منذ أكتوبر الماضى تتصاعد الاحتجاجات داخل مكتبة الإسكندرية من قبل عدد من موظفيها للمطالبة بإقالة د.إسماعيل سراج الدين مدير المكتبة ومجموعة من المديرين والمستشارين على خلفية اتهامات بالفساد ، إلى جانب كون د. إسماعيل - كما يقول الموظفون المحتجون - واحدا من رجال النظام السابق الذين ينبغى ألا يستمروا فى مناصبهم بعد ثورة طالبت بإسقاط هذا النظام . ولأن الحديث عن وقائع الفساد المالى والإدارى طغى على أى حديث آخر، لم ينل الجانب الثقافى حقه من الاهتمام، وهو الجانب الذى نتناوله بشيء من التفصيل فى هذا التحقيق, حيث يرى الموظفون المحتجون أن الدور الذى لعبته المكتبة فى الحياة الثقافية لا يتناسب مع الإمكانيات الهائلة التى أتيحت للمكتبة، وأن رسالة المكتبة اقتصرت فى كثير من الأحيان على تجميل نظام مبارك الاستبدادى من خلال استضافة رموز هذا النظام ومن ثم تحولت المكتبة فى نظرهم إلى واجهة لخدمة أهداف نظام مبارك . وتتمثل أهم مآخذهم على أداء المكتبة فيما يلى : الكتب والمراجع ..الكم والكيف يقول شريف مصرى رئيس وحدة بمركز المخطوطات وباحث دكتوراة فى الفلسفة الإسلامية: إن مكتبة الإسكندرية تُعانى من ضعف فى عدد ونوعية الكتب والمراجع المتاحة لجمهورها ، حيث لا يتعدى العدد المتاح للجمهور 700 ألف كتاب، وذلك بسبب النقص الحاد فى عدد المفهرسين داخل المكتبة مما يعطل وضع الكتب على الأرفف وإتاحتها للجمهور ومن ثم تظل هذه الكتب فى المخازن ، أما من حيث النوعية فيؤكد مصرى غياب سياسة واضحة تحكم عملية التزويد مما يؤدى إلى أن يكون الاختيار فى أغلب الأحيان عشوائيا لا سيما وأن من يقوم بعملية الاختيار أغلبهم من غير المتخصصين ويكفى أن القائم بأعمال رئيس قطاع المكتبات حاليا زميلة غير متخصصة فى علم المكتبات بل هى خريجة سياحة وفنادق ، فتكون النتيجة أن نجد اهتماما بعلوم على حساب علوم أخرى وهو ما يجعل الكثير من رواد المكتبة يشكون من النقص الشديد فى الكتب والمراجع المتعلقة بتخصصات مثل الطب والهندسة وبعض التخصصات الحديثة ، كذلك الحال بالنسبة للكتب التراثية . ثقافة "التيك أواى" أما فيما يتعلق بالفعاليات الثقافية التى تنظمها المكتبة فيقول مصرى: إنهم لا ينكرون وجود فعاليات مُميزة ولكن النسبة الأكبر من أنشطة المكتبة حفلات فنية وندوات ، وهو ما أسماه ثقافة اليوم الواحد أو"التيك أواى" التى تقدم من خلال ندوة مدتها ساعة أو ساعتين وهو ما لا يتناسب على حد قوله مع مؤسسة بحجم المكتبة . غياب معايير للتوظيف والترقى ويُشير مصرى إلى أنه فى ظل عدم وجود معايير واضحة تحكم عملية الترقى الوظيفى داخل المكتبة يعتمد الأمر على الأهواء الشخصية للمديرين وليس على الكفاءة , كما أن اعتماد المكتبة فى التوظيف على الوساطة يؤثر بالسلب على الأداء . اختزال المؤسسة فى شخص من جانبه يؤكد محمد شمس عُقاب إخصائى أول بمركز المخطوطات وباحث دكتوراة فى الأدب العربى عدم إمكانية الفصل بين الفساد الإدارى والمالى وأداء المكتبة كمؤسسة ثقافية لأن الفساد لابد أن يؤدى فى النهاية إلى إفشال أية مؤسسة ، ويضيف أن مكتبة الإسكندرية اختزلت فى شخص مديرها د.إسماعيل سراج الدين وأصبحت المؤسسة تدور فى فلك شخص واحد ، فإدارة الإعلام على سبيل المثال تصب جل اهتمامها على تغطية أخبار مدير المكتبة وقد تتجاهل تغطية بعض الفعاليات الهامة التى تقام بالمكتبة إن لم يكن د.