تواجه خطة أوباما الخاصة بسوق الرعاية الصحية في الولاياتالمتحدة عقبات كالمعتاد. ولكن في هذه المرة، حكم قاضيان في محكمة الاستئناف الفيدرالية ببطلان جزء رئيسي في برنامجه المعروف ب «أوباما كير». وهو ما يعني أن النظام الدستوري الأميركي لا يزال يعمل بشكل طبيعي. وقد أبطل حُكم هيئة القضاة إصدار خصومات ضريبية من خلال شركات التأمين الصحي الفيدرالية في 36 ولاية، لكنهم أشاروا إلى أن القانون يتحدث فقط عن «شركات التأمين الصحي التي أسستها الولايات». وثمة مزاعم قوية بوجود غموض يكتنف القانون، لابد من توضيحه لكي تتمكن «مصلحة الضرائب» من تفسيره، لا سيما أن الغرض الواضح من القانون هو توسيع نطاق تغطية الرعاية الصحية. بيد أن هذه القضية توضح بشكل كبير الملامح الأساسية للنظام السياسي الأميركي، لاسيما تلك التي ينكرها التقدميون بشكل كبير: وبصورة خاصة أن الدستور مناط به كبح جماح القوانين الشمولية مثل «أوباما كير». فلماذا أسس الآباء المؤسسون حكومة فيدرالية بصلاحيات محدودة ومعدودة تاركين كل شيء آخر لحكومات الولايات و«الشعب»؟ ولماذا أنشأوا كثيراً من المؤسسات التي تواجه الأغلبية، وانتخابات متكررة في مجلسي النواب والشيوخ والمحاكم الفيدرالية؟ كانت كل هذه ضمانات ضد صعود ما سماه الرئيس الرابع للولايات المتحدة جيمس ماديسون ب «الأغلبية الجائرة صاحبة المصالح» التي قد تفعّل ثورتها ضد الأوراق النقدية أو إلغاء الديون أو تقسيم متساو للملكية، أو من أجل أي مشروع آخر شرير أو غير ملائم. وقد أدرك ماديسون أن «المشاريع المضللة» يمكن أن تنبع من نوايا طيبة وكذلك من نوايا خبيثة. وقد حمى الدستور الأميركيين من كثير من هذه المشاريع على مر السنين. وبالطبع، لم يخدم الميل المحافظ للدستور دائماً الدولة، فمن بين كثير من المشكلات القومية التي تفاقمت في غياب اتخاذ قرار حاسم، كانت العبودية هي الأسوأ وكذلك الرعاية الصحية الفوضوية. غير أن الدستور وتعديلاته وتفسيراته، التي قدمتها المحكمة العليا، أحدثت كثيراً من التغييرات الضرورية، بعضها تكميلية، لم يكن الآباء المؤسسون يتوقعون حدوثها أو أخطؤوا في تقديرها، مثل الأوراق النقدية. وقد اعتقد التقدميون أن انتخاب أوباما في عام 2008، إلى جانب مجلسي نواب وشيوخ «ديمقراطيين»، يقدم فرصة أخرى لإحداث تغيير اجتماعي شامل. لكنهم أفرطوا في تعويلهم على جمهور ناخبين مستقطب، وأساؤوا تقدير رد الفعل الحتمي؛ ذلك أن القوانين الشمولية بطبيعتها تثير الوضع الراهن وتحشد ضدها أصحاب المصالح. وقد حدث رد الفعل في العام الأول لأوباما في السلطة، كرد على حزمة التحفيز المالي وبالطبع «أوباما كير»، وفاض الحديث عن ذلك في كافة الأرجاء السياسية التي أسس لها الدستور، وتوجت في الاجتماعات الحاشدة المناهضة لقانون أوباما للرعاية الصحية، ثم انتصار المرشح «الجمهوري» «سكوت براون» في انتخابات مجلس الشيوخ الخاصة في ولاية ماساشوستس، بعد رحيل السيناتور الديمقراطي تيد كيندي، في يناير 2010. وربما أن معارضة «الجمهوريين» ل «أوباما كير» زائفة ولا عقلانية وانتهازية. لكن الدستور يدع لمجلس الشيوخ حرية صياغة قوانينه. وأما بالنسبة لمعارضة «الجمهوريين»، فمن الصادم أن التقدميين فوجئوا بها، فهل كانوا يتوقعون أن يسهل المعارضون تمرير القانون ل«الديمقراطيين» الذين أعلنوا أنه مفتاحهم للحصول على أغلبية سياسية دائمة؟ وربما بدا كل شيء مختلفا لو أن «الديمقراطيين» و«الجمهوريين» اجتمعوا على كلمة سواء، وعملوا بروح حلول الوسط، التي كان يأمل الآباء المؤسسون أن تكون «محلولاً سياسياً» تذوب فيه الاختلافات! نوع المقال: الولاياتالمتحدة الامريكية