ليست المرة الأولى التي يتعدى فيها محمود عباس على القانون الأساسي الفلسطيني – بغض النظر عن رأينا في القانون- ، فلقد شهدت حوادث عديدة تجاوز الرئيس للقانون، وهو الذي أدى اليمين الدستوري على كتاب الله، حيث تنص المادة 35 من القانون الأساسي على: يؤدى الرئيس قبل مباشرة مهام منصبه اليمين التالية أمام المجلس التشريعي بحضور رئيس المجلس الوطني ورئيس المحكمة العليا (أقسم بالله العظيم أن أكون مخلصاً للوطن ومقدساته، وللشعب وتراثه القومي، وان احترم النظام الدستوري والقانون، وان أرعى مصالح الشعب الفلسطيني رعاية كاملة، والله على ما أقول شهيد). ولعل آخر هذه الخرقات تعيينه لأحد النواب من أعضاء المجلس التشريعي كمستشارٍ له للأمن القومي، وحديثنا هنا ليس شخصياً، بل قانونياً، وفق القانون ولمصلحة الوطن. ونحن مع الإخوة في حركة فتح في حق الرئيس تعيين من شاء مستشاراً له، ولكن ألم نعرف أن القانون يمنع ذلك؟! العجيب أن بعض الكتاب يبدي عدم معرفته بمعارضة ذلك للقانون، وكذلك بعض النواب و المسئولين، مما يجعلنا نشكك بنزاهتهم و عدم تحزبهم، وأذكرهم بقول الشاعر:
إن كنت تدري فتلك مصيبة و إن كنت لا تدري فالمصيبة أعظم
وقبل سرد مواد الدستور التي تمنع مثل هذا التعيين، نود التذكير بخروقات سابقة للرئيس للقانون أو روح القانون، وهنا نقول من باب التذكير لا الحصر: فتعيين النائب العام الحالي جاء مخالفاً للقانون، وكذلك تعيين رشيد أبو شباك مديراً عاماً للأمن الداخلي جاء مخالفاً للقانون، و التلويح بانتخابات مبكرة للمجلس التشريعي جاء مخالفاً للقانون، و اقتحام الجامعة الإسلامية من قبل حرسه جاء مخالفاً للقانون، وسماحه لوزير المالية السابق الحالي سلام فياض بصرف أموال من خزينة السلطة للدعاية الإنتخابية لحركة فتح منافٍ للقانون، وإصدار أوامر بتعطيل بعض قرارات الحكومة السابقة دون التنسيق المسبق معها، و خصوصاً بما يخص وزارتي الخارجية و الداخلية أيضاً مخالف للقانون، وعدم محاسبته لمن قاد الإنقلاب العسكري ضد الحكومة السابقة بصفته القائد الأعلى لقوات الأمن كذلك مخالف للقانون.....و غيره و غيره...
وبالرجوع لقانونية آخر خرق قانوني من الرئيس المتعلق بتعيين أحد النواب مستشاراً له ، فالقانون الأساسي ينص في المادة 38 على: (يمارس رئيس السلطة الوطنية مهامه التنفيذية على الوجه المبين في هذا القانون)، وهذا القانون في مادته السادسة ينص على أن (مبدأ سيادة القانون أساس الحكم في فلسطين، وتخضع للقانون جميع السلطات والأجهزة والهيئات والمؤسسات والأشخاص).. أما المادة 55 المعدلة من القانون الأساسي، فهي تنص على: (تحدد مخصصاتوحقوق وواجبات النواب والوزراء بقانون).
وبالإنتقال إلى قانون واجبات و حقوق أعضاء المجلس التشريعي و الذي يحمل رقم 10 و المقر في عام 2004 نجد المواد الثلاثة التالية: * مادة(7): لا يجوز للعضو تولي أية أعمال وظيفية أو استشارية لدى أية جهة كانت مقابل أجر.
