تقرير صادر عن وكالة الصحافة الفلسطينية "صفا" في ذكرى مرور ربع قرن على توقيع اتفاقية أوسلو المشئومة جاء فيه: "صفر كبير".. هذا ما حصده الفلسطينيون خلال ربع قرن من توقيع "إعلان المبادئ حول ترتيبات الحكومة الانتقالية الذاتية" بين الكيان الإسرائيلي ومنظمة التحرير الفلسطينية، المعروف باسم "اتفاقية أوسلو"، لكن في المقابل حصلت "إسرائيل" على اعتراف الممثل الشرعي للفلسطينيين بها، وإقراره بأحقيتها في 78% من أرض فلسطين التاريخية، ولم تكتفِ بذلك. الاتفاقية التي جرى توقيعها في 13 سبتمبر 1993 في حديقة البيت الأبيض بواشنطن بين رئيس منظمة التحرير آنذاك ياسر عرفات ورئيس حكومة الاحتلال حينها اسحاق رابين بإشراف ورعاية الرئيس الأمريكي بيل كلينتون، أثارت جدلًا واسعًا على الصعيد الداخلي الفلسطيني، لكن الإقليم والعالم دفع الفلسطينيين إليها لطمس قضيتهم. ونصت الاتفاقية على "نبذ منظمة التحرير الإرهاب والعنف (منع المقاومة المسلحة)، وحذف البنود التي تتعلق بها في ميثاقها، كالعمل المسلح وتدمير "إسرائيل"، كما نصت على أن "تعترف إسرائيل بمنظمة التحرير الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني، وتعترف المنظمة بدولة إسرائيل (على 78% من أراضي فلسطين)". ووفق الاتفاقية، فإنه "خلال خمس سنوات (أي في 1998) تنسحب إسرائيل من أراض في الضفة الغربية وقطاع غزة على مراحل أولها أريحا وغزة اللتان تشكلان 1.5% من أرض فلسطين". وأقرّت "إسرائيل" بحق الفلسطينيين في إقامة حكم ذاتي على الأراضي التي تنسحب منها في الضفة الغربيةوغزة، وإقامة مجلس تشريعي، وقوة شرطة، على أن يكون الاحتلال مسؤولًا عن حفظ أمن منطقة الحكم الذاتي من أي عدوان خارجي. بعد عودة منظمة التحرير إلى غزة وإعلان "سلطة الحكم الذاتي الانتقالي" (تسميتها في الاتفاق) كان جُل اهتمامها تثبيت أركان نظامها وإقامة المؤسسات السيادية، والتغلب على معارضيها، بينما كانت "إسرائيل" تُعد العدة لنقض الاتفاقية دون خوف، ولاسيما أنها ضمنت محاربة السلطة الوليدة لأي أعمال مقاومة، وفق ما نصت "أوسلو". "التهام الضفة" كانت أولى الثمار التي جنتها "إسرائيل" من الاتفاقية التخلص من مسؤولياتها كقوة احتلال للفلسطينيين أمام المجتمع الدولي، وفتح المجال أمامها للتحلل من إدارة شؤونهم والتفرّغ لتكريس الاستيطان وتوسعته وبسط سيادتها المطلقة في القدس المحتلّة. ضاعفت "إسرائيل" الاستيطان في الضفة الغربية المحتلّة والقدس بشكل هائل؛ فبعدما كان عدد المستوطنين بالضفة حين توقيع الاتفاقية 180 ألفًا بلغ اليوم نحو مليون مستوطن، أي بزيادة ضخمة بلغت أكثر من 555%. وخلال الأعوام الماضية، نجحت "إسرائيل" في تحويل مدن الضفة إلى "كيانات" منفصلة تُقطّعها الحواجز العسكرية والمستوطنات، وصادرت آلاف الدونمات من الأراضي لأسباب مختلفة، دون أن تجد رادعًا من السلطة أو تهديدًا جديًا من منظمة التحرير. كما صادر الاحتلال آلاف الدونمات من أراضي الفلسطينيين لبناء جدار الفصل العنصري