إسماعيل مشاركا فيها ، ، كما أن إدارة الاستوديو سخرت لإنتاج برنامجه "صالون القاهرة" بدلا من استغلالها فى إنشاء قناة ثقافية مرموقة ؛ على سبيل المثال يمكن من خلالها الوصول إلى الجمهور المصرى والعربى ، ويضيف عقاب : "ومع غياب سياسة واضحة للنشر نجد أغلب إصدارات المكتبة يستحوذ عليها المديرون وعلى رأسهم سراج الدين ، بالإضافة إلى اختيار موضوعات ليست على درجة كبيرة من الأهمية منها على سبيل المثال تاريخ العائلة البطرسية فى مصر "، واصفا الفكرة التى يحلو للبعض الترويج لها بأهمية وجود د.إسماعيل على رأس المؤسسة بما له من ثقل دولى لكسب ثقة الدول الغربية والمؤسسات الدولية والقدرة على الحصول على منح للمكتبة بأنها مجرد وهم ؛وأكد أن هذه الجهات تهتم بإعطاء منح للمكتبة لكونها مكتبة الإسكندرية وليس لكون سراج الدين مديرا لها , مُشيرا إلى أن مصر مليئة بالكفاءات التى يمكن أن تشغل هذا المنصب وتدير المكتبة بشكل أفضل بكثير , فالمكتبة فى نظره أضافت لدكتور إسماعيل سراج الدين أكثر بكثير مما أضاف هو لها . تبنى ثقافة غربية ومخاصمة للثقافة العربية الإسلامية ويرى عُقاب أن المكتبة تتنصل من اللغة العربية والثقافة العربية الإسلامية بشكل واضح وصريح رغم أهمية أن نعتز بثقافتنا وهويتنا وألا نكون مجرد تابع للثقافة الغربية ، ومن مظاهر هذا التنصل كما يقول استخدام اللغة الإنجليزية بدلا من العربية فى مؤتمرات يحضرها مصريون وعرب , وعدم اهتمام المكتبة بإعادة إحياء منشورات مجمع اللغة العربية ولا بإعادة إحياء التراث العربى متسائلا : "لماذا لا تقوم المكتبة بإنشاء مركز لتحقيق التراث العربى رغم أنها تمتلك الموارد التى تُمكنها من ذلك ؟ مشيرا إلى أن بعض العناوين التى صدرت فى هذا الإطار تعتبر شاذة ونادرة ولا تخضع لقواعد معينة" . رؤية للإصلاح ويطرح الموظفون المعارضون للإدارة تصورهم للإصلاح من خلال عدد من المحاور يتمثل أهمها كما يقول شريف مصرى و محمد شمس عُقاب فيما يلى : (1) وضع سياسة ثقافية واضحة للمكتبة بعيدا عن أية اعتبارات سياسية ، يكون هدفها نشر الوعى الثقافى بين كافة طبقات المجتمع وفئاته لاسيما الطبقات الفقيرة ومحدودة الدخل ، والاهتمام بالمثقفين المهمشين لاسيما على مستوى مدينة الإسكندرية ، والذين أهملتهم المكتبة على مدار السنوات الماضية وركزت على الطبقات العليا ومشاهير المثقفين . (2) الاهتمام بإدارة التزويد ووضع سياسة واضحة ومحددة من خلال متخصصين لاختيار الكتب والمراجع التى يجب تزويد المكتبة بها وتوفير الميزانية اللازمة لذلك . (3) الاهتمام بالثقافة العميقة التى ترسخ فى العقل والضمير وتبنى الشخصية والتى تفتقدها المكتبة حاليا إذ تعتمد على ثقافة اليوم الواحد أو "التيك أواى" التى تقدم من خلال ندوات أو حفلات . (4) خروج المكتبة من حالة التقوقع التى تعيشها ووجود تنسيق حقيقى بينها وبين جامعة الإسكندرية وكذلك الاهتمام بدعم المكتبات الصغيرة سواء فى الإسكندرية أو الأقاليم المحيطة. (5) وضع معايير محددة تحكم عملية التوظيف والترقى الوظيفى داخل المكتبة . (6) وجود سياسة للنشر يقوم بوضعها مجموعة من المتخصصين والعلماء والمفكرين لتحديد ما تنشره المكتبة . (7) الحرص على أن تعكس المكتبة الروح المصرية وأن تعبر عن الثقافة العربية الإسلامية وهذا لا يمنع الانفتاح على الثقافات الأخرى ولكن دون الذوبان فى هذه الثقافات . جانب من الوقفات الاحتجاجية لموظفى المكتبة