جدل كبير حول إمكانية إتمام محاكمة الرئيس المخلوع في ظل الخوف الشعبي بعدم كفاية الأدلة المقدمة لجهات التحقيق القضائية لإدانة المخلوع، خاصةً بعد تصريح المستشار هشام جنينة بأن "أي محامي شاطر من الممكن أن يأتي بالبراءة لمبارك". يأتي ذلك التصريح في ظل غضب وفوران شعبي، فالثورة والثوار لا يرضون بأقل من أن يعدم مبارك ويلف حول عنقه حبل المشنقة، بل ويطالب البعض بأن يكون إعدامه في ميدان التحرير، ولكن القضاة يردون بأن القضاء لا يتأثر بالرأي العام، بل يحكم بما أمامه من أوراق وأدلة. المشكلة الرئيسية هي توافر الأدلة التي تدين الرئيس المخلوع؛ فالقضاء لن يحكم عليهم بالإعدام لمجرد رؤيته لفيديو أطلق فيه الرصاص على أحد المتظاهرين السلميِّين، بل يريد أدلةً ماديةً تثبت تورُّط الرئيس المخلوع بطريق مباشر أو غير مباشر في إصدار أوامر بإطلاق النار على المتظاهرين، فضلاً عن بقية التهم، مثل الكسب غير المشروع والفساد السياسي والاجتماعي الذي ألحقه هو ونظامه طوال الثلاثين عامًا الماضية. يرى البعض أن اثبات التهمة على مبارك ليست بمهمة سهلة، مثلها مثل استعادة أموال مصر المنهوبة والمهربة للخارج؛ فالرئيس المخلوع أخذ وقتًا كافيًا هو ورجاله في إزالة كل الأدلة التي تدينهم، ومنها تسجيلات المكالمات التي حدثت بينه وبين وزير الداخلية أثناء المظاهرات. وورد أثناء التحقيقات مع وزير الداخلية السابق قوله إن الرئيس المخلوع أمره بإطلاق الرصاص على المتظاهرين لفضِّ المظاهرات، ولو ثبت هذا الكلام فسوف يلقى مبارك تهمة الفاعل الأصلي، وهي الإعدام. ومن بين التهم الموجهة أيضًا للرئيس السابق هي نهب المال العام وتسهيل الاستيلاء عليه، بالإضافة إلى التهم التي ستوجه إليه قريبًا، وهي الفساد السياسي والتي سيحاكم بها عن طريق قانون الغدر الذي يعدُّ الآن حتى تتم محاكمته به، ولو ثبت ذلك فسوف يتم توجيه اتهام الخيانة العظمى له والإضرار بالمصالح العليا للبلاد وعقوبتها الإعدام أيضًا. وينتظر المصريون اللحظة التاريخية التي سوف يشاهدون فيها الرئيس المخلوع داخل القفص وراء القضبان، وحينها سيتأكدون أن الثورة تسير في طريقها الصحيح. استطلعنا آراء الخبراء وأعضاء لجنة الدفاع عن الضحايا؛ الذين استشهدوا أثناء الثورة؛ للوقوف على آخر تطورات القضية، ومعرفة ما إذا كانت الأدلة التي بحوزتهم كافية لإيصال مبارك لحبل المشنقة أم لا. توافر الأدلة بداية يقول جمال تاج الدين، أمين عام لجنة الحريات بنقابة المحامين: إن الرئيس المخلوع من الممكن أن يحصل على حكم بالبراءة ما لم يكن هناك أدلة أو تسجيلات ثبت تورطه المباشر في إصدار الأوامر بقتل المتظاهرين وليس هناك، إلا أنه كان رئيس الجهاز الأعلى للشرطة. ويضيف أن أذناب النظام السابق هم الذين أعدوا أوراق القضية، والمسئولية هي مسئولية النائب العام، مشيرًا إلى أنه من المفترض فى حالة فشله أو وجود قصور في الأدلة عليه أن يخرج ويعلن عن عجزه عن جمع الأدلة، ويعلن عن الجهات التي ترفض التجاوب معه وتنفيذ طلبات النيابة. إلى أنه من حق هيئة المدعين بالحق المدني أن يطلبوا أي شخص للشهادة بالثبوت أو بالنفي، ومن حق المحكمة ألا تستجيب لذلك الطلب إذا ارتأت أن الشهادة غير مؤثرة أو أن الشاهد متورط في القضية. ويؤكد أن مبارك سوف يحضر المحاكمة بناءً على مصادر مطلعة قد أكدت له ذلك، وأنه سيحضر على كرسي متحرك مجهز بأجهزة طبية خاصة، وسيتم تصويره لإيصال رسالة للشعب أن الثورة تجري في مسارها الصحيح. ويضيف أن عدم حضوره يعني إخلالاً كبيرًا بالقوانين، والمجلس العسكري يدرك ذلك جيدًا فهو حريص على أن تتم المحاكمة بحضور مبارك. ثغرة قانونية ويقول محمد الدماطي، القائم بأعمال وكيل نقابة المحامين: إن التحقيقات التي تمَّت قد جرى سلقها من قبل النيابة والمباحث الجنائية والرقابة الإدارية ومباحث الأموال العامة، موضحًا أن معظم هؤلاء متورطون