الذي قطّع أوصال الضفة، وعقّد التواصل بين القرى والبلدات الفلسطينية، ونتج عن ذلك فقدان السلطة 60% (3500 كيلو متر) من مساحة الضفة البالغة نحو 5800 كيلو متر. تهرّب إسرائيلي نصت اتفاقية "أوسلو" التي جاءت في أكثر من 10 صفحات وتجاوزت كلماتها 2590 كلمة، على بنود تعهّدت "إسرائيل" بالالتزام بها وتنفيذها، وهو الأمر الذي لم يحصل خلال الأعوام الطويلة الماضية، رغم تحديد الاتفاقية لمواعيد زمنية دقيقة لتنفيذ البنود. ولعل أبرز ما تهرّبت منه "إسرائيل" في الاتفاقية اعترافها بالوحدة الجغرافية بين الضفة وغزة كما جاء في البند الرابع، إضافة لإيجاد ممر آمن لمرور الأفراد لربط غزة بالضفة، وهو ما سمحت به "إسرائيل" لمدة لم تتجاوز العام الواحد عام 1999 بشروط قاسية، بل عملت على تقسيم الضفة وغزة وتقطيع الروابط بين قراها ومدنها. كما أن البند السابع في الاتفاقية نصّ على حل الاحتلال "الإدارة المدنية" بعد إنشاء المجلس التشريعي الفلسطيني، وهو ما لم تفعله "إسرائيل" رغم تشكيل المجلس عام 1996م، بل ضاعفت من صلاحيات إداراتها المدنية وباتت سلطتها في الضفة الغربية أقوى من السلطة الفلسطينية. ونصّت الاتفاقية على انسحاب "إسرائيل" من مراكز المدن في قطاع غزة وأريحا خلال أربعة أشهر من توقيعها أي في 13/1/1994، وهو الأمر الذي لم يحصل بإرادة الاحتلال بل أجبرته المقاومة على تنفيذه في القطاع فقط عام 2005 بفعل ضرباتها، فيما لم ينسحب الاحتلال من الضفة الغربية بل ضاعف من وجود المستوطنات وصادر آلاف الدونمات من أراضي الفلسطينيين. وعدا عن ذلك؛ نجحت "إسرائيل" في تحسين صورتها أمام العالم بوصفها دولة تريد السلام وتسعى إليه، كما فتحت لها الاتفاقية المجال لبناء وتعزيز علاقاتها بعددٍ من الأنظمة العربية، إضافة لحصولها على مكاسب أمنية من خلال التنسيق الأمني مع أجهزة الأمن الفلسطينية. ولعل أبرز ما تحصّلت عليه "إسرائيل" من الاتفاقية تأجيل البت فيما سُمي "قضايا الحل النهائي"، وهي قضايا (القدس، اللاجئين، الاستيطان، الأمن، الحدود)، والتي ناضل الفلسطينيون عقودًا طويلة لأجلها. في المقابل، كانت السلطة الفلسطينية التي أنشأتها المنظمة بناء على الاتفاقية لإدارة شؤون الفلسطينيين ذريعة ل"إسرائيل" للتهرب من مسؤولياتها كقوة احتلال، إضافة لاستخدامها كأداة لملاحقة المقاومة بأيدٍ فلسطينية وفقًا للالتزامات الأمنية التي تعّهدت بها المنظمة في الاتفاقية. ورغم تهديد منظمة التحرير المتكرر بالانسحاب من اتفاقية "أوسلو" لعدم التزام الاحتلال بأي من بنودها، لم تتخذ السلطة الفلسطينية أي خطوة عملية تمهّد للانسحاب، وهو ما يثير تساؤلات عن جديتها في هذا الطرح. ورغم سعي السلطة للتمسك ب"أوسلو" خلال السنوات الماضية، برز رفض شعبي لها من خلال حراك جماهيري واسع شهدته الأراضي الفلسطينية خلال تسعينيات القرن الماضي وأوائل الألفية الثالثة، وبينما تَقَدُّم الشعب على قيادته، كان ينتظر خطوات إسنادية رسمية توازي تضحياته، وهو ما لم يحدث حتى اليوم.