قبل الولوج إلى المقال أحتاج إلى بيان براءتي من فعال المجلس العسكري التي تتوزع ما بين سوء الإدارة ، ووحشية التعامل مع الأحداث ، ومداهنة الفلول ، والطمع في السلطة ، وغير ذلك من المآخذ. ثم أشرع في موضوعي وهو ظاهرة التدثر بثياب الثورة لاستباحة كل شيء. فأقول: كن ثوريا لتصبح معصوما فتأخذ كل أفعالك وتصرفاتك صفة الملائكية ، ولا يقدر أحد على تفنيدها أو حتى نقدها، وإلا ستنصب عليه اللعنات وتوجه إليه الاتهامات في دولة الفيسبوك والفضائيات. كن ثوريا لتظهر أمام الناس بمظهر المجاهد المناضل وإن كنت قبل أشهر من حملة مباخر النظام المستبد ، فإنك إن زعمت نفسك ثوريا لم يكن لأحد الحق أن يفتش في ماضيك ويقرأ من خلاله دوافع تصرفاتك وتهييجك، وإثارتك للقلاقل كلما بدأت درجة حرارة الأحداث في الانخفاض. كن ثوريا لتمارس الاستبداد السياسي باسم الثورة ويصبح اجتهادك السياسي المحض ، وموقفك الشخصي من حدث ما ، ربما لا يوافقك عليه فصيلك السياسي، فضلا عن بقية الشعب المصري- يصبح هو مطلب الشعب وصوت الجماهير وإرادة الثورة! كن ثوريا ليتيح لك ذلك أن تبقى ضيفا دائما على الفضائيات تعرض المطالب وترد على المخالفين، وتحضر المؤتمرات ، وتتلقى الجوائز الدولية ، وتربح الدعم ، وليسقط من ضحايا استقطابك من الشباب المتحمس في ميدان المواجهات مَن يسقط، وليفقد عينه من يفقد، فكل شيء يهون في سبيل أن تبقى أنت في دائرة الأضواء التي ستنطفيء عنك إذا جاء الاستقرار. كن ثوريا لتستعين بالبطلجية وأطفال الشوارع في الهجوم بالموتولوف والحجارة على أفراد الجيش أو المنشأت العامة ، وإن سئلت صرحت تارة بأنهم تابعون للجيش، وتارة بأنه لا دخل لك بهم وأن إثمهم على النظام السابق الذي ضيعهم ، وثالثة بأنهم ثوريون مثلك، ولا يعنيك كثيرا أن يتميز صفك عن صف البلطجية ، وأن تتغاير فعالك عن فعالهم. كن ثوريا لتمارس سلوكك الصبياني في الاعتصامات بمناسبة وبدون مناسبة ، حتى تصبح هذه مسلاتك ، فتعطل مصالح المواطنين ، وتقطع لقمة عيش أناس كثيرين حيث حللتَ ، بل تطعن مراهقاتك هذه أو أجندتك في ظهر الاقتصاد المصري يوما بعد يوم ، حتى ليوشك الوضع أن يصل إلى كارثة ، وأنت عن ذلك غافل أو متغافل، وهل يعنيك ذلك في شيء ما دمت تأخذ أتعابك أولاً بأول ؟ كن ثوريا لتؤمي إلى الشباب بأن يقابلوا عنف أفراد الأمن أو الجيش بمثله أو أشد ، ويقابلوا البذاءة والألفاظ الخارجة والإشارات النابية بأقبح منها ، وربما بدأوهم بذلك، ولا يجرؤ أحد على انتقادك؛ لأن انتقاد سلوكك هو انتقاد للثورة ، وخيانة لها ، وقد أصبحتَ – هنيئا لك- أنت الثورة والثورة أنت.