ظهرت دعوات مشايخ العسكر إلى تحريم فوايد استثمارات قناة السويس إلى العلن منذ أيام وهو ما يؤكد محاولات السيسى للاستيلاء على تلك الأرباح. فمنذ افتتاح عبدالفتاح السيسي ل"تفريعة قناة السويس" بدأت دعوات "التبرع والاستغناء" عن أرباح شهادات الاستثمار بما يعرف بقناة السويس الجديدة تتزايد بشكل ملحوظ؛ حيث انتقلت الدعوات من الحملات الإلكترونية عبر مواقع التواصل الاجتماعي لمؤيدي السيسي، إلى الخطب المنبرية في المساجد على لسان مشايخ الدعوة السفلية بالإسكندرية وقيادات حزب النور. ويرى مراقبون أن الدعوات التي تخرج بين الحين والآخر لإلغاء أرباح القناة، يقف خلفها النظام الحالي في مصر؛ لأنه يرغب في تمهيد المسألة للرأي العام أولاً دون تبني جهة معينة للموضوع بشكل رسمي. ويؤكد المراقبون أن النظام الانقلابي أصبح في حيرة من أمرة وورطة حقيقة بعدما وعد أصحاب شهادات الاستثمار بربح سنوي 12%، وهي النسبة التي ستكلفه مليارات الجنيهات سنويا، ولا تتناسب مع حجم العائد من المتوقع من القناة، مما قد يجبره على التراجع عن تلك النسبة في الفوائد، أو الاقتراض من خزينة الدولة التي تشكوا الضعف والديون بالأساس. وكانت دعوات قد انتشرت منذ فترة على مواقع التواصل الاجتماعي للتنازل عن فوائد شهادات استثمار قناة السويس المحددة من قبل حكومة السيسي ب12%، بدعوى مساعدة الاقتصاد المصري، إلا أن تلك الدعوات تم إخمادها بعدما أثارت ضجة واسعة في الشارع المصري، خاصة بين أنصار السيسي الذين ساهموا في تلك الشهادات، إلا أن الدعوات ذاتها أعيد الحديث فيها مجددا بعد الافتتاح الرسمي للقناة أول أمس الخميس 6 أغسطس 2015. برهامى: تصدقوا بها لمصر وفي أول خطبة له بعد تجديد تصريح الخطابة له من مديرية الأوقاف بالإسكندرية أجاز ياسر برهامي -نائب رئيس الدعوة السلفية- التصدق بأموال وأرباح شهادات استثمارات مشروع قناة السويس الجديدة، كأحد سبل تخفيف الديون عن مصر، مشيرًا إلى فضل الصدقة عند الله تبارك وتعالى. وأكد "برهامي" -خلال خطبة جمعة بمسجد "الخلفاء الراشدين" بمنطقة أبو سليمان شرقي الإسكندرية- ضرورة الوقوف إلى جانب مصر خلال الفترة الراهنة، ومساندتها حتى تعبر أزمتها الاقتصادية الحالية. وشدد برهامي على أن الاهتمام بالعلم والتعلم وطلبه لتحقيق النهضة لمصر، لتواكب دول العالم، بالإضافة لدحر العلم لانتشار الفتن نتيجة الجهل، مشيرًا إلى أن العلم يحتاج لذوي الهمم العالية. الأرباح ربا محرم ويرى نشطاء ومغردون أن استخدام الفتاوى الدينية في تمرير أهداف حكومية أمرا بات مكررا بعد انقلاب الثالث من يوليو، وفي إطار ذلك حاولت الحكومة استخدام بعض الفتاوى الشرعية الصادرة من حزب النور السلفي لتمرير مسألة إلغاء فوائد قناة السويس لكنها فشلت في ذلك. وأفتى حزب "النور" السلفي بتحريم شراء شهادات الاستثمار لمشروع قناة السويس الجديدة، قائلاً إنها "حرام شراعًا، وإن الاستثمار فيها بمثابة "ربا فاحش" متفقًا مع ما أعلنته "الدعوة السلفية" بهذا الشأن، مستنكرًا موقف الأزهر ودار الإفتاء المصرية وصمتهما عن تحريم ذلك. وقال علاء شحتو، القيادي بحزب "النور"، إن طرح شهادات استثمار قناة السويس ذات فائدة، بمثابة "ربا فاحش" نظرًا لعائد الربح الذي يصل إلى 12% في الثلاثة أشهر. وأضاف -في تصريحات صحفية- أن الأصل في المعاملات المكسب والخسارة، أما المعاملات التي تجني أرباحًا فقط فتدخل تحت الربا التي نهى الشرع عنه، وهو ما ينطبق على شهادات استثمار قناة السويس الجديدة" بحسب قوله. وندد شحتو ب "مباركة" الأزهر والأوقاف لهذه الشهادات، مستنكرًا فتوى الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية الأسبق، والتي حث فيها المصريين على الإقبال على شهادات الاستثمار على الرغم من علمه بمخالفتها للشريعة. هاشتاج #مش_عايزين_فوائد وتحت شعارات مثل "مش عايزين فوائد" و"تحيا مصر" و"متنازل عن ربع فلوسي"، انتشرت صفحات على موقعي التواصل الاجتماعي فيس بوك وتويتر منذ مطلع العام الجاري، تدعو مشتري شهادات استثمار قناة السويس للتنازل عن الفوائد التي ستدفعها الحكومة عند تشغيل محور قناة السويس الجديد. ويبدو أن الدعوات مخطط لها بشكل جيد، فقد تزامن انطلاقها مع انتشار