان ، فتغيير الوزاء لن يعطى نتائج الا اذا تم تغيير جزرى فى الهيئات التابعة لكل وزارة وبجرأة ، لكن لابد من مواجهة الحقيقة حتى نستطيع التغيير بشكل سليم وعلى اسس علمية مدروسة ، الحقيقة ان حكومة الجنزورى لم تحقق المأمول منها ، والعامل الرئيسى ليس شخص رئيس الوزراء بل الظروف التى عايشت الحكومة وعدم القدرة على التغيير . عدم وجود تخطيط وخطط عاجلة فيما يخص حل مشاكل المواطنيين فى قضايا المطالب الفئوية والبطالة والامن هو ما تسبب فى تلك النتائج ايضا ، وان التعامل بالجزئية وحسب الطارىء كان سببا فى ضعف الاستقرار فى المجتمع ، فكان من الممكن الاعلان عن برنامج وجدول زمنى لتثبيت كافة العمالة المؤقتة وبرنامج لتعديل الدخول وبرامج تخص النقابات وغيرها ، ووقتها كان يتضح امام كل مصرى ان حقه محفوظ وسوف يصل اليه دون الحاجة الى التظاهر او الاعتصام ، اما سياسية التعامل عفويا خلقت نوع من الفوضى وان كل شخص له حق يسعى لتحقيقه عن طريق المظاهرات ولاضراب ، لان المصريين لم يروا اى قرارا الا استجابة لفعل ، ولم يكن هناك قرار مسبقا ، وهذه امورا يجب ان تداركها الحكومة القادمة . حكومة الجنزورى هى حكومة تصريف اعمال ، حكومة انتقالية ، والاعراف السياسية فى كافة الدول ، ان الحكومة المؤقتة لها وظيفة مخصصة غير واسعة الصلاحيات ، وربما مصر لم تتعود على حكومات تصريف الاعمال او حكومات الانقاذ ، حيث تكثر تلك فى البلاد الديمقراطية التى يتنازع تشكيل الحكومة فيها عدة احزاب متقاربة نسبية فى المقاعد فى مجلس صنع الفرار " مجلس الشعب فى مصر " ، واكثر الدول العربية خبرة فى ذلك المجال هى لبنان ، وتشكل عادة حكومة تصريف " او تسيير " الاعمال لتنفذ الموقف السياسى المتشابك بين الاحزاب لتقوم بالاعمال التنفيذية لفترة محددة لحين تشكيل حكومة تعبر عن التوافق بين الاحزاب وتحظى بثقة مجلس التشريع ، حيث لابد ان يتملك الاحزاب المكونة فيها اغلبية فى المجلس ،وبالتالى يصبح لحكومة تسيير الاعمال مهام محددة وكلها تأتى من كلمة " تسيير اعمال " اى تسير - " بالتشديد على الياء " - اعمال الدولة وتلك المهام هى توفير الاحتياجات الضرورية للمواطنين والخدمات الازمة فى كافة المجالات ومتابعة العلاقات الخارجية دون احداث تغييرات تتطلب موافقة مجلس التشريع وفقا للدستور .فحكومة الجنزورى لا تملك الحق فى بيع اى ممتلكات للدولة او توزيع اراضى او اعطاء منح او عقد اتفاقيات استراتيجية او معاهدات امنية او خطط طويلة الامد او قرارات مؤثرة فى المستقبل ، ويقتصر دورها فقط على تسيير حياة المواطنيين وتوفير الاحتياجات الاساسية الضرورية الوقتيه ، وارجاء كل الاتفاقيات والتصرف فى اى ممتلكات للدولة الى حكومة تعبر عن اغلبية النتائج البرلمانية !! وبالتالى سوف يصبح بيع اراضى مبانى او توزيع اراضى على الخريجين او اتفاقيات مع الدول والمعاهدات مطعون فيه مسبقا ، وسوف يعاد النظر فيه من الحكومة الجديدة وسوف يسأل حكومة الجنزورى عن تلك الملفات !! العجيب ان حكومة الجنزورى تراخت او عجزت عن توفير البوتاجاز والعيش والامن وغيره من دور الحكومة المؤقتة الى قرارات سوف تخص الحكومة القادمة .