من الطبيعي ان يهتم العالم، ويحلل ويتابع ما تقوله الصحف الاميركية الكبرى مثل النيويورك تايمز والواشنطن بوست، خاصة عندما يتعلق الامر باخطر المشاريع الكونية الاميركية، وهو الوجود في العراق، لكن ما يجري تداوله والحديث عنه، يخفي الجزء الاهم من الحقيقة، وهذا امر في غاية الخطورة، لان الاميركيين يطالبون ادارتهم بسحب قواتها من العراق، ويتحاشون بقصدية واضحة الخوض في جوهر الموضوع، اقصد انهم لا يتحدثون عن القوة الموجودة في الميدان العراقي التي تمكنت من افشال مشروعهم، وهي المقاومة في العراق، ومن الواضح ان الاميركيين لا يريدون الاعتراف بما يحصل لهم، ويذهبون ابعد من ذلك عندما يكرسون الحديث عن المطالبة بالانسحاب، حتى يبدو المشهد وكأنه قرار اميركي صرف. ان الحقيقة غير ذلك، فالديمقراطيون وكتاب الرأي والسياسيون، الذين يطالبون بسحب القوات، يبذلون الجهود لاعطاء تصور للرأي العام الدولي، ان الممارسة الديمقراطية في اميركا، هي وراء سحب هذه القوات، وبهذا يحولون الهزيمة العسكرية المنكرة، امام المقاومة في العراق، الى انتصار لما يسمى بالديمقراطية الاميركية، ولكن كيف بدأ تحرك هؤلاء للمطالبة بسحب القوات الاميركية، هذه الاصوات لم ترتفع حين غزت قواتهم العراق، بل ان غالبية هؤلاء فرحوا بانطلاق المشروع الاميركي، الا انهم توقفوا طويلا لمراقبة الهزائم الاميركية امام المقاومة العراقية، واعتقدوا ان تغيير الخطط والاستراتيجيات في العراق، وعمليات البطش والتعذيب والاعتقالات ضد العراقيين، ستغير من الميزان القتالي في ميدان الحرب، واستمعوا الى الكم الهائل من وعود رامسفيلد وبوش وغيرهم، لكنهم في كل مرة يكتشفون ان المركب يسير بقوة صوب الكارثة التي تلحق بالاميركيين، ثم تأكد لهم ان لا خلاص من الهزيمة الشاملة الا بالانسحاب من العراق، فانطلقت الاصوات في هذا الطريق، وهو طريق لم ترسمه الديمقراطية الاميركية، بل فرضته عمليات المقاومة العراقية وهجماتها اليومية، ودماء الشهداء. ان ما نسمعه من خطب وتحليلات ومناقشات في المجتمع الاميركي، لا يأتي على هذه الحقيقة، ولا يتجرأون على ذكر الحقيقة، ولا يقرون رسميا بان قواتهم تنهزم يوميا على ايدي مقاومة وطنية عراقية شرسة، ويركز هؤلاء في خطابهم الجمعي، على فشل الخطط التي رسمها طاقم الرئيس الاميركي جورج بوش، وقضية تمويل القوات، وقد يأتي البعض على مسألة الخسائر البشرية بين الجنود، اما الواقع فانه يؤكد ان سبب المطالبات بسحب القوات، هو ازدياد اعداد القتلى والجرحى والمجانين والمعاقين، الذين ترسلهم هجمات المقاومة في العراق يوميا، وحالة اليأس التام لدى الزعامات في اميركا من عدم القدرة على تحقيق أي تقدم، وثقة هؤلاء المطلقة بان مؤسسة المقاومة العراقية تزداد قوة وتنظيما كل يوم، وقواتهم تصاب بالشلل والهزيمة. اما الجانب الاخر من هذه القضية فيرتبط بموقف وسائل الاعلام العربية والكتاب وغيرهم، الذين يرددون ما يتدحث به الاميركيون ويأخذ ذلك اكثر من تسعين بالمئة من اقوالهم وتحليلاتهم، ولا يتحدث عن قوة المقاومة في العراق، التي هزمت الجيش الاميركي، وارغمت مؤسساته ووسائل اعلامهم للمطالبة بسحب القوات من العراق.