تصميمات لملصقات على صفحات فيس بوك وتويتر بأسماء مثل "حملة إلغاء فوائد شهادات استثمار قناة السويس الجديدة"، و"جمع مليون توقيع لإلغاء الفوائد.. حملة في حب مصر". ودعت حركة "نضال المؤيدة للسيسي" إلى "مظاهرات إلكترونية سابقة" عبر كتابة طلب إلغاء الفوائد على الصفحة الرسمية لعبد الفتاح السيسي والصفحة الرسمية لمجلس الوزراء. جس نبض وبحسب مراقبين فإن حكومة السيسي حريصة على ألا تصدر تلك الدعوات بشكل رسمي من قبل أحد المسؤلين، وتكتفي بتمريرها من خلال أحد من السياسيين أو المشاهير المؤيدين للسلطة أو أحد رموز الدعوة السلفية المتاصرين للسيسي، مما جعل مراقبين يرجحون أن يكون الأمر نوعا من جس نبض الرأي العام المصري حول مدى تقبل فكرة التنازل عن فوائد المليارات التي أودعها المصريون في البنوك لحساب المشروع الجديد. وربط عدد كبير من مشتركي فيس بوك وتويتر بين خطاب السيسي خلال الاحتفال بذكرى نصر 6 أكتوبر العام الماضي الذي قال فيه "المصريون لا ينتظرون مقابلا لمساعدة مصر"، وبين الدعوات لإلغاء الفوائد؛ أن السبب هو رغبة السلطة في تمهيد المسألة للرأي العام أولاً دون تبني جهة معينة. ورطة الحكومة ويرى يسري حماد -نائب رئيس حزب الوطن- أن السلطة الحالية "تورطت في مشروع محور قناة السويس على غرار تورط الرئيس المخلوع حسني مبارك في مشروع توشكى الذي وصفه بالفاشل، واعتبر أنها بدأت بالمشروع دون دراسة اقتصادية جيدة له، مما أدى بها لطرح سندات بفوائد مرتفعة لن تنجح في دفعها للمساهمين". وتابع "المشروع سيتكلف مبالغ أضخم من المعدة له، إذ إن ظهور المياه الجوفية على عمق ثمانية أمتار خلال عمليات الحفر تعني ضرورة استخدام معدات أكثر في وقت أطول". ورجح أن تلجأ الحكومة إلى "ابتزاز الهيئات والشركات التي اشترت سندات بمبالغ ضخمة كوزارة الأوقاف من أجل تنازلها عن الفوائد المقررة لها". أمر مرفوض قانونا وفيما يتعلق بالوضع القانوني لإلغاء فوائد شهادات الاستثمار، أكد أستاذ القانون بجامعة عين شمس رمضان بطيخ عدم قانونية الدعوة لإلغاء الفوائد. وقال إنه "لا مستقبل لتحقق أي دعوة من هذا النوع، كون الاكتتاب على الشهادات تمَّ بالفعل ولا يمكن لأي مساهم أن يقبل سحب فوائده". واعتبر بطيخ محاولة تفعيل إلغاء الفوائد عبر جمع توقيعات شعبية "محاولة فاشلة ولا قيمة دستورية لها، مشدداً على تورط الدولة في مأزق قانوني شديد حال مجاراتها تلك الدعوات". لكن رئيس المركز العربي للدراسات السياسية والإستراتيجية مختار غباشي، استبعد أن تلقى تلك الدعوات صدى "لدى المساهم الذي استقطبته الفائدة العالية للمساهمة في المشروع وكذلك لدى الحكومة، و السلطة الحالية ستفقد جانبا كبيرا من مصداقيتها حال الاستجابة لتلك الدعوات"، مؤكداً إدراك الحكومة خطورة إلغائها الفوائد من الناحية القانونية والسياسية. الأرباح طلعت فنكوش وكانت قناة "الجزيرة" الإخبارية قد عرضت تقرير يوضح حجم الفشل والخسار الذي حققه ولا يزال سيحققه مشروع فنكوش التفريعة الجديدة لقناة السويس، في ظل غياب تام لوجود دراسة جدوى للمشروع، واقتصار الموضوع على مجرد دعاية سياسية وهمية فقط. وقال التقرير إن المبلغ الذي تم اقتراضه من المصريين، كأفراد ومؤسسات من أجل إنشاء التفريعة، بلغ 64 مليار جنيه لأجل 5 سنوات بنسبة 12%، أي أن المبلغ المستحق كفوائد خلال 5 سنوات يصل إلى 38.4 مليار جنيه، أي أن التكلفة الإجمالية للمشروع ستقارب 102.4 مليار جنيه. وأوضح أن المبلغ المطلوب استعادته من المشروع ليكون ذا جدوى اقتصادية حقيقية هو رد قيمة ال64 مليار جنيه، إضافةً إلى 38.4 مليار جنيه قيمة الفوائد، هذا فضلاً عن 7% قيمة أرباح على المشروع؛ أي أن المطلوب من المشروع هو 110 مليارات جنيه خلال فترة ما بين 20 إلى 30 عامًا كاستثمار طويل الأجل. أما عن الكارثة الحقيقية فكشف التقرير أن العائد المتوقع من التفريعة، وبحسب ما أعلنت سلطات الانقلاب هو 100 مليون دولار سنويًّا أي ما يعادل 783 مليون جنيه سنويًّا، رغم أن ال100 مليون دولار تلك هي قيمة رفع رسوم العبور السنوية الطبيعة من قناة السويس بعيدًا عن أي مشاريع جديدة، ورغم ذلك فإن الاستثمار من المشروع يحتاج إلى 137 عامًا بفائدة 7% يكون ذوي جدوى اقتصادية.