علاوة على هذا عدم موافقة مجلس الشعب على اى قرار يصدر من حكومة الجنزورى يعتبر مشكوك فيه وسوف يعاد النظر فيه بعد ذلك ! حكومة الجنزورى ايضا حكومة جاءت بعد الثورة المصرية ، ولا تعبر عن الثورة ، كما ان معظم وزرائها هم من النظام السابق او اشتركوا فيه لمدد ، حتى ان الدكتور الجنزورى نفسه محسوبا على النظام السابق ، فقد عمل معه عدة سنوات ، كما ان تلك الحكومة لا تعبر ايضا عن نتائج الانتخابات الاخيرة لمجلس الشعب ، مما يضعف صلاحيات هذه الحكومة رغم ان الكثيريين من المصريين دعموا تلك الحكومة بهدف تهدئة الاوضاع السياسية المتشابكة بين التيارات السياسيىة ، لكن هذا لا يعنى الرضا التام عنها ، والحقيقة حكومة الجنزورى لم تفعل شيئا تجعل المصريين يتمسكون بها او يحزنون اذا تم تغييرها ، وربما ذلك للامانة يكون نتيجة ان صلاحياتها المكتسبة من المجلس العسكرى ضعيفة ، على الرغم من تصريحات الجنزورى فى بداية توليه الحكومة " انه يملك صلاحيات رئيس الجمهورية " ، وهذه العبارة تدينه كثيرا فى القصور فى عدة ملفات ومشاكل لم تفعل فيها الحكومة شيئا بل تواطت ، مثل محاربة الفساد والتغيير للقيادات ، والبطالة ، وارتفاع الاسعار ، والاحتكار ، وسوء الامن وانتشار البلطجة ، وانتشار جرائم القتل ، وعدم محاكمة الفاسدين او رموز النظام السابق ...وغيرها ، علاوة على الملفات فى العلاقات الخارجية التى لم تحقق مصر مكسبا واحدة فى حكومته بل جميع الملفات الخارجية تعقدت واخرها " عدم قدرة مصر فى الحصول على القروض من الخارج " ، وايضا " مسالة المنح الامريكية " ، فاين تلك صلاحيات رئيس الجمهورية التى تحدث عنها ، واذا كان ذلك حتى يتم تبرير عدم تدخل المجلس العسكرى فى الادارة للدولة فى فترة حكومة الجنزورى فيتعبر دليل واضح على فشل تلك الحكومة تماما ، وهذا يؤدى الى الاسراع الى حلها وتشكيل حكومة جديدة من الاحزاب فى مجلس الشعب لتكتسب قوية حقيقة من الشعب وتعبر عنه لانها جاءت عن طريق الانتخابات وليست حكومة معينة ، وبذلك تعتبر نقله كبيرة لمصر فى طريق الديمقراطية العصرية . يجب على الحكومة الحالية التركيز فى مشاكل المواطنيين اليومية الملحة فى توفير البوتاجاز والعيش وتحقيق الامن وتخفيف وطء البطالة والقضاء على البلطجية ، وتحقيق المطالب العمالية لتوفير دخل يومى يساعد تلك الاسر على توفير متطلبات الحياة ، اكثر من التركيز فى قضايا تعتبر من اختصاصات الحكومة القادمة ، فيجب وقف توزيع الاراضى الزراعية على الخريجيين او بيع اراضى المبانى ، او التصرف فى ممتلكات الدولة ، او عقد اتفاقيات يمكن تغييرها بعد فترة قليلة اذا تصادمت مع رؤية الحكومة القادمة ، الخلاصة " الاهتمام بما يخص حياة المواطنيين وتسيير اعمال الدولة " وهذا هو الاهم فى تلك المرحلة حتى يتم الانتقال الى المرحلة القادمة ، وفى النهاية ، بلا شك ان جميع المصريين سوف يتقدمون بالشكر لتلك الحكومة والجنزورى شخصيا على ما تم وعلى قدر امكانيات الحكومة المتاحة ، متنيين ان تكون الحكومة القادمة هى صاحبة التغيير الحقيقى الذى سوف يتحقق ويعبر عن الثورة .