* مادة (8): لا يجوز للعضو أن يكون عضوا في أي مجلس استشاري أو إشرافي أو إداري لأي من المؤسسات التابعة للدولة.
* مادة(9): فيما عدا منصب الوزير لا يجوز للعضو أن يجمع بين عضوتيه في المجلس وأية وظيفة في السلطة التنفيذية بما فيها وظيفة مستشار أو ما في حكمها.
هذا هو القانون الذي أقسم الرئيس و رئيس الوزراء و أعضاء المجلس التشريعي على تنفيذه، فهل من المعقول أن يحكمنا رئيس يقسم على احترام شيء لا يعرفه؟ وهل من المعقول أن يحكمنا رئيس لا يهمه قانونية قراراته من عدمها؟ أم أن رئيسنا لا يملك مستشاراً قانونياً!
فكيف يريد منا الرئيس أن نحترم القانون و هو لا يحترمه، حتى لو كان لا يعلمه، لأن عادةً عدم العلم بالشيء هو من باب عدم الشعور باحتياجه أو بقيمته.
الغريب أيضاً أن بعض النواب وهم من يمثل الشعب، والتي تكاد تنحصر مهمتهم بين التشريع و الرقابة لا يعرفون القوانين و خصوصاً القانون الذي يحدد واجباتهم و حقوقهم كممثلين عن الشعب، إذاً على أي قانون أقسم هؤلاء ليحافظوا عليه؟!
والأكثر غرابة أن يقف القانون و القضاء بمؤسساته المختلفة دون حراك و لا اعتراض، فإذًا ما هي مهمتهم؟
إذا كانت المؤسسات الأساسية الثلاث، القضائية و التشريعية و التنفيذية، هم أول المتعدين على القانون، فكيف سنحاسب الشعب و نفرض القانون؟
إن تأييد ذلك من قبل أعضاء حركة فتح نفسها، والسكوت عليه من قبل الكتل البرلمانية الأخرى و القوى المدنية و الأحزاب، وكذلك وجود كتاب - لهم أعمدتهم اليومية في الصحف – لا ينكرون أو يسكتون بل يؤيدون لهو دلالة على إنقلاب على الدستور و القانون بسبب عدم ارتياحهم من المعوقات التي و ضعها القانون لمنع الإنفراد بالرأي و هو تكريس للعقلية الثورية التي تنافي عقلية بناء الدولة والتي كانوا يلومون ياسر عرفات عليها.
لقد انبرى هؤلاء للدفاع عن الباطل حينما منعت وزارة التربية و التعليم تداول إحدى الروايات الهابطة في بعض ألفاظها و المحاربة للقرآن كونها بأسلوب عامي يبعد القارئ عن اللغة العربية الأصلية، وتحمل ألفاظاً تعارض أدب القرآن، بحجة الدفاع عن التراث، وهم أنفسهم الذين انبروا قبل الإنتخابات بحملة لتثبيت رمزية العلم، كان الهدف منها حزبي و فئوي، لكن لم ينبري أحد من هؤلاء من انتقاد حرس الرئاسة و مقرات الأجهزة الأمنية التي ترفع راية أحد الفصائل بجانب العلم الفلسطيني، وكذلك الحال على أسطح بعض الجامعات، بل على مقرات المجلس التشريعي!
يا سيادة الرئيس: عهد الشراكة السياسية الزائفة التي كانت تُمارس في منظمة التحرير قد ولَى، وليس أمام سيادتك إلا الاعتراف بالواقع و التعامل بحيادية، لأن عدم الشراكة الحقيقية في هذا الوقت معناه الدمار لهذا الشعب، وأذكرك بقول الله : "ويمكرون و يمكر الله و الله خير الماكرين"، "وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله".
يا سيادة الرئيس: التزم بالقانون كي يلتزم الشعب، وبر بقسمك كي يبر من هو دونك، و إلا فالبديل الفوضى وعندها أنت المسئول الأول و عليك وزر من هو دونك ولو كان كل الشعب!.