منذ سنوات طويلة أيقنت أن الممثل المصرى مسكين ومتواضع الإمكانيات وضعيف وبليد (لنعتبر أن هذه درجات). فهو يتحمل مسؤولية ليست من اختصاصه، ويدفع بنفسه إلى مسارات لا تخدم موهبته أو تنمّى إمكانياته المهنية، إما بسبب فهمه الخاطئ لكلمة «نجم»، أو انعدام موهبته التى يجب أن يعوضها بأشياء أخرى، أو انزلاقه إلى طريق العظمة السياسية باعتباره ممثلا عظيما وسياسيا بارعا وحزبيا أريبا وثوريا نادرا وزير نساء لا منافس له. لم يفلت من هذا المصير أى ممثل فى مصر، بداية من الممثل الكوميدى عادل إمام وانتهاء بقُفّة الممثلين الثوريين، مرورا بكومبارسات البارات الذين أدوا دورا أو اثنين وبدؤوا يعيشون النجومية فى المراقص والحانات كحالة ثورية من جهة، وكاستكمال لحياتهم المتبلدة وبلادتهم المهنية من جهة أخرى. هذه الفئة الأخيرة لا تهمنا، لأنها كما بدأت ستنتهى فى تلك الأماكن أو إلى جانب أبطال روايات «وسط البلد» من مدمنى «الكُلَّة». وجاءت الثورة لتفضح الممثلين المصريين وتكشف عن أقبح الوجوه التى يمكن الكشف عنها إلى جانب وجوه الأجهزة الأمنية والعسكرية ونجوم وكوادر الأحزاب العتيقة والجماعات الفاشية. هكذا شكلوا القوائم السوداء للمثقفين والممثلين وغيرهم. غير أن هذه القوائم لا تهم أحدا إطلاقا. فهى معروفة من قبل الثورة، والأشخاص الموجودون فيها لا يهتمون بها لأنهم كانوا يعملون جيدا قبل الثورة، وما زالوا يعملون بعد الثورة. وقد يصبحون نجوم مرحلة الحكم العسكرى القائم على تحالف الإخوان المسلمين والوفد وفلول الحزب الوطنى وتجّار الخردة والقنوات الفضائية الجدد. المثير فى الأمر أن بعض الممثلين بدأ يظهر بين الحين والآخر لينفى تهمة أو يبرر تصرفا من تصرفاته فى علاقته بالثورة والجماهير الأبية. والبعض الآخر بدأ يظهر كنجم سياسى -ثورى- جماهيرى أكثر من كونه نجما أو حتى كومبارسا فنيا. من حق الممثل أن يعيش كمواطن له رأيه فى ما يجرى ليس فقط فى بلاده، بل فى كل شؤون العالم. ومن حق الناس أن ترى فى هذا الممثل أو ذاك انتهازيا أو بليدا أو عديم الموهبة. من حق الممثل أن يختار الدور الذى يتلاءم مع إمكانياته أو رغباته (هذا إذا توافقت الرغبات مع الإمكانيات). ومن حق الناس أن ترى أداءه لهذا الدور جيدا أو سيئا. من حق الممثل أن يختار أيضا الدور الذى يجب أن يؤديه فى الحياة. ومن حق الناس أن تتعامل معه كممثل أو انتهازى أو بلطجى. من حق الممثل فى نهاية المطاف أن يمثل الدور الذى يعجبه، ولكن ليس من حقه إطلاقا أن يمسك رؤوس الناس وآذانهم ليشرح لهم أبعاد ذلك الدور العظيم التى لم يتمكن من تنفيذها كلها لأسباب تخص السيناريو والإخراج والإنتاج. الفكرة ببساطة أن الممثل المصرى فى السنوات الكثيرة الأخيرة أظهر أمية فنية وثقافية ومهنية رفيعة المستوى. وأصبحت الهوة شاسعة بينه وبين الناقد الفنى النظرى الذى بات يحمّل هذا الممثل أو ذاك فوق طاقته بإطلاق الألقاب التى ليس لها علاقة بالفن من بعيد أو قريب. وقد تكون وسائل الإعلام الرخيصة هى المذنِب الأول فى إضافة ألقاب من قبيل «الفنان الجماهيرى» و«المثقف الثورى» و«النجم العالمى» و«الفلتة الإقليمية». فالممثل الذى يؤدى دور مواطن شريف فى فيلم حول الفساد يصبح بطلا شعبيا وسياسيا خطيرا. وفجأة يظهر على صفحات الجرائد وفى برامج «التوك شو» ليتحدث عن ضميره السياسى ومشواره الثورى ومعاناة الجماهير العريضة. ويتحول الممثل بقدرة قادر إلى كادر سياسى ومحرض للجماهير، بينما هو متواضع فنيا وثقافيا وسياسيا. وينتهى الأمر بالممثل أو الممثلة على شاشات التليفزيون وهو يهلفط بكلمات وعبارات ما أنزل الله بها من سلطان حول الثورة (سواء كان معها أو ضدها) ومعاناة الشعب المناضل من أجل الحرية والكرامة (بصرف النظر عن مفهومه لهما). الحديث لا يدور أبدا عن التخصص أو المهنة، بل يدور تحديدا حول ثنائيات قديمة وتقليدية مثل الجهل والخداع، البلادة وقلة الحيلة، الحماقة وتضخم الذات، انعدام الموهبة والرقص على الحبال. لقد تحدث أحد الأصدقاء، عَرَضا، عن الثنائية القديمة المقيتة الكلاسيكية المستهلَكة المبتذَلة المتعلقة بالشكل والمضمون: هل يجب أن أطبل وأزمر لعمل فنى تافه وبليد لا لشىء إلا لأنه يطرح قضية ما أناصرها؟ وماذا نفعل بشأن عمل فنى بارع ومهنى، لكنه يطرح قضايا لا أناصرها؟ لا إجابة، لأن الإجابات طرحت منذ زمن، لكن الجهل لدى قطاع واسع من الممثلين فى مصر يدفع بهم إلى طرق متعددة. سيدى الممثل، مشهورا كنت أو مغمورا، كن مع الثورة والجماهير أو ضدهما، ولكن لا تلوث حاستى البصرية أو السمعية بمظهر الأراجوز المتذاكى وبكلمات بلهاء ليس لها أى معنى. تحدث كما شئت عن أدوارك العظيمة، ولكن لا تتبول أوهامك عنها فى رأسى. اجلس على أى مقهى أو ارقص فى أى بار رخيص، ولكن لا تلق بثقل دمك وبدمامتك الروحية على من حولك باعتبارك زير النساء وفتى الأحلام ونجم المستقبل والفرصة لم تأتك بعد. اظهر كما شئت فى وسائل الإعلام، ولكن تحدث باسمك أنت فقط واتركنى فى حالى فأنا لا أحتمل نظراتك الذكية جدا وأفكارك النادرة الخلاقة وتصرفاتك المثيرة للشفقة والسخرية.