من فضل الله عز وجل أن أثبتت الأيام والأحداث صحة ما كنت قد ذهبت إليه منذ تصاعد حالة الاحتقان السياسي في مصر في أعقاب الثلاثين من يونيو 2013 عندما تحدثت عن أن الكتلة الصلبة في كلا الطرفين لن تبقى طويلا إذ ستشهد كتلة كل طرف حالة من الصراع والتشرذم وهو ما أسميتها حينها بمرحلة "تقطيع الهدوم" وهي حالة على الرغم من أن لها إيجابيات تتمثل في كونها ورقة ضغط تؤكد لدى كل طرف أنه ليس بمقدوره أن يحقق النصر دائما إلا أن لها سلبية شديدة ذلك أنها تساهم في تعقيد الموقف وفقدان القدرة للسيطرة على مكونات كل فريق فتتباين المواقف وتتعدد ما بين معتدل ومتشدد ومن ثم لم يعد سهلا الخروج بموقف موحد يعبر عن هذا الطرف أو ذاك. في اعتقادي أنه لم يعد صعبا رصد هذه الحالة فيما يتعلق بكتلة 30 يونيو فقد بات الأمر أوضح من نور الشمس تعكسه التصريحات الخاصة برموز هذه الكتلة حيث سهام النقد اللاذعة التي يوجهونها للسلطة من مثل حديثهم الدائم عن مصادرة الحريات وتهاوي الطموحات وتدني الأوضاع الاقتصادية وفتح الباب على مصراعيه للانقضاض على ثورة يناير وتشويه رموزها وعودة رجال مبارك. ويشهد الجميع أن الفجوة قد اتسعت إلى حد كبير بين مكونات معسكر 30 يونيو إلى الدرجة التي فقد فيها بعض رموز هذه المكونات حريتهم بعد أن تمت محاكمتهم وفق قوانين يفترض أنها جاءت بالأساس لتستهدف أبناء المعسكر المناوئ للثلاثين من يونيو فيما هاجر آخرون خارج البلاد خشية البطش بهم واللحاق بمن سبقهم داخل السجون. أما معسكر الرافضين للسلطة فحدث عنه أيضا ولا حرج فلم يعد خافيا ما انتابهم من تشرذم وصراعات ليس بين مكوناته فحسب بل إن هذا النزاع امتد لداخل كل مكون على حدة. لقد تواصل معي مؤخرا صديق إعلامي يعمل مقدما للبرامج في واحدة من القنوات التي تبث من تركيا وقد أكد لي أن ما تحدثت عنه سابقا أصبح واقعا مريرا يستشعره كل من يعيش خارج مصر بل وزادني بيتا من الشعر عندما تحدث عن أنه يستشعر أن البعض تحول إلى تجار ثورة لم يعد يشغلهم حال الناس الغلابة في مصر بقدر ما يشغلهم التسخين والتصعيد. آلمني بالطبع ما حدثني عنه هذا الصديق وإن كنت قد توقعت حدوثه إذ لا يشعر بالنار إلا من احترقت يده بها أما هؤلاء الذين يسكنون الفنادق ويعيشون حياة الرغد فهم أبعد ما يكونوا عن الشعور بأحوال الناس وهمومهم وإن ظلت هذه الهموم هي وسيلتهم لاستمرار ترويج بضاعتهم وسلعتهم. لست في مقام تقييم نيات الناس أو إصدار أحكام عليهم كما أنني لست ممن يعطون أنفسهم حق منح الآخرين صكوك الوطنية لكن الذي يعنيني بالدرجة الأولى أن أعبر – وفق تصوري وبناء على مخالطتي للناس - عن قطاع كبير من الشعب المصري الذي أضحى يطوق ليل نهار إلى أن يشعر بالاستقرار وأن يحلم بغد آمن وأن يرى ولو ثقبا من ضوء ينير له الطريق داخل هذا النفق الذي تشتد ظلمته يوما بعد يوم بعيدا عن صراعات سياسية أو أيدلوجية أو تاريخية إذ أدرك بحسه الفطري أن بقاء هذا الصراع هو السقوط في الهاوية وربما النهاية بعينها. الشارع يعي الفاصل بين الحق والباطل ويميز بين الصواب وبين الخطأ لكنه يدرك أيضا أن تحقيق الحق يحتاج أحيانا إلى أن يسلك أهله طريق الحكمة والتأني والصبر دون صراخ أو عويل حتى يحافظ ولو على الحد الأدنى من مكتسبات وطنية تحصل عليها من تراكم خبراتي عبر قرون شكلت في النهاية واقعا سياسيا وثقافيا واجتماعيا له سمات خاصة بمصر والمصريين. قلت ولا زلت أردد أن ما مرت به مصر مؤخرا كان الأسوأ في تاريخها وفق ما تعرفنا عليه من صفحاته ومن ثم فإن كل دقيقة نعيشها في ظلال هذه الحالة لهو زحف إلى حافة الهاوية لذا وجبت على كل عاقل أن يصدر صرخة مدوية بكل ما يملك من طاقة لعلها تحرك الضمائر اليقظة فتنهض من غفلتها لتشارك في تضميد الجراح وبعث الأمل من جديد. وكتبت من قبل ولزاما أن أكرر أن حالة الاستقطاب السياسي الحاد أخطر أثرا من الحرب الأهلية ذلك أن الحرب الأهلية تقسم البلاد والعباد وفق تقسيم طائفي أو مذهبي أو عرقي أو حتى جغرافي أما الاستقطاب السياسي الحاد فإنه يقسم كل بيت ويفرق الناس ويشتتهم حتى لو كانوا أبناء أب واحد وأم واحدة. أدرك كما يدرك كل عاقل أن ما أحمله من رسالة - أرى أن ما تتضمنه هو الأصوب والأكثر تحقيقا للخير لبلادنا وأبناء وطننا - سيلقى الكثير من الهجوم والنقد وربما التخوين أو التكفير من كلا الطرفين لكنني عاهدت الله عز وجل أن أنطق دائما وأكتب ما دمت حيا ما هداني الله عز وجل إلى أنه الخير وأنه الحق لا أخشى في الله لومة لائم وكلي أمل أن يكون لكلماتي صدى.. وللحديث بقية..