في قضايا فساد فهم رفقاء درب لرجال النظام البائد الذين عيَّنوهم في أماكنهم، وبالتالي فهم مرءوسوهم، ومن غير المنطقي أن يحاكموهم الآن. ويعتقد أن هذه الأدلة التي جمعتها النيابة واهية وضعيفة؛ بحيث من المرجح إن لم تقم المحكمة بإعادة التحقيق في القضية سيأخذ مبارك حكم بالبراءة، مشيرًا إلى أنهم سوف يقومون بعدة إجراءات لسد هذه الثغرة، منها طلب إعلان المادة 11 من قانون الإجراءات الجنائية؛ حتى يتم إدخال متهمين جدد أو إضافة وقائع جديدة للقضية. ويوضح أن المتهمين بارتكاب الجريمة هم من قاموا بالاشتراك أو التحريض أو الاتفاق، مشيرًا إلى أن كل هؤلاء الموجودين على مسرح الجريمة لا يكفي عقابهم. ويضيف أنهم سوف يتقدمون بطلب للمحكمة لتقديم كشوف الخدمة للضباط الذين وجدوا على مسرح الحدث في الأيام التي حدث فيها القتل من بداية اليوم الأول الذي حدث فيه القتل في السويس؛ لأن هؤلاء هم الفاعلون الحقيقيون؛ فحتى الآن لم يقدم فاعل أصلي؛ فالمطلوب هو أسماء القناصة الذين أطلقوا النار على المتظاهرين. ويؤكد أنه في حالة عدم تقديم تلك الأسماء على الدائرة أن تحيل الوقائع إلى أحد أعضائها للتحقيق من جديد أو تحيل كل الأوراق مرة أخرى للنيابة العامة للتحقيق فيها من جديد بناءً على المادة 11 من قانون الإجراءات الجنائية، ثم بعد ذلك تحال القضية إلى دائرة أخرى. ويضيف بأنهم سوف يطلبون تعويضًا مبدئيًّا قدره 10 مليار جنيه من المتهمين؛ باعتبارهم مسئولين عما حدث للضحايا، غير مستبعد طلب شهادة المشير طنطاوي شخصيًّا؛ فمن حقهم أن يطلبوا أي شخص للشهود بالثبوت أو النفي في القضية. ويؤكد أنه في حال عدم حضور مبارك لأول جلسة سوف يطلبون التأجيل، مشيرًا إلى أن المختص بتقديم التقرير الطبي عن المتهم ليس فريد الديب، محامي المخلوع، ولو شكَّت المحكمة في صحة التقرير الطبي فسوف تشكّل لجنة طبية لإجراء الكشف على المتهم مرة أخرى. فتح التحقيق ويقول المستشار أحمد مكي، عضو المجلس الأعلى للقضاء سابقًا، أنه من الصعب على أي قاضٍ أن يفصل في قضية لم يرها ولم يسمع بها ولا ينبغي له ذلك، ولا أستطيع الحكم أيضًا على قضية من واقع تحقيقات النيابة حتى لو كان هناك قصور في القضية؛ فمن واجب المحكمة أن تعيد التحقيق في الواقعي أمام الناس لو كان هناك نقص فى المعلومات. ويضيف أنه من واجب الخصوم أن يحافظوا على حضور المحاكمة، وأن يطلبوا التحقيق من جديد فيها، معبرًا عن أسفه من أهالي الشهداء بدلاً من أن يساعدوا في إيجاد الشهود ويقدموهم للمحكمة فإنهم يرددون فقط الهتافات ويضربون المتهمين. ويؤكد إمكانية طلب سماع شهادة المشير حسين طنطاوي، رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة، خاصةً أن المشير كان قد أعلن أنهم رفضوا ضرب النار على المتظاهرين. التطهير ويقول المستشار محمد عوض القاضي بمحكمة جنايات القاهرة إنه لا يعتقد أن مبارك سوف يأخذ حكمًا بالإعدام، وأقصى ما يمكن أن يحكم عليه به هو السجن المؤبد، والأدلة ظاهرة عليه؛ باعتباره رئيس الجلس الأعلى للشرطة، وهو مسئول عن تصرفاتها بمسئولية تضامنية، مضيفًا أنه إذا ما ثبت أن مبارك قد أصدر أمرًا شفهيًّا أو مكتوبًا بالقتل فإنه في هذه الحالة سوف يكون مصيره الإعدام. ويرى أن القاضي لا يحكم سوى بما هو موجود لديه من الأدلة والأوراق والملفات؛ فهل مبارك كان على علم بالقتل إن كان مسئولاً عنه؟! ويقول إن أي شخص قد تقبل شهادته ويطلب لها، ولكن المفروض ألا نركز اهتمامنا على حسني مبارك، وألا نعطي القضية أكبر من حجمها ولا نجعلها مادةً إعلاميةً جديدةً؛ حتى لا نقع في أفخاخ النظام السابق التي كان يفعلها، مثل قضية سوزان تميم، فالقضية سوف تأخذ وقتًا طويلاً نظرًا لكثرة التهم الموجهة إليه. فعلينا أن ننشغل أكثر بالتطهير وإسقاط بقية نظام مبارك لو أننا بنينا قبل أن يحدث هذا التطهير سوف يكون أمرًا خطرًا جدًّا على الثورة.