بقلم:جواد البشيتي في العراق ولبنان، نرى "عدونا الحقيقي" يعمل في طريقة إنْ ظللنا نجهلها، أو نتجاهلها، فلن تنتهي مأساتنا إلا إلى إقامة الدليل على أن عدونا هذا ليس في منتهى الذكاء إلا لكوننا في منتهى الغباء، الذي تحتضنه فينا، وترعاه، عصبية من تلك التي سقوها بماء الحياة في العراق، وشرعوا يسقونها بماء الحياة في لبنان. عدوي الحقيقي أفهمه على أنه هذا الذي يقتلني، ويمعن في قتلي، أو الذي يعد العدة لقتلي. ولكن، ما رأيكم إذا قلت لكم أن عدوي الحقيقي ليس هذا فحسب، وإنما هو الذي، لفرط عدائه لي، يتولى، في الظلام، قتل خصومي، أو من تدعوني عصبيتي، المعمية لبصري وبصيرتي، إلى أن أنظر إليهم، وأعاملهم، على أنهم أعداء، أعداء الداء لي؟! إنَّ عدونا الحقيقي ليس هو الذي يقاتلنا، ويقتلنا، نهارا، في العراق ولبنان، فحسب، وإنما هو الذي، في الليل والظلام، يقوم (ولا تتوهموا أنه يقوم عنا) بقتل من ننظر إليهم على أنهم خصوم لنا، أو أعداء، مع أن بعضهم هو الصديق والحليف لعدونا الحقيقي الذي، لفرط عدائه لنا، لم يتورع عن قتلهم. في العراق، وفي مدينة الصدر "الشيعية"، لا تجادلوا كمن يجادل في نوع شجرة، فثمارها التي نراها تدل على نوعها. أقول هذا حتى لا يذهب بعضنا الذي تستبد بعقله السياسي، الذي ليس بسياسي، معتقدات مُنْتِجة للكوارث والمآسي، إلى نسب الجريمة، بعد إظهاره لها على أنها ليست بالجريمة، إلى غير فاعلها ومرتكبها الحقيقي والأول وهو الولاياتالمتحدة وإسرائيل. بعضنا هذا ينبغي له أن يحرِّر عقله ومشاعره من كل ما يمكن أن يحمله على النظر إلى الجريمة في مدينة الصدر على أنها جزء من عمل المقاومة العراقية (العربية السنية في المقام الأول) أو من عمل المحامين (كتنظيم "القاعدة") عن "أهل السنة" ضد "الشيعة" من عرب العراق،وضد حماتهم من الفُرس، فلو كان نبيا هذا الذي أثمر تلك الثمار (أي تلك الجريمة) لانتفت نبوته بعدها وبسببها. إنها ثمار لا تدل إلا على الشجرة التي جذورها الولاياتالمتحدة وفروعها إسرائيل، ولو تقنَّعت، من أجل إقناعنا بغير ذلك، بألف قناع وقناع، فلْنُسْقِط الأقنعة حتى نرى الوجوه التي تلبسها. وفي لبنان، ضحوا بصديق وحليف لهم، فقتلوه، إذ اعتقدوا أن دمه سيعود عليهم، وعلى كل من له مصلحة في الاستخذاء لمشيئتهم من قوى الرابع عشر من آذار، بربح سياسي وفير، فهم لا ديانة يدينون بها غير ديانة "الغاية تُبرِّر الوسيلة". كل لبناني له عين تبصر، وأذن تسمع، وعقل يميِّز النهار من الليل، لا بد له من أن يجيب على البديهة عن السؤال الآتي: من ذا الذي يمعن في قتل خصوم وأعداء سورية و"حزب الله" في لبنان؟ إنني أؤمن أن الشعب السوري يستحق أن يحكم نفسه بنفسه، وأن ينهي إلى الأبد اغتصاب السلطة الذي يعانيه؛ ولكن هذا الإيمان لا يقل عن إيماني بأن الولاياتالمتحدة وإسرائيل، ومن يسبِّح بحمدهما من اللبنانيين، هم الذين يتوفَّرون ويتضافرون على قتل أعداء وخصوم سورية و"حزب الله" في لبنان، بدءا بقتل رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، وانتهاءً بقتل بيار الجميل الحفيد. ومن أجل أن يُعْجِزوا عقول لبنانين كُثر عن القول بما يتَّفق مع هذه البديهية شرعوا يستنهضون في مواجهة "حزب الله"، وضده، عصبية تسمى "أهل السنة"، فإذا هم نجحوا في استنهاضها والزج بمن استعبدتهم في الحرب على "حزب الله"، والتي هي امتداد للحرب الإسرائيلية الفاشلة عسكريا عليه، سهُل على كل من هو غير جدير بالقيادة السياسية أن يقود، فما أصعب أن تكون قائدا لجمهور سياسي، وما أسهل أن تكون قائدا لجمهور يرى في من يخالفه المعتقد الديني عدوا! إنها صعوبة أن تخاطب العقل في مجتمعنا، وسهولة أن تخاطب الغريزة! إنني مع المحكمة الدولية الدولية، على أن يكون لديها من حبِّ العدالة ما يمنعها من تمييز دم من دم، فدماء مئات اللبنانيين التي سُفِحت بجرائم الحرب الإسرائيلية ليست بأقل أهمية من دماء الزعماء والوزراء، فلْتُدْرِج المحكمة الدولية، التي تعدل شرعيتها شرعية الحكومة اللبنانية، دماء أولئك بندا في جدول أعمالها، فالمتَّهم بجرائم الحرب تلك إنما هو حقيقي واقعي، وليس بافتراضي! وعلى كل من أراد أن يتعصَّب ل "أهل السنة" في لبنان، في سياق حرب الولاياتالمتحدة وإسرائيل وفرنسا المستترة، هذه المرة، على من أذاق الجيش الإسرائيلي طعم الهزيمة، أن يتعصَّب لهذا الرجل النبيل الذي يدعى سليم الحص في مواجهة تطاول السفلة عليه، وعلى ما يمثِّله من قيم فكرية وسياسية تنبذ خطابهم التحريضي، الذي يحاولون إظهاره لنا على أنه خطاب الحرية والسيادة والاستقلال.